مسعود بارزاني يدعو إلى النأي بالعراق عن الحروب والتوترات

رئيس الديمقراطي الكردستاني لمنتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام: وحدتنا الداخلية خط أحمر.
السبت 2024/11/23
دعوة إلى الوفاق وتغليب المصلحة المشتركة

احتضان إقليم كردستان لفعاليات دولية اقتصادية وسياسية وثقافية – فكرية، من مستوى منتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام المنتظم حاليا في مدينة دهوك، مظهر من مظاهر اهتمام المجتمع الدولي بتجربة الإقليم في الحكم الذاتي وثقته بقادة تلك التجربة وآبائها المؤسسين على غرار الزعيم الكردي المخضرم مسعود بارزاني الذي حضر مجدّدا من خلال المنتدى كداعية للوفاق والسلام والتعايش في العراق والمنطقة.

دهوك (كردستان العراق) - دعا مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى النأي بالعراق عن حروب المنطقة وتوتّراتها. وجدّد خلال كلمة له في منتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام، الذي بدأ أشغاله الجمعة في مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق بمشاركة عدد من السياسيين والأكاديميين من العراق وخارجه، التذكير بأسس العلاقة بين الإقليم والدولة الاتّحادية العراقية، وبثوابت تجربة الحكم الذاتي من وحدة داخلية سياسية وأمنية في كنف الشراكة بين مختلف الفاعلين في الإقليم.

كما ذكّر بارزاني السياسي المخضرم الذي عايش الكثير من تطورات القضية الكردية بمظلومية أبناء المكون الكردي في المنطقة، ملمّحا إلى مسؤولية المجتمع الدولي إزاءها.

ويمر إقليم كردستان العراق، الذي مثّل على مدى العشريات الثلاث الأخيرة موطنا للاستقرار السياسي والأمني والازدهار الاقتصادي قياسا بما كانت عليه أوضاع العراق على وجه العموم، بمرحلة انتقالية حساسة شهد خلالها تنظيم انتخابات برلمانية يتطلّع على إثرها إلى تشكيل حكومة جديدة في ظل صعوبات ناتجة عن تصاعد الخلافات بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتّحاد الوطني، وأيضا عن تدخلات خارجية في شؤون الإقليم وأساسا من قبل الجارة إيران وحلفائها العراقيين من قادة أحزاب وفصائل مسلّحة ذات نفوذ كبير في الحكومة الاتّحادية.

وقال بارزاني إنّ الأكراد تعرّضوا خلال المئة عام الماضية للظلم من قبل الأنظمة الموجودة في المنطقة، ووصف ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى من تقسيم لكردستان بالظلم الكبير بحق الأكراد. ودعا في المقابل إلى التعويل على الذات أولا في خدمة القضية، مؤكّدا قوله “صحيح أن أصدقاءنا يساندوننا، لكن يجب أن تكون لدينا الثقة بأنفسنا وأن نساند أنفسنا بأنفسنا.”

هوشيار زيباري: تهديدات إسرائيل متوقعة بسبب سياسة الفصائل العراقية
هوشيار زيباري: تهديدات إسرائيل متوقعة بسبب سياسة الفصائل العراقية

كما دعا إلى اعتماد الطرق السلمية المشروعة في دفاع الأكراد عن مصالحهم، معتبرا أنّ من يظن أنه بالإرهاب يمكن أن يخدم كردستان خاطئ وفعله بمثابة خيانة. وتطرق رئيس الحزب الديمقراطي إلى الوضع السياسي القائم في الإقليم إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي اعتبر إجراءها بحدّ ذاته كسبا لرهان كبير حيث “جرت رغم التوقعات التي أشارت إلى احتمال عدم إجرائها أو حدوث مشكلات إذا أجريت.”

وتطرق إلى قضية تشكيل حكومة جديدة للإقليم آملا في أن يتعامل الجميع مع الشرعية؛ “فبعد إعلان النتائج الرسمية من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ستبدأ مرحلة المفاوضات بين جميع الأطراف للإسراع في بدء عمل البرلمان.”

وتوجّه إلى الجهات المحلية العراقية والخارجية الممثلة في المنتدى بالقول”نأمل منكم دعمنا كي يكون هناك في المستقبل إقليم واحد وبرلمان واحد وقوات بيشمركة واحدة وحكومة واحدة تمثل جميع مكونات الإقليم.” وحضر منتدى الشرق الأوسط للأمن والسلام بدهوك ممثّلا للدولة الاتحادية العراقية كلّ من الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني ووزير الخارجية فؤاد حسين. وقال بارزاني إنّه خلال أقلّ من عام ستجرى الانتخابات التشريعية في العراق ويمكن الاستفادة من التجربة التي جرت في إقليم كردستان.

وعلى مدى الدورات البرلمانية السابقة كان لحزب بارزاني تمثيل ثابت تحت قبّة البرلمان الاتّحادي، كما كانت للحزب ممثّلا بكبار قادته وفي مقدّمتهم رئيسه مشاركة فاعلة في الحياة السياسية العراقية ككل وفي تشكيل الحكومات الاتّحادية وشغل حقائب وزارية مهمة داخلها بما في ذلك الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، التي شارك الحزب ذاته في تشكيلها من خلال عضويته في تحالف إدارة الدولة.

وكثيرا ما استعانت قوى سياسية حاكمة في الدولة الاتحادية بحنكة بارزاني وتجربته الواسعة في حلحلة الكثير من المشاكل التي تطرأ بين تلك القوى ذاتها وتتسبب في اختناقات سياسية على غرار ما حدث على مدار السنة الجارية من انسداد في عملية انتخاب رئيس للبرلمان العراقي قبل أن تتم حلحلة المسألة بمشاركة من بارزاني وحزبه.

ووصف بارزاني العلاقة القائمة بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية بالجيدة، مشيرا إلى وجود تعاون لحل المشاكل العالقة، ومؤكّدا على أهمية الحوار لحل جميع تلك المشاكل.

وتحدث عن الأوضاع في المنطقة محذّرا من أنّ “الأزمات في المنطقة ومشاهد الحرب التي نراها في لبنان وغزة مؤسفة، ونتمنى أن تتوقف الحرب وتنتهي المأساة”، ومشدّدا على أنّ “الأهم من كل ذلك هو إبعاد العراق عن هذه الحرب.” ومثّلت الأوضاع ذاتها محورا لكلمة الرئيس العراقي في المنتدى، حيث حذّر عبداللطيف رشيد من أنّ العراق والمنطقة يمران بظروف تتطلب دراسة الوضع وإيجاد حل مناسب لها.

◙ تقسيم كردستان مظهر على الظلم الفادح الذي تعرض له الأكراد خلال المئة عام الماضية بتواطؤ إقليمي ودولي

وقال في كلمته “ندين بشدة التصعيد المستمر في فلسطين ولبنان، ونعبر عن أسفنا العميق لما يعانيه المدنيون من ويلات العنف والقتل،” معتبرا أن الوقت قد حان “لتعيش شعوب المنطقة في سلام واستقرار بعيدا عن دوامة الحروب والصراعات.” ودعا “الدول الكبرى والمجتمع الدولي إلى الاستماع لصوت شعوب المنطقة والعمل الجاد لإنهاء الحرب التي تهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط.”

ويُعتبر العراق معنيا بحالة التصعيد الجارية في المنطقة، بل مهدّدا بتداعياتها بسبب انخراط الميليشيات الشيعية العراقية، التي تعلن انتماءها إلى ما يُعرف بمحور المقاومة بقيادة إيران، في الصراع ضدّ إسرائيل التي تخشى بغداد أن تكون بصدد التهيؤ لتوجيه ضربات إلى العراق ردّا على استهدافها من قبل تلك الميليشيات. وأشار إلى ذلك وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مؤكّدا في كلمته للمنتدى وجود تهديدات واضحة من قبل إسرائيل للعراق، ومشيرا إلى اتخاذ “خطوات داخلية وخارجية” بشأنها.

وقال فؤاد حسين المنتمي سياسيا إلى حزب بارزاني إنّ “رئيس الوزراء وجه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية،” مستدركا بأن “الحكومة العراقية لا تريد الحرب وسياستها إبعادها عن البلاد،” وكاشفا عن وجود اتصالات “مستمرة مع العديد من العواصم الغربية المؤثرة لمنع الهجوم على العراق.”

وعبر عن النظرة المتشائمة لمآل الصراع في المنطقة رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني الذي خاطب أيضا المشاركين في منتدى دهوك بالقول إن “الصراعات مست الجميع قبل وبعد السابع من أكتوبر 2023 وإن التحديات التي واجهت الشرق الأوسط والعراق وإقليم كردستان بعد ذلك التاريخ تغيرت تماما عما كانت عليه سابقا.”

وشارك في المنتدى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري الذي سبق له أن شغل منصب وزير للخارجية ووزير للمالية في الحكومة الاتحادية العراقية. ورأى في كلمته أن التهديدات التي أطلقتها إسرائيل ضد العراق كانت متوقعة نظرا لمواقف أطراف سياسية وفصائل عراقية من الحرب القائمة في المنطقة. وقال إنّ التوقعات ليست إيجابية لما يجري في العالم بشكل عام، مؤكدا أن الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023 تشكل تهديدا للبلدان، وهي ستتسع وتتجاوز قطاع غزة.

وتطرق زيباري إلى الأوضاع الاقتصادية في العراق، وقال إن "البلد يعتمد على مصدر اقتصادي وحيد وهو النفط الذي لا يمكننا السيطرة على أسعاره." وذكر أن بعض المختصين “يعتقدون أننا إذا مضينا على هذا المنوال فإننا لن ننجح في تأمين الرواتب بسبب الإنفاق الكبير في القطاع العام." وأقرّ زيباري بأن حكومة السوداني تبذل جهودا لإجراء الإصلاحات غير أن هذا الأمر يحتاج إلى أفعال وليس إلى أقوال.

3