التسرب المدرسي يعيد مؤشرات الأمية إلى الوراء في تونس

تونس - لا تزال تونس تعاني من معضلة الأمية المنتشرة منذ سنوات، حيث تؤكد آخر الأرقام وجود أكثر من مليون أمي في البلاد، رغم رهان السلطة بعد الاستقلال في العام 1956، على فرض التحاق الأبناء بالمؤسسات التربوية من أجل التمدرس.
وعزا مراقبون ارتفاع نسبة الأمية إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة ونسب التسرّب المدرسي اللذين تسببا في ترك أكثر من مليون تلميذ مقاعد الدراسة في العشرية الأخيرة، فضلا عن محدودية انخراط كبار السنّ في منظومة تعليم الكبار التي تبقى محدودة النتائج.
وأكد مدير عام محو الأمية وتعليم الكبار في وزارة الشؤون الاجتماعية هشام بن عبدة الاثنين أنه “سيتم قريبا إطلاق مدرسة تونس للتعلم مدى الحياة والتي ستقدم دروسا وتكوينا في الإعلامية واللغات والمسرح وغيرها.”
وأضاف بن عبدة أن “هذه المدرسة سيتم تركيزها السنة المقبلة وستقدم خدماتها مجانا وستسهم في الحد من الأمية في تونس.”
وبيّن أن “نسبة الأمية الأبجدية في تونس بلغت 12.7 في المئة أي ما يعادل 1.3 مليون شخص من بينهم 800 ألف امرأة و500 ألف رجل وفق آخر مسح قام به المعهد الوطني للإحصاء العام الماضي.”
وأوضح بن عبدة أن “مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي من أكثر المناطق تسجيلا لعدد الأميين بالإضافة إلى تفشيها في قطاعي الفلاحة والصناعات المعملية”، مرجحا أن “يتم القضاء على الأمية الأبجدية في تونس خلال الخمس سنوات أو العشر سنوات المقبلة على أقصى تقدير.”
وسجّلت تونس في العقد الماضي انقطاع أكثر من مليون تونسي عن التعليم، ما تسبّب في ارتفاع نسبة الأميين في البلاد، فيما تعرف مقاربات محو الأمية اضطرابا نتيجة ضعف الإمكانيات المالية المخصصة لها.
وتقدّر نسبة الأمية في تونس بحسب المسح الوطني الذي أعدّته وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي في عام 2019 بـ17.7 في المئة، غير أنّ هذه النسبة سجّلت ارتفاعا بعد أزمة كورونا الوبائية لتصل إلى 17.9 في المئة.
وأفاد أستاذ علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله بأن “تونس منذ الاستقلال في مارس 1956، فرضت السلطة التحاق الأطفال ومن يبلغ من العمر ست سنوات بمقاعد الدراسة في المؤسسات التربوية، وهي تعد نسبة مرتفعة وتصل إلى 97 في المئة.”
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “السبب الرئيس لتزايد نسبة الأمية هو الانقطاع المدرسي المبكر (منذ السنوات الأولى)، وهناك أطفال غادروا المؤسسات مبكرا وتحصيلهم العلمي والدراسي ضعيف جدا.”
تونس توجهت نحو اعتماد مقاربة جديدة في مكافحة الأمية عبر مدارس التعلم مدى الحياة لتعويض برنامج تعليم الكبار
وتابع بلعيد أولاد عبدالله “هناك أيضا الأمية الحضارية، وهي ضعف الإدراك والمعرفة الاجتماعية والثقافية، وبالتالي الموضوع يطرح إشكالا كبيرا، ونسبة الأمية كبيرة ولكن هناك تساؤلات حول أي نوعية من الدراسة والتحصيل العلمي تقدّم.”
واستطرد قائلا “هناك إشكالية في التحصيل الدراسي، وبعد 2011 لم يتم فسح المجال لتطوير البحث العلمي.”
ووفق أرقام رسمية، يغادر ما بين 60 و100 ألف طالب سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون نهائيا عن التعليم في مراحل مبكرة، كما أنّ 50 في المئة من المنقطعين عن الدراسة (حوالي 30 ألف تلميذ) لا ينخرطون في أيّ منظومة للتكوين المهني ويعتبرون من العاطلين عن العمل.
وتوجهت تونس نحو اعتماد مقاربة جديدة في مكافحة الأمية في البلاد عبر مدارس التعلم مدى الحياة التي سوف تعوّض برنامج تعليم الكبار، الذي اعتمدته السلطة منذ عام 2002 في إطار مكافحة الأمية لدى الذين حُرموا من التعليم من أعمار مختلفة، لكن بعد أكثر من عقدين من تنفيذ البرنامج اتخذت مستويات الأمية في تونس منحى تصاعديا مدفوعة بارتفاع عدد المنقطعين عن التعليم في السنوات الأخيرة وارتدادهم إلى الأميّة.
وتحرص وزارة الشؤون الاجتماعية على تطوير قطاع محو الأمية وتعليم الكبار من خلال تكثيف الجهود في عملية استقطاب الدارسين في مراكز التربية الاجتماعية.
وإلى جانب البرامج الحكومية لمكافحة الأمية تسعى منظمات مدنية إلى تطوير برامج موازية لمنح المنقطعين عن التعليم أو الذين لم يلتحقوا بالمدارس كليا فرصا للتعلّم. ويُذكر في هذا الإطار أن المعهد العربي لحقوق الإنسان فتح فضاءً للتعلّم مدى الحياة لسكان حيّ السيدة، وهو من بين أكبر الأحياء الشعبية في العاصمة التونسية.
وتتعالى المطالب الشعبية بإصلاح التعليم في تونس وهي مطالب ليست وليدة اللحظة، لكن هذه العملية تعثرت وظلت تمثل ملفا تتوارثه الحكومات المتعاقبة التي مسكت بزمام الأمور في البلاد وذلك رغم تبني برنامج للإصلاح سنة 2015.
اقرأ أيضا:
• ضرورة زيادة الميزانيات المخصصة للتحول الرقمي في مجال التعليم