حرب متعددة في كردستان العراق ضد إرهاب المخدرات

سلطات إقليم كردستان العراق التي تراقب التطورات الخطرة في ملف المخدّرات في عموم العراق تهريبا وتجارة واستهلاكا، تسارع لمحاصرة الظاهرة والحدّ من انتشارها في الإقليم عن طريق سلسلة من الإجراءات المتكاملة لا تقتصر على الجهد الأمني الضروري بل تشمل أيضا الجوانب الاجتماعية والصحية.
أربيل (كردستان العراق)- أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق عزمها على مواجهة ظاهرة الاتّجار بالمخدّرات واستهلاكها بمختلف الطرق، بعد أن تفاقمت بشكل مثير للقلق وتعاظمت مخاطرها في عموم العراق حتى شبهها البعض بإرهاب يضاهي في خطره وكثرة ضحاياه إرهاب داعش والتنظيمات المتشدّدة.
ووصف مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم مواجهة المخدرات بالواجب الوطني والأخلاقي، مؤكّدا تسخير مختلف الطرق الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمحاربتها، جنبا إلى جنب الإحاطة الصحية والنفسية بضحاياها وإعادة تأهيل من وقعوا في شراك الإدمان على استهلاكها.
وجاء كلام رئيس الحكومة خلال إشرافه على وضع حجر الأساس لمشروع مركز توعية وإعادة تأهيل مدمني المخدرات في أربيل، حيث وصف في كلمته المشروع بالمهم جدا، موجها شكره لمؤسسة بارزاني الخيرية ومؤسسة “ل د س” الخيرية الأميركية على إنشاء المركز.
وتواترت في الآونة الأخيرة التقارير المحلية والدولية بشأن دخول ظاهرة المخدرات في العراق منعطفا خطرا على البلد والمنطقة ككل، وصولا إلى توجيه منظمة المتّحدة تحذيرا من أنّ البلاد تشهد طفرة مواد مخدّرة غير مسبوقة.
وساعد على استشراء الظاهرة كون بعض الجهات الضالعة في تجارة المخدّرات تمتلك نفوذا كبيرا في البلد يفوق في بعض الأحيان سلطة الدولة بحدّ ذاتها.
ويتعلّق الأمر بالفصائل الشيعية المسلّحة ذات الصلة بأحزاب وشخصيات مشاركة في الحكم بشكل مباشر، وتتواتر المعلومات بشأن استخدامها تجارة المخدّرات كمصدر تمويل لأنشطتها لا سيما التسلّح والإنفاق على مقاتليها.
واستدعى المنحى الخطير الذي اتخذته تجارة المخدّرات واستهلاكها في البلد توظيف السلطة الدينية الواسعة للمرجع الشيعي الأعلى في البلاد علي السيستاني المعروف بتدخّله في المنعطفات الخطرة والأحداث المهدّدة للبلد.
وأصدر السيستاني في وقت سابق مصفوفة أجوبة عن أسئلة بشأن المخدرات ذكّر فيها بتحريم استهلاكها والاتّجار بها والتصرف في الأموال المتأتية منها والتعامل مع مهربيها وتجّارها.
وقال بارزاني إن حكومته تولي مواجهة المخدرات أهمية بالغة وتعمل بشكل واسع على مواجهتها وإنهاء تهديداتها الخطرة للشباب والطاقة البشرية اجتماعيا وصحيا واقتصاديا وأمنيا.
وذكّر في هذا الصدد بتشكيل حكومة الإقليم اللجنة العليا لمكافحة المخدرات والتي يشارك فيها عدد من الوزارات والمؤسسات المعنية وكذلك إنشاء صندوق لتوعية مدمني المخدرات وإعادة تأهيلهم وعلاجهم.
ووصف إنشاء المركز الجديد بأنّه جزء من إجراءات مساعدة المدمنين والمتعاطين على إعادة التأهيل والعودة إلى الحياة الطبيعية، ودعم لجهود زيادة الوعي بمخاطر آفة المخدرات وعواقبها.
وإلى جانب هذا الجهد الاجتماعي والصحي والتوعوي، أعاد رئيس حكومة الإقليم التشديد على محورية الجهد الأمني في الحرب على المخدّرات قائلا “نحتاج إلى مواجهة تجار ومهربي المواد المخدرة بأقوى الطرق الممكنة ومعاقبتهم بشدة، ويجب أن نميز بين هؤلاء المهربين المجرمين وأولئك الذين أصبحوا للأسف ضحايا ومدمني مخدرات.”
ودعا الأجهزة الأمنية في الإقليم إلى مواجهة “هذه الظاهرة المروعة والتي زادت كثيرا الآن ونرى حملات يومية لاعتقال عدد من التجار،” وقال ” نشعر بأسى عميق عندما نلاحظ أن هذا أصبح حدثا يوميا.”
وكانت وزارة الصحة في حكومة كردستان العراق قد أعلنت عن مشروع إنشاء مركز التوعية وإعادة تأهيل مدمني المخدرات، وقالت في بيان إنّ مناقشة تفاصيل إنجاز المشروع تمت خلال اجتماع وزير الصحة سامان برزنجي مع وفد من منظمة “ل د س الخيرية”، فرع الشرق الأوسط، ومنظمة بارزاني الخيرية.”
◄ أحزاب سياسية وميليشيات عراقية مسلّحة كثيرا ما تحمي المهربين وتسهل عملياتهم ما يفسّر تحول معبر البصرة الحدودي بين العراق وإيران
وتصاعدت الدعوات في الإقليم لمضاعفة جهود مكافحة المخدرات وتشديد القوانين لمعاقبة المتورطين في إنشاء مصانع المواد المخدّرة والاتجار بها.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤول مكتب حقوق الإنسان في السليمانية صابر عبدالله قوله إن الإحصائيات الأولية لعام 2024 أظهرت أنّ قرابة السبع مئة شخص ألقي عليهم القبض في قضايا مخدرات خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة وكانوا ينشطون كأفراد أو ضمن عصابات منظمة.
وتحدث أيضا بمناسبة إطلاق مشروع مركز التأهيل رئيس مؤسسة بارزاني الخيرية موسى أحمد مذكّرا بوصف المرجع الكردي مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني لمكافحة المخدرات بأنها لا تقل أهمية وصعوبة عن مواجهة الإرهاب.
وقال أحمد إنّ هدف حكومة إقليم كردستان هو إعادة مدمني المخدرات إلى المجتمع من جديد بعد التعافي.
كما تحدّث بالمناسبة ممثل مؤسسة “ل د س” إدلسون باريلا معتبرا المركز الذي تشارك المؤسسة في إنشائه بمثابة أمل جديد لمتعاطي ومدمني المؤثرات العقلية.
وقال باريلا إن “تحدي المخدرات موجود في كل مكان، وعندما يصبح شخص ما مدمنا، فإن الهدية التي يقدمها الله للجميع هي أن يكون لديهم وكالة أو مركز لإخراجهم من هذا الإدمان.”
وأضاف “ولهذا السبب ننشئ هذا المركز لعلاج المدمنين والإحاطة بعوائلهم، ونريد أن نعيد الأمل لمن فقدوه.”
وأشار إلى أنّ “المركز سيكون أملا للمدمنين وللعوائل أيضا،” مضيفا قوله “للأسف، الكثير منا قد يكون لديه صديق أو زميل مدمن، ولذلك سيساعدنا المركز الذي سيتم بناؤه على رفع تحدّي التخلص من الإدمان.” ولفت أيضا إلى أهمية جهود التوعية بمخاطر المخدرات.
وبلغت تجارة المخدرات واستهلاكها محليا في العراق مديات منذرة بالخطر وأثارت المخاوف من أن يتحوّل البلد إلى مركز إقليمي لنشاط العصابات الناشطة في المجال ومعبرا رئيسيا للمواد المخدّرة نحو باقي بلدان المنطقة.
وحذّرت الأمم المتحدة في تقرير أصدره في وقت سابق مكتبها المعني بالمخدرات والجريمة من أن العراق بصدد التحول إلى محور رئيسي لتهريب المواد المخدّرة. وذكرت أنّ السلطات العراقية صادرت العام الماضي كميات قياسية من حبوب الكبتاغون تصل قيمتها الى 144 مليون دولار.
وأشار التقرير إلى أنّ مضبوطات الكبتاغون زادت بنحو ثلاثة أضعاف بين العامين 2022 و2023، لافتا إلى أن المضبوطات في العام الماضي هي أعلى بمقدار 34 مرة من تلك المحققة في 2019.
ولفت إلى أنّ العراق معرّض لأن يصبح محورا متزايد الأهمية بالنسبة لمنظومة تهريب المخدرات عبر الشرق الأوسط والأدنى، حيث يقع البلد في نقطة تقاطع منظمة عالمية معقدة لتهريب المخدرات.
وغالبا ما تعلن بغداد ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة أبرزها الكبتاغون الذي يتمّ تهريبه بشكل أساسي من سوريا التي باتت المصدر الرئيسي لتصنيع تلك الحبوب المخدرة.
وحذر التقرير الأممي من أنه رافق ارتفاع عمليات نقل المخدرات عبر العراق والدول المجاورة، زيادة في الاستهلاك المحلي في جميع أنحاء البلاد.
ويقول خبراء دوليون في مجال مكافحة المخدّرات إن الميليشيات المسلحة التي ينشط الكثير منها على أرض العراق، وبينها فصائل موالية لإيران وبعضها مشارك في الحكم بشكل مباشر عبر الإطار التنسيقي الشيعي وممثل تحت قبة البرلمان عن طريق كتل تابعة له، ضالعة في التخادم مع عصابات التهريب والترويج.
وتؤكد مصادر محلية أنّ أحزابا سياسية وميليشيات عراقية مسلّحة كثيرا ما تحمي المهربين وتسهل عملياتهم ما يفسّر تحول معبر البصرة الحدودي بين العراق وإيران، على سبيل المثال، إلى مركز عبور رئيسي للمواد المخدّرة. وترتبط برواج تجارة المخدرات في العراق ظاهرة الإدمان التي أصبحت مرئية بشكل واضح بين فئات المجتمع العراقي، وهي ظاهرة تتصل أيضا بالتقلبات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فضلا عن استشراء العنف وبلوغه خلال العقد الماضي مديات ذات تأثيرات نفسية وسلوكية واضحة على الكثير من العراقيين.
وبحسب مصادر عراقية متعدّدة فإنّ استهلاك المواد المخدّرة بات يطال شرائح واسعة من المجتمع العراقي حتى أنّه لا يستثني موظفي الدولة، ومن بينهم منتسبو الأجهزة الأمنية.
وقد استدعى الأمر إنشاء لجنة متخصصة بفحص المخدرات في وزارة الداخلية يرأسها العميد محمد عدنان عبدالله “مهمتها فحص ضباط ومنتسبي الوزارة فحصا شاملا للجميع، ابتداء من آمر القاطع أو مدير الدائرة إلى أصغر منتسب”، بحسب رئيس اللجنة الذي أوضح في وقت سابق أنّ “آلية الفحص تكون شاملة ومفاجئة من دون سابق إنذار سواء في المرور أو النجدة أو الشرطة الاتحادية.”