القاهرة ترسم ملامح أداء الإعلام وتنفتح على الانتقادات بشروط

رغبة الحكومة بتطوير الأداء تقابلها مخاوف من تصاعد حدة الانتقادات.
الخميس 2024/12/05
هل تستعيد ثقة الجمهور

أبدت الحكومة المصرية مع تعيين قيادات الهيئات الإعلامية انفتاحا على النقد من قبل وسائل الإعلام باعتباره أولى الخطوات لكسر حاجز الخطوط الحمراء التي تعيق تطويره وتأثيره، لكن هذا الانفتاح لا يزال يترافق مع مخاوف من رفع سقف الانتقاد.

القاهرة - رسمت الحكومة المصرية ملامح أداء وسائل الإعلام المختلفة مع تعيين رؤساء جدد للهيئات الصحفية والإعلامية، وأبدت انفتاحا مع وضع مجموعة من الشروط تتمثل في أن تكون الانتقادات موضوعية ووضع حلول للمشكلات التي تواجهها، ما عبر عن رغبتها في منح الإعلام المحلي جزءا من الحركة، لكن دون أن يتغير المناخ العام الذي يساعد على أداء مهام الإعلام بشكل إيجابي في ظل تجميد تمرير قانون حرية تداول المعلومات الذي من شأنه تسهيل انسيابها.

وأكد رئيس الحكومة المصري خلال لقائه رؤساء الهيئات الصحفية والإعلامية الجدد (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة)، الاثنين، تقبل الحكومة لأي انتقادات توجه لها من مختلف وسائل الإعلام.

واعترف بوقوع الحكومة في بعض الأخطاء وأن هدفه التحسين المستمر في مسارات عملها، مؤكدا أهمية فتح الباب أمام الاستماع لمختلف الآراء، كما تطرق إلى مطالب العديد من خبراء الإعلام بضرورة “وضع إستراتيجية متكاملة للإعلام المصري بأهداف محددة تتشارك مختلف الهيئات وجهات الدولة في تحقيقها.” وأدى أعضاء الهيئات الإعلامية اليمين الدستورية أمام البرلمان المصري بعد أن صادق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تغيير الهيئات الثلاث التي تتولى الإشراف على الإعلام الحكومي.

وتم تعيين خالد عبدالعزيز في منصب رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ويتولى إدارة وتنظيم عمل مختلف وسائل الإعلام داخل مصر، وأحمد المسلماني رئيسا للهيئة الوطنية للإعلام، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة التلفزيون الحكومي، وبقي عبدالصادق الشوربجي في منصبه رئيسا لهيئة الصحافة وتشرف على إدارات الصحف القومية.

ويتفق خبراء الإعلام على أن الحكومة المصرية بحاجة إلى تطوير أداء وسائل الإعلام لكنها في الوقت ذاته تخشى من فتح الباب على مصراعيه أمام ترك حرية الحركة نحو تقديم محتويات يمكن أن تضعها أمام المزيد من الانتقادات وتسعى لتحسين صورتها أمام المواطنين الذين يرون أنها سبب في تراجع أوضاعهم المعيشية. وفي المقابل فإن استمرار وسائل الإعلام في الاعتماد على حشد الرأي العام نحو إنجازات الحكومة بلا رصد السلبيات يقود إلى الإجهاز على ما تبقى من ثقة في ما تقدمه من محتوى.

عزة هيكل: الإعلام المصري بحاجة إلى وقفة جادة ونظرة إستراتيجية
عزة هيكل: الإعلام المصري بحاجة إلى وقفة جادة ونظرة إستراتيجية

وبدت طريقة اختيار رؤساء الهيئات الإعلامية الجديدة وما صدر من تصريحات على لسان رئيس الحكومة أن التردد في منح الإعلام هامش حرية أكبر ما زال سائدا، وقد يرجع ذلك إلى عدم ثقة دوائر حكومية في النتائج المترتبة على ذلك، أو لأنها ارتاحت من صداع كانت تسببه وسائل الإعلام لحكومات سابقة قبل تضييق المساحات على حركتها، خاصة أن الجزء الأكبر من وسائل الإعلام مملوك لجهات حكومية وغاب الإعلام الخاص والمعارض بشكل شبه تام الفترة الماضية.

قال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إن تعيين الهيئات الجديدة يأتي في مرحلة مهمة تشهد فيها البلاد تحديات جمة ويتطلب ذلك تحفيزها على الانطلاق من موقعها الحالي إلى المزيد من الممارسات الإيجابية التي يمكن أن تسد الفراغ القائم مع هجرة الجمهور لوسائل الإعلام التقليدية، وأن كسب ثقة المواطنين بحاجة إلى قرارات جريئة كي يقدم الإعلام ما يقنعهم بوجود تغيير في السياسة التحريرية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تطوير الأداء الإعلامي مطلوب بشدة الفترة المقبلة لمواجهة تطور الإعلام العربي والدولي، وتحتاج وسائل الإعلام في مصر إلى تقديم محتويات موضوعية لا تقوم على توجيه النقد المستمر الذي يساعد في تأجيج المواطنين، لكن في الوقت ذاته لا بد من تسليط الضوء على السلبيات وتفنيدها.

وأشار إلى أن الاستماع للتصريحات الإيجابية دون إصدار قانون تداول المعلومات يعني أن أداء وسائل الإعلام لن يتطور بالشكل المطلوب، وكان من المفترض إقراره منذ سنوات، والآن الوقت مناسب لإخراجه من أدراج مجلس النواب بما يساعد الإعلاميين على تقديم رسالة مهنية تجذب الجمهور مرة أخرى لوسائل الإعلام التقليدية وتخدم الحكومة التي بحاجة إلى التواصل مع المواطنين.

وشدد رئيس المجلس الأعلى للإعلام خالد عبدالعزيز على ضرورة الاهتمام بالنخبة التي تخرج لتتحدث إلى الناس، وإفساح المجال أمامها لشرح التحديات التي تواجه الدولة المصرية على مختلف الأصعدة، لافتا الانتباه إلى السلبيات أو الأخطاء، قائلا “لا مانع من ذلك”، مع مراعاة الاهتمام بالمضمون الإعلامي المُقدم في مختلف وسائل الإعلام، وكل ما يتعلق بالبرامج السياسية والرياضية والفنية، وغيرها.

وتأتي التصريحات الإيجابية في وقت تدرك فيه دوائر حكومية أهمية دور وسائل الإعلام العام المقبل الذي تشهد فيه البلاد انتخابات مجلس النواب، وحال جرى التعامل معها وفقا لآليات المتابعة الإعلامية المهنية، فإن ذلك يخصم على نحو أكبر من رصيد الحكومة ويمكن أن يؤدي إلى حالة احتقان شعبي، خاصة أن البرلمان الحالي يعاني من انفصام بينه وبين المواطنين والاستمرار على نفس القاعدة لن يكون محمود العواقب.

◙ الإعلام المصري بحاجة إلى وقفة جادة ونظرة إستراتيجية يتشارك فيها الخبراء والأكاديمون والمثقفون من أجل وضع خطة إعلامية وثقافية حقيقية

وقللت الخبيرة الإعلامية عزة هيكل من التعويل على التصريحات الصادرة من رئيس الحكومة ورؤساء الهيئات الجدد، والفترة المقبلة ستكون شاهدة على مدى صدق هذه التوجهات، وأن الأداء الإعلامي، ومدى إحداث تطور ملموس على مساحات الحرية الممنوحة أمام وسائل الإعلام، يعد أفضل وسيلة لقياس الوعود الإيجابية.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن العاملين في وسائل الإعلام ينتظرون تحقيق تطور إيجابي يساهم في إنعاش صناعة الإعلام بوجه عام وهناك إجماع على قيمة الوطن والحفاظ عليه، لكن مع ضرورة تسليط الضوء على السلبيات لتصويبها، خاصة أن مصر في مرحلة حرجة تتطلب أن يكون الأداء الإعلامي موجها للمواطنين وليس للدولة، وهؤلاء يشكلون حائط الصد الأول وأن إشباع رغباتهم الإعلامية وإمدادهم بالحقائق أولا بأول وعدم تركهم فريسة للقنوات المعادية لا بد أن يأتي على رأس أولويات الهيئات الجديدة.

وشددت على أن الإعلام المصري بحاجة إلى وقفة جادة ونظرة إستراتيجية يتشارك فيها الخبراء والأكاديمون والمثقفون من أجل وضع خطة إعلامية وثقافية حقيقية تكون حائط صد تحمي الدولة والمواطنين من الهجمات الإعلامية التي تستهدف الأمن الداخلي والسلام الاجتماعي، وأن تلك الخطة يصعب أن تعتمد على أهل الثقة فقط وإنما على الخبرة والمعرفة والعلم مع الإدارة السليمة الرشيدة.

ولفتت إلى ضرورة مواجهة الفراغ الكبير في الساحة الإعلامية المصرية لأسباب متعددة، منها غياب دور التلفزيون الرسمي واستبعاد الكثير من الخبراء والأكاديميين والأصوات الإعلامية الوطنية، وأن الهيئات الجديدة يجب أن تعمل في إطار واضح يحدد الأهداف والرسائل والخطط وكيفية تحقيقها والمدة الزمنية المطلوبة.

5