الحكومة الأردنية تحارب الشائعات بالانتقال من نفيها إلى توفير المعلومة للصحافيين

قررت السلطات الأردنية التعامل مع الشائعات التي طالما اشتكت منها بطريقة عملية بالسماح بتدفق المعلومات إلى الصحافيين عبر المؤسسات الرسمية، في خطوة طال انتظارها وتبقى رهينة التطبيق.
عمان - أكد وزير الاتصال الحكومي الأردني محمد المومني استعداد الحكومة لتعزيز انسيابية تدفق المعلومات إلى وسائل الإعلام والجمهور من خلال تعزيز دور الناطقين الإعلاميين باسم الوزارات والمؤسسات الحكومية، في خطوة تشير إلى عزم الحكومة على اتخاذ إجراءات عملية لمكافحة الشائعات بدلا من إدانتها والاكتفاء بالتحذير منها.
وتضمنت الإجراءات التي أعلنها المومني لتوفير المعلومات توسيع عمل مديريات ووحدات الإعلام في المؤسسات العامة، والإجابة عن أسئلة ومداخلات الصحافيين سواء من خلال المؤتمرات الصحفية الدورية التي تعقدها الحكومة عقب جلسات مجلس الوزراء، أو اللقاءات الصحفية التي تُجرى للوزراء أو المسؤولين لتوضيح القرارات والخطط الحكومية وشرحها للعامة.
وحديث المومني جاء خلال لقائه عددا من مسؤولي الإذاعات المجتمعية في وزارة الاتصال الحكومي الأربعاء، ضمن اللقاءات التواصلية الدورية التي تجريها الوزارة مع قطاعات مختلفة من الجسم الإعلامي في المملكة، وذلك لمناقشة المشهد الإعلامي الوطني بشكل موضوعي ومؤسسي بهدف التعامل مع التحديات وتجويد العمل.
وتخوض السلطات الأردنية حربا في مواجهة الشّائعات والأخبار الكاذبة غالبيتها من مواقع التواصل الاجتماعي، وزادت حدتها عقب نشوب الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله.
95
شائعة في أكتوبر انطلقت من الإعلام المحلي ومواقع التواصل تتصدرها الشائعات الأمنية والسياسية
وتشتكي السلطات الأردنية من الانتشار الهائل للشائعات وتأثيرها على تشكيل الرأي العام والسلم الأهلي، كما تشتكي من حملات التشكيك التي ترافق أي دور تقوم به، وتطالب وسائل الإعلام بالتصدي لتلك المحاولات والحرص والعمل على مراقبة ومتابعة الإشاعات والمحتوى الذي يبث عبر مواقع التواصل للتقليل من شأن الجهود الأردنية، غير أن هناك من يقول إن قيام الإعلام الأردني بدور فاعل يتطلب هامشا من الحريات أكبر مما هو متاح حاليا.
ويحمّل المتابعون لأوضاع الإعلام الحكومة مسؤولية تردي أوضاعه وتراجعه، بسبب طريقة التعاطي معه بقائمة طويلة من المحظورات، وقرارات منع النشر، دون أي إرادة سياسية لتقوية وسائل الإعلام وتعزيز دورها لتنال ثقة المواطن الذي هجرها إلى الإعلام الأجنبي ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن هنا تأتي أهمية ما أعلنه المومني، الذي لفت إلى أن الإذاعات المجتمعية هي جزء مهم من المشهد الإعلامي الوطني، وتقوم بأدوار مهمة في إيصال صوت المجتمعات المحلية وقصص نجاحها، ونشر التوعية والتثقيف، إضافة إلى دورها الوطني المهم في نقل التحديات المحلية والتنموية، وأيضا قصص النجاح المختلفة والريادية التي تزخر بها مجتمعاتنا.
وأكد المومني أن الهدف من اللقاءات هو الوقوف على واقع الإعلام الوطني والنهوض به وتعزيز دوره، ووضع تصور مستقبلي مؤمل له في السنوات المقبلة، وتحديد أدوار واضحة لكل أطياف الإعلام سواء كان مرئيا أو مسموعا أو ورقيا أو رقميا، بما يحقق الهدف المنشود وهو نقل رسالة الدولة والدفاع عنها في مختلف التحديات التي تواجهها. كما أكد المومني أن الحكومة تحترم استقلالية الإعلام الوطني، وحقه في البحث عن المعلومة، ونقل الحقائق بمهنية وموضوعية.
وفي نفس الوقت حمل المومني الصحافيين مسؤولية التحقق مما ينشرونه، وقال في كلمته خلال المنتدى العالمي للتواصل الاجتماعي في عمان الذي بدأ الخميس، إن من واجب الصحافي التقصي عن المعلومة قبل نشرها. وشدد على حماية المجتمع من المحتوى الرقمي المضلل وسط التدفق الهائل للمعلومات والهيمنة الرقمية.
وتحدث المومني عن أخلاقيات نشر الخبر، والدراية الإعلامية، مشيرا إلى أن على الصحافي التعامل بوعي مع التدفق الرقمي للمعلومات. وأشار إلى وجود العديد من المواجهات الإعلامية التي تخاض على المساحات الرقمية الهادفة إلى زعزعة استقرار المجتمعات وضخ الإشاعات وخطاب الكراهية، مبينا أن المجتمعات أصبحت بحاجة ماسة إلى تطوير أدوات حمايتها الرقمية من أجل محاربة هذه التحديات.
السلطات الأردنية تخوض حربا في مواجهة الشّائعات والأخبار الكاذبة غالبيتها من مواقع التواصل الاجتماعي
وظهرت أزمة الإعلام الأردني جلية خلال أحداث مهمة وكبيرة شهدها الأردن ووقف فيها الإعلام موقف المتفرج، ولم يستطع أن يخترق الرأي العام وأن يؤثر به، ولم يستطع أن يمارس العمل الإعلامي الحقيقي، بسبب عدم امتلاكه المعلومة أولا ثم الأدوات المهنية.
ونوه المومني بأن الأشخاص المؤثرين في المجتمع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن يتمتعوا بالمهنية والاحترافية، وأن يمتلكوا الحقائق بشكل جيد وبشكل موضوعي، وأن يتم التعبير عنها بطريقة احترافية مؤثرة، وأن يكون ذلك متسقا مع منظومة القيم الإنسانية.
وسجل مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” 95 إشاعة، صدرت وانتشرت بين جمهور المتلقين خلال أكتوبر الماضي، ووصلت إليهم عن طريق وسائل إعلام محلية أو خارجية ومنصات التواصل الاجتماعي.
وبيّن المرصد في تقريره الشهري أن عدد الإشاعات التي جرى نفيها بلغ 20 إشاعة من أصل 95 إشاعة، مسجلة بذلك زيادة بمقدار 3 إشاعات، مقارنة بالإشاعات التي نفيت خلال شهر سبتمبر الماضي، والتي بلغت 17 إشاعة.
وأضاف أن الإشاعات الأمنية سجلت 27 إشاعة، محتلة بذلك المرتبة الأولى في إشاعات أكتوبر الماضي، بنسبة 28.4 في المئة، وقد تناولت 20 إشاعة منها مواضيع تدور حول الحرب في غزة وجنوب لبنان.
صحافيون أردنيون يرون أن ما يحدث يجدد المطالبة بضرورة وجود إعلام دولة قوي يتصدى للإشاعات
وبيّن أن الإشاعات الاجتماعية حصلت على المرتبة الثالثة بـ21 إشاعة بنسبة بلغت 22 في المئة، تناولت في مجملها قضايا العمل والعمال، وقضايا التعليم، فيما تناول بعضها الخلافات والمشاجرات بين بعض أفراد المجتمع، فيما جاءت الإشاعات الاقتصادية في المرتبة الرابعة مسجلة 15 إشاعة بنسبة 16 في المئة.
ولفت إلى أنه وبتصنيف الإشاعات بحسب المجال، يتبين أن الإشاعات الأمنية حلت في المرتبة الأولى في شهر أكتوبر، وتلتها الإشاعات السياسية في المرتبة الثانية بـ26 إشاعة ونسبة 27.4 في المئة، ثم الإشاعات الاجتماعية في المرتبة الثالثة، ثم الاقتصادية التي جاءت في المرتبة الرابعة، أما إشاعات الشأن العام، فقد جاءت في المرتبة الخامسة بنسبة 5.2 في المئة، وأخيرا سجل المجال الصحي إشاعة واحدة بنسبة 1 في المئة.
وبيّن المرصد أنه وبتتبع مصدر الإشاعات المنتشرة عبر وسائل الإعلام، ومنصات النشر العلنية لاسيما شبكات التواصل الاجتماعي، تبيّن أن حصة المصادر الداخلية سواء كانت تواصلا اجتماعيا أو مواقع إخبارية بلغت 72 إشاعة من مجمل حجم الإشاعات لشهر أكتوبر بنسبة بلغت 76 في المئة، وسجلت 23 إشاعة من مصادر خارجية بنسبة 24 في المئة.
وقال إن 84 إشاعة وبنسبة 88 في المئة كان مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، فيما أطلقت وسائل إعلام 11 إشاعة بنسبة بلغت 12 في المئة.
ويسود اعتقاد عند قطاع كبير من مسؤولي الدولة بأن هذه الإشاعات “مبرمجة” وتستهدف تقويض وإضعاف الدولة الأردنية، وهناك قناعة راسخة بأن الإشاعات تندرج ضمن أجندة لزعزعة الاستقرار في البلد.
ولا يوجد نص قانوني حتى الآن يعرّف الإشاعة في الأردن، ويترك تقديرها للمدعي العام والقضاء. وأكد القضاة أن بداية الإشاعة تنجم عن قلة المعلومات التي يجري حجبها.
ويرون أن المعلومات التي يجب أن تتاح هي من المؤسسات الحكومية والنقابات والأحزاب وأي جهة منتخبة، وأي شركة تدير مرفقا عاما، وهذه الجهات يجب عليها إتاحة المعلومات طواعية وبسرعة لوقف انتشار الإشاعة.
ويرجّح أن تكون بعض الإشاعات عبارة عن بالونات اختبار لمعرفة ردة الفعل حول قضية ما، ومما يزيد من انتشار الإشاعات عدم وجود عقوبات على مطلقها أو المتسبب بها أي الممسك عن المعلومات.
واعتبر صحافيون أردنيون أن ما يحدث يجدد المطالبة بضرورة وجود إعلام دولة قوي يتصدى للإشاعات، مؤكدين أنه في عصر الإنترنت والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي لم يعد مقبولا استمرار العمل الإعلامي بشكله التقليدي دون تطوير مضمونه ورسالته.
وسبق أن عبر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن انزعاجه من حرب الإشاعات التي “تنخر” الأردن، ولا تتوقف عند حدود وقال “أنا أسمع إشاعات كثيرة بالداخل والخارج.. فمن أين يأتون بهذه الأفكار؟ لا نعلم!”