هل يستطيع الإعلام التونسي القيام بواجبه الوطني وسط أزماته

الرئيس قيس سعيد يطالب الإعلام الوطني بتحمل مسؤولية مضاعفة في حرب التحرير الوطني.
الأربعاء 2024/11/27
مشاكل بالجملة

ينتظر الرئيس التونسي قيس سعيد من الإعلام الوطني أن يكون على قدر التحديات التي تواجهها البلاد، لكن هذا الدور يبقى محل تساؤلات نظرا إلى واقع الإعلام الذي يعاني من مشاكل عديدة.

تونس - بحث الرئيس التونسي قيس سعيد مع قيادات الإعلام العمومي، دور هذه المنابر في الفترة الراهنة التي تواجه فيها البلاد تحديات عديدة تتطلب قدرة على التأثير في الرأي العام ومهنية في الأداء، وأكد في نفس الوقت على عدم التفريط بالمؤسسات الإعلامية خصوصا الصحف.

وتوقّف سعيد عند العديد من المحطات التاريخية التي شهدتها تونس في مجال الصحافة المكتوبة ثم المسموعة والمرئية، خلاله اجتماعه مع القائمين على المؤسسات الإعلامية، هندة بن علية الغريبي الرئيس المدير العام للإذاعة التونسية، وشكري بن نصير الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية، وناجح الميساوي الرئيس المدير العام لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، وسعيد بن كريم الرئيس المدير العام لمؤسسة سنيب لابراس ومحمد بن سالم المتصرّف المفوّض بدار الصباح.

وفتح اللقاء الحديث والنقاش في الأوساط الصحفية حول أزمة الإعلام العمومي السمعي البصري والمكتوب والمسؤولية التي يتحملها في هذه المرحلة التي تعيشها تونس، “فحرب التحرير الوطني ليست مجرّد شعار بل هي جبهات متعدّدة وليس أقلّها الإعلام” بحسب الرئيس.

وبيّن أن عددا من الصحف التي كانت النيّة تتجه إلى تغييبها هي جزء من تاريخ تونس ولن يقدر أحد على طمسها أو تغييبها. وتشير هذه التصريحات إلى تحذيرات سابقة من قبل القائمين على كبرى المؤسسات الإعلامية المكتوبة (دار الصباح ودار لابريس) من إمكانية التوقف عن الصدور بسبب مشكلات مالية.

كما أشار سعيد إلى المخاض الذي تعيشه الإنسانية قاطبة، فالفكر الإنساني تطوّر في حين أن بعض المفاهيم بقيت جامدة والصراع بين الأفكار الجديدة والمفاهيم القديمة ستتمخّض عنه ولادة مفاهيم تحلّ محلّ ما لم يعد صالحا متّسقا مع هذا التطوّر المتسارع وغير المسبوق. ويعكس هذا الحديث تشخيص الواقع الإعلامي وضرورة إصلاح الإعلام العمومي في تونس منذ الانتقال السياسي الذي شهدته البلاد سنة 2011.

قيس سعيد: لن يقدر أحد على طمس صحف فهي جزء من تاريخ تونس
قيس سعيد: لن يقدر أحد على طمس صحف فهي جزء من تاريخ تونس

وتعتبر مشاكل الإعلام العمومي متوارثة عبر الحكومات المتلاحقة، وكان من الصعب خلالها وضع إستراتيجية وخطط هيكلية واضحة المعالم تسير بهذا الإعلام نحو الإصلاح، وبقي النقاش حول هذا الإعلام العمومي متصدّرا المؤتمرات وحبيس اللقاءات والندوات دون أن يجد طريقا إلى أرض الواقع.

ويعاني الإعلام العمومي السمعي منه والبصري في تونس مشكلات كثيرة، وظل يتأرجح مترددا بين دوره الدعائي الترويجي الذي اعتاده قبل ثورة 17 عشر من ديسمبر 2010، وحرية التعبير التي أضحت واقعا، ودوره الذي ينتظره التونسيون للإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي البطيء والهشّ الذي تعيشه تونس.

وسبق أنّ أكد سعيّد في لقاء سابق مع الرئيس المدير العام للتلفزة الوطنية ضمن جملة ملاحظاته حول المؤسسة أنّ العديد من البرامج التي تبثها القناة الوطنية فضلا عن نشرات الأخبار وترتيب الأنباء ليست بالبريئة. وتابع مؤكّدا أنّ الشعب التونسي يتطلع إلى المستقبل لا إلى الماضي.

وتطرح هذه التصريحات مسألة أساسية في الإعلام العمومي تتعلق بالمسار الإصلاحي إذ أنّه اقتصر على الجانب القانوني واستثنى الجانب المتعلق بالنموذج الاقتصادي للمؤسّسات الإعلامية بهدف الحفاظ على ديمومتها وغابت الجهود المتعلقة بالحوكمة والتنظيم الهيكلي والإداري وخطط إصلاح الإنتاج واقتصر تدخل الفاعلين السياسيين على التعيينات الفوقية التي لم يرافقها الحديث عن برامج أو أهداف واضحة للإعلام العمومي.

وبقي قطاع الإعلام متخبطا في مشاكل عديدة دون بلورة سياسات عمومية لإنقاذه وظل هذا القطاع دون سلطة إشراف محددة وواضحة وفتح المجال لتدخل العديد من الجهات في المجال الإعلامي.

ويقول الصحافي ماهر عبدالرحمن أنّه ”بالرغم من تخصيص حوالي 70 مليون دينار كميزانية سنوية وهي ميزانية تفوق وحدها كل ميزانيات القنوات الإذاعية والتلفزيونية التابعة للخواص، تجد التلفزة الوطنية مشاكل كبرى في علاقة بالإنتاج ويتجدد سنويا الجدل حول إنتاج المسلسل الرمضاني في ظل العجز عن التخطيط وبقية السنة لا يتم بث سوى أعمال تلفزيونية تم إنتاجها في الماضي أو كما أسماها الرئيس بفترة ‘الزمن الجميل‘.”

ومن الضروري تغيير أدوار الإعلام العمومي وتحديدها وتوضيحها والتنصيص عليها في عقود بين المؤسسة الإعلامية والحكومة لتخرج منها كراريس شروط ومواثيق البث تحدد خلالها المحتويات، بحسب عبدالرحمن.

وتشكل مؤسسة التلفزيون بقناتيها الوطنية الأولى والثانية العبء الأثقل على كاهل الدولة، إذ تشغل أكثر من 1300 عنصر بين منتجين ومحررين وفنيين وإداريين (بينهم 112 فقط يعملون في قسم الأخبار)، بينما لا يتطلب سير المرفق كل هذا العدد. وكان الرئيس الأسبق لمؤسسة التلفزيون مختار الرصاع صرّح في ورشة دراسية بأن “ثلثي المنتسبين إلى القناتين لا يعملون ويتقاضون رواتب.”

◙ الإعلام التونسي بقي يتخبط في مشاكل عديدة دون بلورة سياسات عمومية لإنقاذه

وفي الواقع تنقسم الآراء في الوسط الصحفي التونسي بين من يعتبر أن الإعلام يعيش أزمة لأسباب هيكلية سياسية وقانونية، بينما يرى آخرون أن الأمر يتعلق بممارسات صحفية منها عدم احترام بعض المشرفين على قطاع الإعلام، ومعهم صحافيون لأخلاقيات المهنة الصحفية ومواثيق الشرف المهنية والنقابية، وللقوانين المنظمة لقطاع الإعلام، منذ إصلاحات 2011. خاصة في فترة ما بعد إصدار القانونين الشهيرين 115 و116 من قبل الهيئة العليا المستقلة لإصلاح الإعلام التي قادها إعلاميون وأكاديميون مستقلون، أو من بين معارضي حكومات الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وأعرب مسؤولون ونقابيون في قطاع الإعلام خلال زيارة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى مقر صحيفتي “لا بريس” و”الصحافة” الحكوميتين عن عرقلة العمل بسبب مشاكل تتعلق بالإدارة. إذ اعترف شكري بن نصيب مدير عام الصحيفة، ومراد علالة رئيس التحرير، بأن غلطات في التسيير المالي والإداري والمهني خلال السنوات الـ12 الماضية تسببت في صعوبات مالية لعدة مؤسسات إعلامية في البلاد، من بينها مؤسسة دار “لا بريس” الحكومية التي كانت تحتل المرتبة الأولى قبل 2011 من حيث أرباحها.

كما تحدث محمد العروسي بن صالح، المدير التنفيذي لجمعية مديري الصحف أن أزمة المؤسسات الإعلامية أصبحت هيكلية. وتابع أنها استفحلت خلال الفترة السابقة بعد إعلان أغلب المؤسسات الإعلامية الخاصة والحزبية عن “عجز مالي غير مسبوق،” أو عن إفلاسها وفصل غالبية العاملين فيها، والتوقف عن إنتاج الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية والإخبارية والحوارية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تكون مفتوحة في آن معاً على الرأي والرأي الآخر.

ويرصد متابعون للإعلام أن الكثير من المؤسسات أصبحت غير قادرة على تشغيل صحافي واحد في مؤشر على خطر انهيار منظومة الإعلام في تونس حيث أصبحت لا تعبّر عن مشاغل الناس ولا تعكس حقيقة اهتماماتهم، إذ أن المهنة تشكو غياب صحافيين وإعلاميين جيدين، فمنظومة التكوين والتدريس تحتاج إلى عملية إصلاح ومراجعة.

5