العراق يجني مكاسب الالتزام بتطوير صناعة التكرير

يتجه العراق نحو تحقيق مستهدفاته في ما يتعلق بالنهوض بصناعة التكرير، بعدما أكدت المؤشرات أن هناك ما يدعو إلى التفاؤل لتسجيل مستويات قياسية من إنتاج المشتقات النفطية هذا العام، وخاصة زيت الوقود، مع زيادة شحنات التصدير الفترة الماضية.
بغداد - كشفت مصادر وبيانات شحن الأربعاء أن صادرات العراق من زيت الوقود من المتوقع أن تسجل هذا العام أعلى مستوياتها السنوية على الإطلاق، بعد تعزيز البلاد للشحنات في أكتوبر وسط تراجع الطلب المحلي حتى مع زيادة الإنتاج.
وستدعم زيادة صادرات زيت الوقود عائدات النفط لثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على الرغم من ركود شحنات الخام هذا العام بسبب قيود على الإنتاج وضعها تحالف أوبك+ الذي يضم أوبك إلى جانب حلفاء آخرين.
ومن المتوقع أيضا أن تساهم زيادة الصادرات العراقية في زيادة المعروض العالمي وخفض الأسعار المتزايدة في آسيا مع خفض تكاليف المواد الخام في المصافي.
وقال بالاش جين، المحلل المعني بسوق النفط في الشرق الأوسط لدى شركة أف.جي.إي، لرويترز إن “صادرات العراق من زيت الوقود في أكتوبر جاءت وسط انخفاض موسمي في الطلب المحلي بنحو 100 ألف برميل يوميا مقارنة مع الشهر السابق.” وينتج البلد خاما بكميات تبلغ نحو 4.25 مليون برميل يوميا، لكنه ملزم بتصدير قرابة 3.2 مليون برميل وفق اتفاق تحالف أوبك+.
ووفقا لحسابات تستند إلى بيانات من كبلر ومجموعة بورصات لندن، من المتوقع أن تتجاوز صادرات زيت الوقود 18 مليون طن (380 ألف برميل يوميا) للعام 2024، وهو حجم سنوي قياسي، لتتجاوز الرقم المسجل العام الماضي والذي تجاوز 14 مليون طن.
وتخطت الصادرات 2.15 مليون طن متري في أكتوبر، وهو أكبر مستوى شهري على الإطلاق، وفقا لكبلر ومجموعة بورصات لندن. وتتجه معظم شحنات العراق من زيت الوقود إلى سنغافورة والهند. ولم ترد شركة تسويق النفط العراقية (سومو) بعد على طلب للتعليق بشأن توقعات الصادرات القياسية هذا العام.
وأشار رسلان خصاونة، كبير المحللين المعنيين بالنفط في كبلر، لرويترز إلى أن “صادرات العراق من زيت الوقود تتجه بفارق كبير نحو تسجيل مستوى قياسي هذا العام بعد زيادة الإنتاج المحلي مع إعادة فتح مصفاة كربلاء”.
ووفقا لوحدة أبحاث النفط في مجموعة بورصات لندن (أل.أس.إي.جي أويل ريسيرش)، اتجه العراق إلى كبح صادرات الخام لتعويض الإنتاج الزائد التزاما بالحصص المحددة في أوبك+، عبر معالجة كميات أكبر من الخام في المصافي وتحويلها إلى منتجات نفطية.
وقال إمريل جميل، أحد كبار المحللين المعنيين بالنفط في أل.أس.إي.جي أويل ريسيرش، “نعتقد أن العراق زاد إنتاجه من المنتجات النفطية من أجل البقاء ملتزما باتفاق خفض الإنتاج على الرغم من فائض الخام.”
وتوقع جميل أن تظل صادرات العراق من زيت الوقود أعلى من مليوني طن في نوفمبر، في حين يرى جين أن الصادرات قد تتراجع عن أعلى مستوياتها في أكتوبر في الشهرين المقبلين عندما يبدأ العراق التخزين الشتوي للوقود لتلبية الطلب على التدفئة.
والشهر الماضي، أكدت شركة توزيع المنتجات النفطية العراقية أن خطط الحكومة أسهمت بخفض استيراد المشتقات النفطية إلى 50 في المئة، في سياق خطة مرحلية للتوقف عن الشراء من الخارج في غضون أشهر من الآن.
◙ 18 مليون طن حجم صادرات 2024 مرتفعا عن مستوى 2023 البالغ 14 مليون طن
وتعمل الحكومة على خطة تتمثل في تقليص توريد المشتقات النفطية تدريجيا، والذي يكلف سنويا أكثر من 4 مليارات دولار، حتى الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الموارد خلال العام المقبل.
ويستورد العراق مشتقات النفط من الوقود وغيرها، جراء ضعف البنية التحتية الخاصة بالتكرير نتيجة الحروب المتعاقبة والفساد على مدى العقود الماضية، رغم أن البلد يعد ثاني أكبر مصدّر للنفط الخام في منظمة أوبك.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مدير عام الشركة الحكومية حسين طالب قوله قبل فترة إن “الدولة كانت تنفق ما يقارب 4.5 مليار دولار سنويا على استيراد المنتجات كالبنزين وزيت الغاز والنفط الأبيض.”
وأوضح أن الإنفاق يتقلص مع استمرار المشاريع في قطاع النفط والرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع العمل على عقد شراكات مع كبرى شركات الطاقة العالمية للاستفادة من مكامن الوقود الأحفوري المهملة منذ سنوات طويلة.
وضمن سياسة وزارة النفط وبرنامج حكومة محمد شياع السوداني، فقد شهد قطاع الطاقة منذ 2023 متابعة حثيثة لاستكمال المشاريع المتلكئة، حيث تم وضع برنامج ضمن خطة زمنية لإكمالها. وكان من بين أهم المشاريع استكمال مصفاة كربلاء خلال العام الماضي، والتي تعتبر مصدرا رئيسا للمنتجات المحلية.
وتظهر المعطيات الرسمية أن المصفاة تكرر ما يقارب 140 ألف برميل نفط خام يوميا بمنتجات مطابقة للمواصفات التسويقية العالمية، بينها بنزين سوبر 95 أوكتان وزيت الغاز (الكاز) والنفط الأبيض وكافة المنتجات الأخرى.
وتطمح بغداد لبناء مصاف جديدة بعد أن تقلصت طاقتها لتكرير النفط بشدة جراء الأضرار التي لحقت بمصفاة بيجي الأكبر في البلاد خلال سيطرة تنظيم داعش عليها في منتصف عام 2014.
ومع أن الاستهلاك الداخلي يحتاج إلى ما بين 700 و800 ألف برميل يوميا من البنزين والديزل وزيت الغاز، لكن المصافي الجنوبية النشطة في الوقت الحاضر تنتج قرابة 280 ألف برميل يوميا بعد زيادة طاقتها بواقع 70 ألف برميل يوميا.
وحتى مع إضافة طاقة إنتاج مصفاة كربلاء، وإنتاج مصافي محافظة صلاح الدين البالغ نحو 130 ألف برميل يوميا فإنها لا تكفي لتغطية الطلب المحلي المتنامي.
وسرّعت الأزمة المالية التي مر بها البلد قبل انتعاش أسعار النفط عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع 2022 في تحويل أنظار بغداد نحو تحسين خبراتها وشراكاتها لتنمية نشاط التكرير وتحسين جودة المشتقات النفطية.
ودعمت الحكومة منذ 2020 خطواتها إلى تقليل واردات المشتقات البترولية عبر توقيع اتفاقية مع شركة جي.جي.سي اليابانية لتحسين المنتجات البترولية الصديقة للبيئة ورفع الطاقة الإنتاجية في مصافي الجنوب وتقديم التكنولوجيا الحديثة للقطاع.