فيتش تؤكد نظرتها المستقبلية لجدارة الاقتصاد العراقي

يمنح تثبيت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للعراق عند مستوى مستقر دفعة معنوية جديدة للسلطات لاستكمال تنفيذ برنامج إنعاش الاقتصاد رغم التحديات التي قد تبطئ هذا المسار جراء التوترات الإقليمية، وانعكاسات تذبذب الاقتصاد العالمي على سوق النفط.
بغداد – أبقت فيتش على تصنيف الجدارة الائتمانية للاقتصاد العراقي عند درجة بي- مع نظرة مستقبلية مستقرة، بحسب تقرير نشرته وكالة التصنيف الائتماني على منصتها الإلكترونية الخميس.
ويعكس التصنيف الاعتماد الكبير للبلد النفطي على التوريد وضعف الحوكمة والمخاطر السياسية والقطاع المصرفي غير المتطور وهي عوامل سلبية يوازيها على الجانب الآخر احتياطي النقد الأجنبي الثابت، وفاتورة الفوائد المنخفضة على الديون الحكومية.
وكانت أسعار النفط المرتفعة تعمل في السابق على تحسين العديد من مقاييس الائتمان في العراق، لكن نقاط الضعف في بنية الاقتصاد والسياسة الاقتصادية والمالية تثقل كاهل التصنيف.
ومنذ عقود يعتمد البلد بشكل كبير على النفط الخام. ويشكل قطاع الوقود الأحفوري الغالبية العظمى من عائدات التصدير ونحو 90 في المئة من إيرادات الدولة.
ومن المتوقع أن يزيد إنتاج النفط العراقي مع إلغاء السلطات تدريجيا لتخفيضات الإنتاج لتلبية الإنفاق المرتفع، ليصل إلى 4.28 مليون برميل يوميا العام المقبل و4.54 مليون برميل يوميا بحلول عام 2026.
وتقدر الوكالة أن يبلغ متوسط الإنتاج 3.97 مليون برميل يوميا هذا العام، من 4.12 مليون برميل يوميا خلال عام 2023، بسبب زيادة الالتزام بحصص أوبك والتخفيضات الطوعية ضمن تحالف أوبك+ الذي تقوده السعودية وروسيا.
ويشير تقرير الوكالة الذي اطلعت عليه “العرب” إلى أن هناك احتمالات بأن يتسع عجز الميزانية الحالية إلى 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من اثنين في المئة العام الماضي، وإلى متوسط يبلغ 12.4 في المئة خلال العامين المقبلين.
وتقدر الحكومة العجز السنوي المتوقع بحوالي 49 مليار دولار، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي، ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز مسجل في ميزانية 2021.
وجراء تقلب أسعار النفط فإن خبراء فيتش يرجحون تراجعا في الإيرادات إلى 38.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 بسبب انخفاض نقطتين مئويتين في عائدات النفط، من التأثيرات المجمعة لانخفاض الإنتاج وأسعار النفط.
وبحسب توقعات الوكالة، فإن خام برنت سيتراجع من 80 دولارا للبرميل هذا العام إلى 70 دولارا في العام المقبل ونحو 65 دولارا في العام التالي.
واستنادا على ذلك سيبلغ متوسط الإيرادات 34.1 في المئة من الناتج المحلي خلال العامين المقبلين، إذ تعوض أسعار النفط المنخفضة عن ارتفاع الناتج، وحيث تتمتع السلطات بمرونة محدودة في زيادة الإيرادات غير النفطية.
وتظهر التقديرات أن الناتج المحلي الإجمالي للبلد سيبلغ أكثر من 297 مليار دولار خلال هذا العام مع نصيب دخل للفرد يبلغ قرابة 5880 دولارا.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يعود الاقتصاد العراقي إلى النمو العام الحالي بنسبة 1.4 في المئة مقابل انكماش بنسبة 2.2 في المئة خلال العام 2023، على أن يقفز معدل النمو في العام المقبل إلى 5.3 في المئة.
وعلى مستوى الإنفاق، ترجح فيتش أن ينمو هذا العام بمقدار أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي ليشكل 46 في المئة من حجم الميزانية السنوية.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ارتفاع فاتورة الأجور وتحويلات المعاشات التقاعدية قبل انتخابات عام 2025، في حين يظل الإنفاق الرأسمالي مستقرا عند 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط الإنفاق 46.5 في المئة خلال العامين المقبلين، مع بقاء الإنفاق الجاري مرتفعا عند 41.5 في المئة، مما يعكس المرونة المحدودة للسلطات في ما يتعلق بالرواتب والتحويلات.
والجزء الأكبر من التعديل المالي سيأتي من الإنفاق الرأسمالي، والذي سينخفض بشكل كبير بعد الانتخابات المقررة في 2025، والذي يبلغ متوسطه خمسة في المئة، خاصة وأن للحكومة سجلا في تعديل الإنفاق الرأسمالي للتعويض عن انخفاض الإيرادات.
297
مليار دولار حجم الناتج المحلي خلال هذا العام مع نصيب دخل للفرد يبلغ 5880 دولارا
ورغم أن المؤشرات السابقة يمكن تعديلها على حسب ظروف الأسواق سواء الإقليمية أو العالمية، فإن ارتفاع الدين العام واحتواء المخاطر المنجرة عنه سيكونان من أبرز التحديات أمام حكومة محمد شياع السوداني الفترة المقبلة.
ويقول خبراء فيتش إن الدين العام إلى الناتج الإجمالي سيصل إلى 47.7 في المئة بنهاية هذا العام من 44.2 في المئة بنهاية 2023، على أن يرتفع ليبلغ 56.5 في المئة بحلول 2026 مع زيادة الحكومة للاقتراض لتمويل العجز المرتفع.
ومن المرجح أن يأتي معظم التمويل الحكومي من البنك المركزي من خلال عمليات الشراء غير المباشرة للأوراق المالية الحكومية. ويشكل إجمالي مطالبات المركزي على الحكومة 63 في المئة من رصيد الدين المحلي و30 في المئة من إجمالي رصيد الدين في نهاية عام 2023.
وبينما سيأتي جزء أصغر من الودائع النقدية للحكومة، والتي بلغت 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2023، ترى فيتش أن مخاطر إعادة التمويل سيتم احتواؤها من خلال تدخل البنك المركزي.
وأدت الزيادات الحادة في مطالبات المركزي على الحكومة في السابق إلى زيادة الضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي، مما تسبب في خفض قيمة الدينار في عام 2020.
والاحتياطيات النقدية الحالية كبيرة بما يكفي لاستيعاب توسع الميزانية العمومية للبنك المركزي دون الضغط على ربط سعر الصرف، فيما توفر الودائع النقدية الكبيرة للحكومة خيار تمويل بديل.
ويواجه البلد تحديات مختلفة نتيجة لارتباطه بالدولار لأن التقلبات في سعر الصرف بسبب الهيمنة الأميركية على النظام المالي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصاد، ما انعكس على القدرة الشرائية للعراقيين مع ارتفاع التضخم وتآكل قيمة الرواتب.
وتتوقع فيتش أن يستمر الضغط على سعر الصرف الموازي، إذ تعتقد أن الإدارة الأميركية القادمة ستزيد من التدقيق على المعاملات المصرفية العراقية.
وسعر الصرف الموازي أضعف بنحو 15 في المئة من السعر الرسمي رغم احتياطيات النقد الأجنبي القوية والتي تفوق المئة مليار دولار، والإمدادات الكافية من الدولار على المنصة الرسمية.