السعودية تراهن على التكنولوجيا الخضراء لتطوير الصحراء

الجمع بين التقنيات المتطورة والزراعة وإدارة المياه لمكافحة تدهور مساحات كبيرة من الأراضي.
الأربعاء 2024/12/04
انظروا كيف نجحت تجاربنا!

يعكف الخبراء في مختبرات السعودية على القيام بتجارب معمقة من أجل تطويع التكنولوجيا في استصلاح الأراضي، كأحد الاتجاهات الضرورية لمواجهة تحدي تغير المناخ، في ظل رهان على معاضدة الشركات الناشئة لهذه الجهود، بما يحقق الأهداف الطموحة للدولة.

الرياض - تعتمد السعودية على المبادرات الخضراء لتطوير تربتها الصحراوية، ولكن بين الوعود التكنولوجية وقضية الغسيل البيئي، يبقى التحدي الحقيقي الذي تواجهه تلك الشركات الناشئة هو تحويل المشاريع التجريبية إلى حلول مستدامة في مواجهة حال الطوارئ المناخية.

وتستضيف الرياض منذ الاثنين الماضي مؤتمر الأمم المتحدة بشأن مكافحة التصحر (كوب 16) الذي اعتبره الأمين العام للمنظمة الأممية أنطونيو غوتيريش “لحظة حاسمة” في مكافحة الجفاف وتمدد الصحارى.

ويعد التصحّر قضية مزمنة للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من أفريقيا، وهي مسألة حساسة لعلاقتها بتحقيق الأمن الغذائي لملايين البشر على سطح الكوكب.

ولدى السعودية أراض واسعة صالحة لإنتاج الحبوب، كما تمتلك الأموال اللاّزمة لإنشاء قطاع زراعي متطوّر يستخدم أحدث التقنيات، لكن مناخها الحار والجاف في أغلب فترات السنة لا يسمح بالزراعة المعتمدة على الأمطار على غرار دول أخرى في المنطقة العربية.

وعشية انطلاق كوب 16 أكد وكيل وزارة البيئة السعودي أسامة فقيها لوكالة فرانس برس أن بلاده، التي تضم إحدى أكبر الصحارى في العالم، تهدف إلى “استصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة” دون أن يحدد جدولا زمنيا لذلك.

بيينغ هونغ: الماء المفلتر يستخدم لإنتاج طحالب لتغذية الماشية أو للري
بيينغ هونغ: الماء المفلتر يستخدم لإنتاج طحالب لتغذية الماشية أو للري

وأضاف “نحن دولة صحراوية. نحن معرضون لأقسى أشكال تدهور الأراضي وهو التصحر. أرضنا قاحلة. وهطول الأمطار لدينا قليل جدا. هذا هو الواقع. ونحن نتعامل مع هذا منذ قرون.” وأوضح أن الرياض تتوقع استعادة “عدة ملايين من الهكتارات من الأراضي” بحلول العام 2030، مشيرا إلى أنه تم استعادة 240 ألف هكتار حتى الآن باستخدام حزمة من التدابير.

ومن خلال الجمع بين التكنولوجيا المتطورة والزراعة وإدارة المياه، تسعى أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم إلى الاستجابة لأزمة المناخ مع تنويع اقتصادها للاستعداد لإمكانيات مرحلة ما بعد النفط.

وبحسب تقرير لشركة التدقيق العملاقة برايس ووترهاوس كوبرز بعنوان "تكنولوجيا المناخ في الشرق الأوسط 2023"، فإن نحو 75 في المئة من استثمارات الشرق الأوسط في الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ على مستوى العالم هي استثمارات سعودية.

لكن “جزءا صغيرا فقط من هذه الاستثمارات يتم توجيهه إلى هذه المنطقة” كما تؤكد الشركة في تقريرها.

وفي عام 2023، كانت الطاقة هي القطاع الذي يستحوذ على أكبر حصة بواقع 363 مليون دولار بفارق كبير من هذه الاستثمارات في الشركات الناشئة، يليه مباشرة الغذاء والزراعة واستخدام الأراضي بنحو 39 مليون دولار، بحسب شركة التدقيق.

ومن بين تلك المشاريع محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي تم تطويرها في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي تنتج الطاقة الخاصة بها.

◙ 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في السعودية تسعى وزارة البيئة لاستصلاحها

وتحت إشراف البروفيسورة بيينغ هونغ، تستخدم هذه المحطة “الكائنات الحية الدقيقة اللاهوائية” التي تعيش من دون أكسجين “لتحويل الكربون العضوي إلى ميثان” يتم جمعه على شكل غاز حيوي، بحسب ما أوضحت بيينغ لوكالة فرانس برس.

وتضيف بيينغ أن المياه المفلترة في تلك المفاعلات البيولوجية يمكن استخدامها في “زراعة الطحالب الدقيقة لتغذية الماشية” أو “لري النباتات والأشجار” لمكافحة التصحر.

وكجزء من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، تهدف السعودية إلى زراعة عشرة مليارات شجرة لإعادة تأهيل “74 مليون هكتار من الأراضي”، وهي مساحة أكبر من فرنسا، و”استعادة خضرتها الطبيعية”، بحسب ما يشير الموقع الإلكتروني للمبادرة.

ولتحقيق تلك الطموحات، تعد الإدارة الفعالة لموارد المياه والأراضي أمرا أساسيا إلى حد كبير للبلد الخليجي الصحراوي ذي الموارد المائية المحدودة للغاية.

ويقول البروفيسور هيمانشو ميشرا من مزرعة تجريبية “نحن نحول الرمال إلى تربة” والذي طور مع فريقه في جامعة الملك عبدالله منتجا إنه قادر على تحويل الأراضي الصحراوية إلى أراض خصبة من خلال إثرائها بسماد الدجاج الأمثل.

هيمانشو ميشرا: يمكن تحويل الصحارى إلى أراض خصبة عبر سماد الدجاج
هيمانشو ميشرا: يمكن تحويل الصحارى إلى أراض خصبة عبر سماد الدجاج

ويؤكد أن هذا السماء هو مورد وفير وغير مستغل في السعودية التي تدفن منه ما يقارب 500 ألف طن سنويا.

وتستخدم الزراعة الصناعية كميات هائلة من المواد الكيميائية الموجودة في الأسمدة والمبيدات الحشرية التي تؤدي إلى إيجاد مناطق ميتة في المجاري المائية، وتضر بالتنوع البيولوجي وتزيد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تعزز الاحترار المناخي.

ويضيف ميشرا لفرانس برس “على عكس الأسمدة، التي تعتبر عناصر مغذية للنباتات” فإن ابتكاره “يعمل مثل الإسفنج للاحتفاظ بهذه العناصر الغذائية والمياه، مع تعزيز التنوع البيولوجي الميكروبي” الضروري لنمو النباتات.

لكن هذه الابتكارات تتطلب تمويلا كبيرا لنشرها على نطاق واسع. وتسلط بيينغ الضوء على أهمية استثمارات رأس المال المغامر (الجريء).

ويقرّ جون روبنسون المستثمر في شركة مازارين فينتشرز المتخصصة في الاستثمارات المرتبطة بإدارة المياه، بأن جمع الأموال لا يزال “صعبا للغاية” بالنسبة لهذا النوع من الشركات الناشئة، على الرغم من أن بعضها ينجح في جذب مستثمرين من القطاع الخاص.

وطموحات السعودية للقيادة البيئية تأتي مع اعتمادها المستمر على النفط. وإلى جانب مكافحة التصحر، تركز المملكة بشكل أساسي على التقنيات بما في ذلك احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين كجزء مما تسميه “اقتصاد الكربون الدائري”.

لكن المنتقدين ينظرون إلى هذه الجهود على أنها “غسيل بيئي” مشيرين إلى أنها تسمح بمواصلة الاستثمار في الوقود الأحفوري في حين توفر فوائد بيئية محدودة فقط.

وفي مايو الماضي، أكد المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، أن “المبادرة السعودية الخضراء تهدف إلى إخفاء اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري”، بينما تبرر الرياض سياستها بأنها ضرورية لأمن الطاقة لديها.

وفي عالم يستعد لإمكانيات ما بعد النفط، يمكن للسعودية التي تمتلك رأس المال والموارد المالية اللازمة، أن تصبح صاحبة ثقل إقليمي في مجال الابتكار البيئي. ومن خلال بيع ترابها الكربوني “المصنوع في المملكة من النفايات المحلية” يمكن للبلد أن يصبح “مصدرا للمنتج وأيضا لتقنيته” بحسب ميشرا.

10