عاملون في المجال الإنساني يلملمون آثار الحرب في لبنان

جدران مقرّ مؤسسة عامل مازالت تحتفظ برسومات للأطفال وعبارات مكتوبة على غرار "أحلم كثيرا" وسط الركام وقطع الزجاج.
الخميس 2024/12/05
دمار واسع يحل بالمكان

بيروت - يتفقّد عاملون في مركز يُعنى بالنساء والأطفال في ضاحية بيروت الجنوبية آثار الدمار الذي تسّببت فيه غارة شنها الطيران الإسرائيليّ واستهدفت مبنى مجاورا في الأسابيع الماضية. وتُعبّر زينة مهنا من “مؤسسة عامل الدولية” عن “الصدمة” وهي تُعاين آثار الدمار، وتقول “سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يعود مركزنا إلى العمل.”

في سبتمبر الماضي بدأت إسرائيل بشنّ غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية وهي منطقة مكتظة بالسكّان يحظى فيها حزب الله بتأييد واسع. وعقب إعلان وقف إطلاق النار في الأسبوع الماضي، عكف العاملون في "مؤسسة عامل"، التي بدأت نشاطها في زمن الحرب اللبنانية (1975 - 1990)، على لملمة آثار هذه المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.

تعرّضت هذه المنطقة، إضافة إلى مناطق واسعة في جنوب لبنان وشرقه، لغارات مدمّرة استهدفت وفقا للجيش الإسرائيلي منشآت ومصالح تابعة لحزب الله. وسبقت الكثير من هذه الغارات تحذيرات للسكان وأوامر بالإخلاء. ومن بين الغارات تلك التي أدّت إلى تضرّر مقرّ مؤسسة عامل، حيث مازالت الجدران المثقوبة تحتفظ برسومات للأطفال وعبارات مكتوبة على غرار “أحلم كثيرا” وسط الركام وقطع الزجاج.

تقول زينة مهنّا إن 13 مقرّا لمؤسسة عامل من أصل 40 تضرّرت في هذه الحرب. وهي مراكز تقدّم خدمات صحيّة واجتماعيّة على مستوى لبنان كلّه. وتضيف أن مركزا في حيّ السلّم ومستوصفا مجاورا ومركزا لإيواء العمّال الأجانب في الشيّاح، وكلها مراكز في ضاحية بيروت الجنوبية، تضررت جراء الغارات الإسرائيلية التي استهدفت فروع مؤسسة “القرض الحسن”.

وتشكّل مؤسسة القرض الحسن، المرتبطة بحزب الله والخاضعة لعقوبات أميركيّة، متنفّسا للكثير من اللبنانيين سواء من الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة التي ينتمي إليها حزب الله، أو من طوائف أخرى، في هذا البلد الواقع تحت أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات.

◙ 13 مقرا لمؤسسة عامل من أصل 40 تضرّرت في هذه الحرب، وهي مراكز تقدّم خدمات اجتماعيّة

ويقول الجيش الإسرائيلي إن مؤسسة القرض الحسن “تشارك في تمويل النشاطات الإرهابية لحزب الله،” وفي العشرين من أكتوبر الماضي أصدر تحذيرا للسكان المقيمين قرب فروع المؤسسة بالابتعاد عنها. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي على تويتر “قرر جيش الدفاع مهاجمة هذه البنى التحتية الإرهابية.”

وفي وقت لاحق قال الجيش الإسرائيلي إنّه ضرب 30 هدفا مرتبطا بالمؤسسة، وواصل غاراته في الشهر التالي. وتقول سُكنة الحولي، مديرة مركز مؤسسة عامل في حيّ السلم، “يقصد المركز هنا ما يقارب مئة طفل و40 امرأة يوميا، حين سمعت بوقوع غارة لم أنم الليل،” ثم تغالب دموعا اجتاحت عينيها. وتضيف هذه السيّدة التي هجّرتها الحرب هي أيضا من بيتها في المنطقة “الناس في المنطقة هنا محتاجون كثيرا إلى هذا المركز.”

وفي أكتوبر الماضي ندّدت الأمم المتحدة بالغارات التي استهدفت مؤسسة القرض الحسن، معتبرة أنّها تسبّبت في حدوث “أضرار واسعة” للممتلكات والبنى التحتيّة المدنيّة، فيما وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “جريمة حرب” تستوجب التحقيق. وأوضحت مهنا أن مركز حي السلم كان يوفر مساحات آمنة للنساء ضحايا العنف، ويُقدّم برامج للأطفال من بينها برنامج بالتعاون مع اليونيسف.

وقال مصدر في اليونيسف إن “إعادة تأهيل المساحات الآمنة للأطفال في مجتمعاتهم أمر بالغ الأهمية.” وكشفت زينة مهنا أن مؤسستها تواصلت مع الأمم المتحدة رسمياً بهدف حماية مراكزها من القصف. وعلى بعد بضعة كيلومترات، في حيّ الشياح الواقع أيضا في الضاحية الجنوبية، كان جمع من الناس يتفقّدون مركز مؤسسة عامل للعمال الأجانب، بعدما تعرّض لأضرار كبيرة جرّاء غارة إسرائيلية دمّرت فرعا لمؤسسة القرض الحسن في مبنى مجاور.

وبين الجدران المتهاوية والزجاج المهشم على الأرض في كلّ مكان، استقرّت أريكة قديمة قذفتها قوة الانفجار من بيت مجاور إلى الشرفة. وهناك وقفت نور خزعل، إحدى العاملات في المؤسسة، وهي تشير إلى صور توثّق أياما أقل حسرة، وتقول “نشعر بالأسى، هذا منزلنا، نمضي كلّ وقتنا هنا.”

وعلى الرغم من كلّ الخسائر والأهوال، تُعرب نور خزعل عن أملها في أن تعود المؤسسة إلى سابق عهدها في العمل الاجتماعي والصحي. وتقول هذه الشابة التي اضطرت هي الأخرى إلى النزوح خلال الحرب من الشياح مع زوجها وابنها ذي السنة الواحدة "لن يعود هذا المركز كما كان وحسب، بل سيكون أفضل بعشر مرّات.. بل بمئة مرّة."

2