بسبب تأثيرات التغير المناخي على الحياة اليومية: الكويت تستسقي لمدنها قبل مزارعها

المدن الكويتية تعاني من موجات غبار كثيفة تؤدّي عند ارتفاعها إلى ضعف الرؤية وإبطاء حركة الأشخاص والمركبات في الشوارع.
الخميس 2024/11/21
صورة للذكرى في يوم للنسيان

الكويت - تقام السبت في مساجد الكويت صلاة استسقاء دعت إليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في البلد الذي يبدو نظريا قليل الحاجة للأمطار نظرا لاعتماده بشكل كبير على الاستيراد لتوفير الغذاء لسكانه مستخدما العوائد المجزية المتأتية له من تصدير النفط، لكنّه عمليا بحاجة للتساقطات المطرية لكسر وتيرة الجفاف والحدّ من تأثيرات التغيّر المناخي التي بدأت تطال مدنه على وجه الخصوص وتطرح على سكانها تحديات متزايدة.

ويؤدّي تمدّد الفصل الحار والجاف إلى إطالة أمد معاناة سكان تلك المدن من الحرارة ويحّد من نشاطهم خلال ساعات النهار ويكرّس حاجتهم لتكييف الهواء الأمر الذي يرفع فاتورة الطاقة ويسبب مشاكل في التزويد بالكهرباء ظهرت كأوضح ما يكون خلال الأشهر القليلة الماضية وتجلّت في الانقطاعات المتكرّرة للتيار الكهربائي التي طالت مناطق بحالها بسبب لجوء السلطات إلى أسلوب القطع المبرمج لتخفيف الأحمال على شبكة إنتاج الكهرباء ونقلها.

كما تبرز الحاجة للأمطار لتلطيف الأجواء وتثبيت الرمال التي تشكّل الغالبية العظمى من تربة المنطقة التي تقع فيها الكويت والحدّ من تحوّل ذراتها إلى غبار متطاير يداهم المدن ويسبب متاعب حياتية وتهديدات صحية لسكانها. وأصدرت وزارة الأوقاف تعميما للمساجد بضرورة إقامة صلاة الاستسقاء يوم السبت بداية من الساعة العاشرة والنصف صباحا، ودعت الأئمة "للتوجه بالدعاء وحث الناس على التوبة والرجوع إلى الله"، وذلك "عملا بالسنّة النبوية.

وتفاعلا مع التزايد المحسوس في تأثيرات التغير المناخي الذي تمثلت إحدى مظاهره خلال العشرية الأخيرة في تزايد وتيرة وشدّة العواصف الرملية والترابية في بلدان الضفّة الغربية للخليج، أعلن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية سنة 2021 عن إطلاق مشروع بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أطلق عليه اسم “مشروع التكيف والصمود” ويهدف لمقاومة العواصف الرملية والترابية العابرة للحدود بين العراق والكويت وينجز بتخصيص موازنة تبلغ ثلاثة عشر مليون دولار تصرف في إقامة حزام أخضر عازل في المناطق الحدودية العراقية – الكويتية للحد من زحف الرمال وتطاير الغبار.

سعد الحيان: تدمير الغطاء النباتي وراء زحف الرمال وظاهرة الغبار
سعد الحيان: تدمير الغطاء النباتي وراء زحف الرمال وظاهرة الغبار

لكن المشروع الذي يبدو بالغ الطموح قياسا بالموازنة الزهيدة المخصصة له يواجه معضلة أكبر تتمثّل في ارتفاع درجات الحرارة في تلك المناطق وندرة المياه التي ضربت العراق أيضا وقلة الأمطار الضرورية لحياة الواحات والمناطق الخضراء التي كان يؤمل في إنشائها. وتعاني المدن الكويتية على مدار أشهر طويلة من السنّة من موجات غبار كثيفة تؤدّي عند ارتفاعها إلى تغيير المشهد العام لتك المدن وتسدّ الأفق وتضعف مدى الرؤية إلى حدود دنيا وتبطئ حركة الأشخاص والمركبات في شوارعها.

وتظهر بعض الدراسات أنّ البلد أصبح يتعرض على مدى ما لا يقل عن أربعة من أشهر السنة لموجات ارتفاع الغبار والأتربة، مؤكّدة وجود تأثيرات ضارّة لها على الإنسان والحيوان والنبات، فيما لا تخلو من أعباء إضافية على الدولة. وتقدّر دراسة صادرة في وقت سابق عن الصندوق الكويتي للتنمية الخسائر الناجمة عن تلك الظاهرة إلى نحو 618 مليون دولار سنويا تذهب معظمها لمعالجة آثار الغبار على صحّة السكان.

وترصد مصادر علمية وطبية تزايد الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء بالغبار في الكويت وسائر البلدان المشمولة بالجفاف وزحف الرمال وتطاير الأتربة في المناطق العمرانية، مثل أمراض الجهاز التنفسي والعيون والتحسس الجلدي.

وما يضاعف من خطورة الظاهرة أنّ الغبار الذي يداهم المدن بات يحتوي على خليط من المواد الكيميائية الصناعية الدقيقة، بالإضافة إلى المواد العضوية الأصلية التي لا تخلو من سموم وجراثيم. ولا تعد الكويت استثناء بين بلدان المنطقة التي تصنّف فقيرة مائيا، وإن كانت من أكثرها تأثرا مباشرا بنقص المياه وندرة الأمطار.

وتدرك السلطات الكويتية حدّة المشكلة البيئية المرتبطة بتغيرات المناخ وندرة التساقطات المطرية وتقدُّم ظاهرة التصحّر التي قال تقرير سابق لديوان المحاسبة الحكومي إنها ضربت ما نسبته 72 في المئة من المساحة الجملية للبلد ما أدى إلى فقدان الأراضي الصالحة للزراعة كما هي الحال في مزارع منطقة الوفرة التي انحسرت وتراجعت إنتاجيتها بشكل كبير.

وتنقل منابر إعلام محلية عن الناشط البيئي سعد الحيان قوله إنّ التصحر أصبح مصدرا لزحف الرمال والغبار في الكويت، ووصل لمستويات خطيرة وكبيرة جدا بعد تدمير الغطاء النباتي باستثناء بعض المحميات التي يقدر عددها بـ300 محمية موزعة على الصحراء الكويتية بمساحات صغيرة أنجزت بمجهودات شخصية من قبل المهتمين بإعادة تأهيل البيئة الصحراوية.

3