سعر القطن في مصر ينذر بصدام مع المستثمرين

الشركات والمصدرون يطالبون الحكومة بتحمل فجوة الأسعار لدعم المحصول الإستراتيجي.
الأربعاء 2024/11/27
من سيقيم أتعابنا؟

ينذر ارتفاع سعر القطن في مصر عن الأسعار في السوق العالمية بصدام مع المستثمرين، مع إلزام الحكومة شركات القطاع الخاص بالشراء من المزارعين بسعر الضمان الذي أقره مجلس الوزراء، والذي يفوق المستويات العالمية بمعدلات كبيرة.

القاهرة – تلوح في أفق المشهد الاقتصادي المصري بوادر أزمة جديدة بين الحكومة والمستثمرين، بعد تراجع سعر القطن عالميا، مما يعرقل تسويق المحصول الإستراتيجي المحلي عالميا، مع امتناع الكثير من الكيانات الخاصة دخول مزادات الشراء.

وتراهن السلطات على القطاع الخاص في التسويق خارجيا، لأنه الأكثر احترافية وقدرة على الوصول إلى الشركات العالمية، التي تقوم بتصنيع الملابس واالعمل في صناعة المنسوجات عبر استخدام القطن فائق الجودة.

ويتصدر المستثمرون المحليون المتضررين من انخفاض سعر القطن في الأسواق الخارجية، وخاصة الشركات المتخصصة في التصدير، حيث يصعب عليها مواكبة التحركات العالمية وعدم تحديد أسعار تنافسية للمنتج المصري.

مصطفى عمارة: القطاع الخاص لن يتمكن من التسويق لارتفاع الأسعار
مصطفى عمارة: القطاع الخاص لن يتمكن من التسويق لارتفاع الأسعار

وأوضح مصدر مسؤول بالاتحاد المصري لمصدري الأقطان لـ”العرب” أن شركات الغزل والنسيج لن تتضرر، لأنها تعتمد على القطن القصير والمتوسط التيلة المستورد والذي يخضع للأسعار العالمية.

وقال المصدر، مشترطا عدم ذكر اسمه، إن “الأسعار الحالية في مصر لا تشجع على التصدير، وتدفع الكثير من التجار والشركات المصدرة إلى التخلي عن شراء القطن من المزارعين.”

وأضاف أن “ذلك في غير صالح هذا المحصول، لكن لا يمكن تكبد كل هذه الخسائر التي تنجم من التعامل بأسعار الضمان الحكومية.”

وأشار إلى أن الحكومة لا تفضل شراء القطن طويل التيلة وتخزينه، وترغب في تسويقه وبيعه بالخارج، حتى يدر عملة صعبة، ولذلك الأنسب لها أن تتحمل فجوة التسعير الناشئة عن تغير الأسعار حاليا.

وتابع المصدر “نحن في مرحلة التفاوض حاليا مع الحكومة بشأن مقترح تحملها لفارق الأسعار، ما يعني ضرورة دعم الحكومة للمحصول الحيوي، حتى لا يتضرر الفلاح وتتراجع مساحة الأراضي المزروعة في العام المقبل.”

وترتبت على إعلان الحكومة لسعر ضمان شراء المحصول من المزارعين مع بداية الموسم، زيادة المساحات المزروعة من القطن في غالبية المحافظات خلال العام الجاري، بنسبة وصلت إلى نحو 23 في المئة عن العام السابق.

وبلغت مساحة الأراضي نحو 311.7 ألف فدان (131 هكتارا) على مستوى البلاد، وتوزعت بين زراعة 40.84 ألف فدان في محافظات الوجه القبلي جنوب البلاد والمتبقي بالوجه البحري شمالا، حسب وزارة الزراعة المصرية.

وأعلن مجلس الوزراء في وقت سابق من العام الجاري تحديد سعر ضمان توريد القطن بالموسم 2024 – 2025 عند 10 آلاف جنيه (200 دولار) للقنطار في مناطق الوجه القبلي، و12 ألفا (240 دولارا) للقنطار في مناطق الوجه البحري.

وطمأن مسؤول حكومي تحدث لـ”العرب” المزارعين، حيث كشف أنه إذا استمر التراجع العالمي أو امتنع التجار عن الشراء من المزارعين، فستتولى الشركة القابضة للغزل والنسيج التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، الشراء بأسعار التوريد المعلنة سلفا.

1.5

مليون قنطار متري صادرات الموسم الماضي بزيادة قدرها 36.5 في المئة عن الموسم السابق

وقامت القابضة للغزل والنسيج مؤخرا بشراء حوالي 102 ألف قنطار من القطن الجديد بقيمة إجمالية بلغت قيمتها 1.03 مليار جنيه (قرابة 30 مليون دولار)، من خلال ثلاثة مزادات، ملتزمة بسعر الضمان رغم التراجعات العالمية إلى مستويات بين 70 و80 دولارا للقنطار.

وشملت هذه المشتريات حوالي 97 ألف قنطار من أقطان صنف جيزة 95، و3912 قنطارا من أقطان صنف جيزة 97، ونحو 804 قناطير من أقطان صنف جيزة 98، وفقا لبيانات الشركة.

وأكد المتحدث باسم معهد بحوث القطن المصري مصطفى عمارة أن الحكومة ستلتزم بسعر ضمان القطن الذي حددته وتقوم بالشراء به من الفلاحين، رغم انخفاض الأسعار بالأسواق العالمية في الوقت الراهن، كي توطد العلاقة مع المزارعين.

وأوضح لـ”العرب” أن سعر القطن المصري يبلغ حاليا بتقييمه وفقا للأسعار العالمية كقطن طويل التيلة فائق الجودة نحو 8 آلاف جنيه (160 دولارا)، وجرى عقد مزادات لشراء القطن الفترة الماضية وتم الشراء من المزارعين وفق سعر الضمان المحدد من الحكومة.

ولفت إلى أن المشكلة الحالية تكمن في أن شركات القطاع الخاص تواجه إشكالية في الشراء كون الأسعار الحالية مغايرة للأسعار العالمية، ما يكبدها مصروفات وتكاليف أعلى وبالتالي قد تواجه صعوبات في تسويق منتجاتها.

ويرى مستثمرون أن الحل الوحيد للمعضلة الحالية يكمن في سماح الحكومة للشركات بالشراء بالسعر العالمي مع استكمال القيمة السعرية التي تشتري بها الشركات لتحفزها على الشراء من المزارعين وزيادة الصادرات لأنها الأكثر كفاءة في التسويق عالميا.

حسين أبوصدام: على الحكومة الالتزام بسعر الضمان لدعم المزارعين
حسين أبوصدام: على الحكومة الالتزام بسعر الضمان لدعم المزارعين

وسجلت صادرات مصر من القطن زيادة ملحوظة بنسبة 36.5 في المئة، لتصل إلى نحو 1.5 مليون قنطار متري خلال الموسم الماضي، مقارنة بمعدل 1.1 مليون قنطار متري في عام 2022، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وتصدرت الهند قائمة الدول المستوردة للقطن المصري، حيث اشترت نحو 715 ألف قنطار متري، ما يمثل حوالي 48 في المئة من إجمالي صادرات القطن في العام 2022.

وطالب نقيب الفلاحين في مصر حسين أبوصدام الحكومة بالالتزام بسعر الضمان حتى لا يتضرر المزارعون، أو يقلعوا عن زراعة محصول القطن الذي يعد من أهم المحاصيل الإستراتيجية في البلاد.

وذكر لـ”العرب” أن مساحة الأراضي المزروعة خلال الموسم الجاري ليست كبيرة ويجب أن لا تتخلى السلطات المصرية عن الفلاح ودعمه باستمرار، كي لا يفقد ثقته فيها، وحتى لو تحملت الفارق السعري عن الشركات لن تتضرر كثيرا.

ولم تنجح الحكومة إلا في تسويق نحو 8 في المئة من إجمالي المحصول المتوقع أن يتعدى 1.5 مليون قنطار على خلفية ارتفاع المساحات عن العام المنقضي، كما تمتنع شركات القطاع الخاص عن دخول المزادات لارتفاع الأسعار عالميا.

وفي خطوة لتعزيز الاستدامة البيئية الاقتصادية والاجتماعية لسلسلة قيمة القطن، أبرمت الحكومة وثيقة مشروع القطن المصري في نوفمبر الجاري، مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).

وتهدف الوثيقة إلى توسيع نطاق تأثير مشروع القطن المصري عبر دعم مزارعي القطن المصريين للوصول إلى سلاسل التوريد المستدامة من خلال رفع مستوى ممارسات زراعة القطن المستدامة في مناطق زراعة القطن الرئيسية.

وتعزيز القيمة المضافة والتدوير من خلال الابتكار ونقل التكنولوجيا وتشجيع الاستثمارات الجديدة، بالإضافة إلى تنمية المهارات والمعرفة لتعزيز جودة واستدامة سلسلة قيمة القطن المصري.

11