منابر إسطنبول تسقط أقنعة الإخوان في حرب السودان

رجل دين إسلامي يشن هجوما غير مسبوق على قائد الجيش السوداني ويصفه بالخائن وغير المحترم معتبراأنه أعجز من أن يقضي على الإسلاميين لأنهم في مكتبه.
السبت 2024/11/30
الإخوان ينقلبون على البرهان

إسطنبول – حمل الهجوم اللاذع غير المسبوق الذي شنه رجل الدين السوداني المقيم في تركيا عبدالحي يوسف على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إشارات هامة إلى أبعاد الصراع، خاصة عندما كشف عن خبايا الحرب وما قبلها، ووصف البرهان بأوصاف شديدة السوء، وحمّله مسؤولية اشتعال الحرب وتطورها.

ومثّل موقف يوسف وهو أحد أبرز رجال الدين في الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين) انقلابا مفاجئا في موقف الحركة من قائد الجيش السوداني، الذي كانت تسانده منذ بداية هذه الحرب كما تبنى البرهان المواقف السياسية للحركة الإسلامية الرافضة للتفاوض مع قوات الدعم السريع، دون الاعتراف بوجودها في المشهد السياسي.

وخلال استضافته من قِبل مركز مقاربات للتنمية السياسية في إسطنبول، هاجم عبدالحي يوسف قائد الجيش السوداني بضراوة غير مسبوقة، قائلا إن الإسلاميين لا يثقون به مطلقاً، وحمّله النصيب الأكبر من مسؤولية الأزمة الراهنة. كما أرجع ما سماها "الانتصارات الأخيرة" للجيش إلى مشاركة كتائب المجاهدين الإسلامية، التي وصفها بأنها تقاتل ضد قوات الدعم السريع أكثر من الجيش.

ووصف يوسف قائد الجيش البرهان بأنه على علاقة بـ"الصهاينة"، ورجل بلا أخلاق أو دين. كما اتهمه بتقوية وتعزيز قوات الدعم السريع بالسلاح والمعدات، والسماح لها بالتمركز في مواقع استراتيجية، مثل القيادة العامة والقصر الجمهوري ومبنى التلفزيون، مؤكداً أن كل هذه الأمور كانت تحت علمه وموافقته.

واتهمه بالتناقض وعدم الالتزام بتعهداته، مشيرا إلى مثال رفض البرهان استقبال وزير الخارجية القطري تحت ضغط من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي رغم موافقته المسبقة.

وعُرف عبدالحي يوسف بموالاة العسكريين في الحكم منذ حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، كما ناصر فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش على يد العسكريين فضلا عن تأييد انقلاب البرهان وحميدتي على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021. وفق موقع "سودان تربيون" المحلي.

وبعد اشتعال الحرب بالسودان في منتصف أبريل 2023 ساند عبدالحي يوسف الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع.

وكشف يوسف عن أن البرهان فقد الدعم الدولي، حيث أشار إلى أن وفد من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -من أعلى الهيئات داخل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين- وذكر من الوفد اسم نائب رئيس الاتحاد "محمد الددو"، وهو سلفي جهادي موريتاني، التقى بالحكومة التركية لحثها على الدعم والمساندة بالسلاح في الحرب ضد قوات الدعم السريع. إلا أن الحكومة التركية، ممثلة في وزير خارجيتها، لم تستجب، ورفضت – بحسب قوله – لأسباب تتعلق بشخصية البرهان، واصفة إياه بأنه “غير محترم” وكذاب "غير ملتزم بالعهود".

وأبرز ما صرّح به عبدالحي يوسف خلال المحاضرة، هو قوله إن قائد الجيش "أعجز من أن يقضي على الإسلاميين"؛ لأنهم موجودون حتى في مكتبه، ما يعني أنهم يتحكمون بمفاصل الحرب وسياقاتها، وبقيادة الجيش نفسها. بل يتحكمون في قرارات البرهان، الذي لا حول ولا قوة له، وأنه واقع تماماً تحت سيطرة "الإخوان"، يحركونه كدمية وفقاً لمصالحهم.

لم يكتف عبدالحي يوسف بتوجيه الانتقادات للبرهان، بل طالبه بالكشف عن تفاصيل زياراته الخارجية، ومنها زيارته الأخيرة للولايات المتحدة.

وأشار رجل الدين الإخواني إلى أن كلا من مصر، الولايات المتحدة، ودول الخليج تدعم الجيش، لكنها ترفض عودة الإسلاميين إلى المشهد، مؤكدا أن البرهان لا يستطيع القضاء على الإسلاميين لأنهم موجودون داخل مكتبه.

وعبدالحي يوسف، الذي يعتبر أحد أهم أئمة الحركة الجهادية الحربية وسط التيار الإسلامي، كان يتحدث بأريحية، باعتبار أن المنصة التي كان يتحدث منها منصة تابعة للفرع السوري من التنظيم العالمي للإخوان الذي يتخذ تركيا مقراً له.

وأماط اللثام عن أن ما يُسمّى "المقاومة الشعبية"، التي تم إشهارها في وقت سابق من العام كقوات شعبية مساندة للجيش السوداني، ما هي إلا غطاء لكتائب المجاهدين التابعة للحركة الإسلامية السودانية (إخوان).

وقد أطلق عليها هذا الاسم تمويها وتحايلا على مصطلح (الجهاد) الذي أصبح منبوذاً – وفقاً لوصفه – مشيرا إلى أن هذه المليشيات دُرّبت على السلاح تحت إشراف من أطلق عليهم قُدامى "المجاهدين" الذين خاضوا الحرب في جنوب السودان؛ والتي انتهت بانفصاله وإعلانه دولة مستقلة.

وتأتي تصريحات عبدالحي يوسف في وقت يشهد السودان صراعًا دمويًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.

منذ بداية الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، ظلت القوى السياسية السودانية المناهضة للحرب تؤكد بأن هذه الحرب أشعلتها وتقودها الحركة الإسلامية السودانية، التي تعرف في السودان بـ"الكيزان"، وجناحها السياسي حزب المؤتمر الوطني، من أجل استعادة السلطة التي فقدتها بعد الثورة الشعبية في 2019.

وهذا ما اعترف به عبدالحي يوسف في محاضرته، وردد عبارته الشهيرة التي سبق وقالها بطريقة أخرى مع بداية الحرب "إن الله ساق هذه الحرب لإعادة ألق الحركة الإسلامية وقوتها".

وتصريحات يوسف أكدت المؤكد، وحسمت بما لا يدع مجالا للشك أن الحركة الإسلامية هي المحرك الرئيسي للحرب في السودان، وأن الجيش مجرد واجهة لتحقيق أهدافهم السياسية.

في وقت متأخر من ليل الجمعة/السبت، أصدرت الحركة الإسلامية السودانية بيانا خجولا، اختتمته بجزئية صغيرة نفت فيها وجود علاقة تنظيمية تجمعها بعبدالحي يوسف. ويبدو أن البيان لم يكن الغرض منه نفي العلاقة بعبدالحي، بل محاولة معالجة كشفه للمستور بينها وبين قائد الجيش، وفضحه لعملية سنّ السكاكين التي تدور في الخفاء، فأكدت في بيانها دعمها للقوات المسلحة.

لكن محللين اعتبروا البيان محاولة لتخفيف الضرر، مشيرين إلى أن العلاقة بين الإخوان والبرهان انتهت فعليا.

تكشف تصريحات عبدالحي يوسف عن أبعاد الصراع في السودان ودور الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) في إشعال الحرب، واستغلال الجيش كواجهة لتحقيق أهدافهم السياسية. وبينما يؤكد عبدالحي أن الإسلاميين يتحكمون بمفاصل الدولة والجيش، فإن المواجهة بين البرهان والإخوان قد تتحول إلى صراع داخلي جديد يزيد من تعقيد الأوضاع، مع تغير في التحالفات وتعدد الأطراف المتنازعة، ربما تقود إلى انقسامات وسط الجيش نفسه، ما يطيل من أمد الحرب التي تسببت في كارثة إنسانية هي الأكبر في العالم.

وعلق خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء الأسبق، ​​نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني في منشور على فيسبوك قائلا "نواصل مع عبدالحي يوسف واعترافاته.. يقول بأن الله قد ساق هذه الحرب حتى يعيد للحركة الاسلامية ألقها وقوتها!!! من سمات الاسلاميين استهتارهم بأرواح الناس وحياتهم .. هذا هو تقييمهم لكل ما حاق بحياة الملايين من دمار وتشريد ونزوح ولجوء. كل هذا لا يهم .. المهم هو عودة (ألقهم وقوتهم) !!

وأضاف "كما كررناها مراراً .. أكثر من أجرم في حق القوات المسلحة هم الحركة الاسلامية .. هم من اخترقوها وأضعفوها ووظفوها لمصالحهم السلطوية وقسموها وخلقوا تعدد الجيوش والجماعات المسلحة. ها هو عبدالحي يقولها بالفم المليان .. انتصارات هذه الحرب تنسب للمقاومة الشعبية التي ينسبها للإسلاميين .. أما القوات المسلحة فلا ناقة لها ولا جمل".

وتساءل قائلا "ترى من هو الذي يريد تفكيك الجيش والدولة بحق؟ ومن يحتقر السودان وأهله؟؟!! وحرب من هذه وما هي غاياتها؟!

ورأى الصحافي محمد علي كيلاني، أن أخطر جزئية في كلام عبدالحي يوسف، هي أن "هناك وفد من اتحاد علماء المسلمين التابع للكيزان التقى وزير الخارجية التركي للتوسط لبيع سلاح للسودان".

وتابع في منشور على منصة إكس "أين وزارة الدفاع، وأين هيئة الامداد، وأين المحلقية العسكرية، ماذا يفعل هؤلاء حينما يتدخل الإسلاميون من خارج السودان في صفقات السلاح؟".

وأضاف أن "خروج مفتي الإخوان المسلمين في السودان الشيخ عبدالحي يوسف في هذه الأوقات، ليتهم البرهان بالخيانة والكذب ويوضح دور الحركة الإسلامية في الحرب ويمتدح دور المقاومة الشعبية، له دلالات متعددة".

ومن جهته، قال الناشط السياسي هشام عباس عبر منصة إكس، إن "شيخ الارهابيين أعلنها واضحة بأن هذه الحرب لا فضل فيها للجيش بل لميليشيات الحركة الإسلامية، هذا بالنسبة للمغفلين الذين يحدثونك عن وجود جيش".

وأضاف "طبعًا هم من أشعلوا هذه الحرب وهم من غدروا بقوات الدعم السريع وهم من خططوا لهذه الكارثة، لكن كل هذا يراه شيخ الارهاب أن الله ساقها اليهم لأنه حسب اعتقادهم كل ما يدبرونه من اجرام هي ارادة الله".