روسيا لا تتوقع تطبيعا وشيكا بين الأسد وأردوغان

التباين في وجهات النظر بين دمشق وأنقرة يبعد روسيا عن الوساطة.
الجمعة 2024/11/15
لا تطبيع بوجود القوات التركية والفصائل الموالية لها شمال سوريا

تؤكد روسيا صعوبة التوصل إلى اتفاق قريب بين سوريا وتركيا التي لا تترك مناسبة دون تأكيد استعدادها للتطبيع مع دمشق، رغم رفضها الاستجابة لمطالب الرئيس السوري بشار الأسد غير المهتم بتطبيع وفق شروط نظيره التركي.

موسكو - عكست تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف بشأن التطبيع بين دمشق وأنقرة، مدى صعوبة تحقيق تقدم بهذا الشأن مع عدم وجود عروض تركية مقنعة تدفع الرئيس السوري بشار الأسد بالتجاوب، وتشير إلى أن موسكو تستبعد تحقيق خطوات ملموسة على المدى القريب.

وصرح لافرينتييف لوكالة تاس الروسية أنه حتى الآن لا توجد بوادر لعقد اجتماع بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، لكن الاتصالات مستمرة بين وزارتي دفاع البلدين في صيغة رباعية.

وفي إشارة إلى أن المفاوضات عادت خطوات إلى الوراء بتراجع مستوى التواصل بين مسؤولي البلدين. أضاف الدبلوماسي الروسي “بشكل عام، من السابق لأوانه توقع التواصل بين البلدين على مستوى أعلى. كما كان الحال قبل 18 شهرًا تقريبًا، عندما تم تنظيم اجتماعات بين وزارة الخارجية والدفاع في الدول الأربع.”

وعلى الرغم من كثافة تصريحات المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم أردوغان الداعية للتطبيع مع دمشق والتي تراوحت بين الدبلوماسية والسعي للسلام وبين الحديث عن مكاسب للأسد، إلا أنها فعليا لم تحمل أي جديد بل تراهن على المتغيرات الإقليمية للضغط على دمشق للقبول باتفاق مجاني يبقي قواتها في الشمال السوري، وهو الأمر المرفوض تماما بالنسبة لسوريا.

وأوضح لافرينتييف “دعونا نطلق على الأمور أسمائها الصحيحة. إنهم يتصرفون (تركيا) كدولة محتلة. ولهذا السبب من الصعب للغاية على دمشق الدخول في حوار دون ضمانات معينة من تركيا فيما يتعلق بسحب قواتها.” وأشار إلى عوامل مختلفة تؤثر على هذه العملية. لافتا أن “دعم تركيا للمعارضة السورية لا يمكن أن يترك دون نقاش وبطبيعة الحال، القضية الرئيسية هي انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية المحتلة.”

وتتحدث أنقرة عن أربعة شروط لتحقيق التطبيع مع دمشق، تتمثل في إقرار الدستور وإجراء انتخابات حرة بمشاركة جميع الأطياف ومراعاة مطالب الشعب السوري، ومكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، وضمان العودة الطوعية الآمنة للاجئين، وضمان استدامة المساعدات للمحتاجين.

وبحسب قول وزير الدفاع التركي يشار غولر فإن العرض التركي فرصة للتحول نحو السلام في الشرق الأوسط الذي أصبح بؤرة للصراعات، معتقداً أن “الأسد سيُحسن استغلالها”. وأضاف في مقابلة مع قناة تلفزيونية محلية، بأن بلاده أوضحت مرارا أنها لا تملك أي نوايا للانسحاب، كاشفا عن شرط لهذا الأمر، وهو أن تركيا تشترط انضمام قوات المعارضة السورية المتمركزة شمال البلاد، لتصبح جزءاً من الجيش السوري ومستقبل سوريا.

ورأى أن هذا الشرط إيجابي من وجهة نظره بالنسبة للأسد، خصوصا أنه لا سيطرة للجيش السوري على مناطق الشمال، وفي حال تم تنفيذ الشرط التركي فإن هؤلاء السوريين سيبقون جزءا من بلادهم. في المقابل فإن أولويات الحكومة السورية هي استعادة السيطرة على جميع المناطق السورية، وإعادة بناء البنية التحتية التي تعرضت لدمار شديد، وتؤكد أنه لا يوجد مكان لأي جماعة مسلحة في سوريا غير الجيش السوري.

ألكسندر لافرينتييف: تركيا تتصرف كدولة محتلة ومن الصعب على دمشق الدخول في حوار
ألكسندر لافرينتييف: تركيا تتصرف كدولة محتلة ومن الصعب على دمشق الدخول في حوار

وتقول دمشق أن أي مبادرة لتطبيع العلاقات مع أنقرة يجب أن تبنى على أسس في مقدمتها عودة الوضع الذي كان سائدا قبل العام 2011 ومكافحة المجموعات الإرهابية التي تهدد أمن سوريا وتركيا. وأمام هذا التباين الصارخ في وجهات النظر بين البلدين، بدت روسيا أقل حماسة في لعب دور الوسيط، بعد أن كانت تصريحات المسؤولين الروس تشير إلى اهتمام واضح بالتقريب بين أنقرة ودمشق.

وأعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف توقّف مفاوضات التطبيع بين تركيا والنظام السوري، بسبب الخلاف على مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وقال في مقابلة مع صحيفة “حرييت” التركية، مطلع نوفمبر الجاري إن ثمة خلافاً في المواقف بين دمشق وأنقرة، بشأن انسحاب القوات التركية من سوريا، ما أدّى بالنتيجة إلى توقف مفاوضات التطبيع بين الجانبين.

وأوضح أنه فيما يطالب النظام السوري بتوضيحات حول مسألة انسحاب تلك القوات، تؤكد أنقرة التزامها بوحدة الأراضي السورية وسيادتها، مع استعدادها مناقشة مسألة الانسحاب في وقت لاحق. وفي والوقت نفسه، لفت لافروف إلى وجود “إشارات” تؤكد اهتمام الجانبين باستئناف المفاوضات، مشدداً على أن موسكو تشجع استئنافها سريعاً، كما شدد على الجهود الروسية في مسألة انهاء الصراع في سوريا.

وكان الوزير الروسي قد صرح نهاية أغسطس الماضي أن موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين شركائها في دمشق وأنقرة. وقال في مقابلة مع برنامج “نيوزميكر” على شاشة “آر.تي” الروسية “بشق النفس تمكنا العام الماضي من عقد مباحثات حاولنا عبرها بحث شروط تساهم في الوصول إلى تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وكانت المباحثات مفيدة رغم أننا لم نتمكن من الاتفاق على المضي قدما.”

وأكد لافروف أنه “من الضروري التحضير الآن لاجتماع جديد وأنا على ثقة من أنه سيعقد في مستقبل قريب جدا، نحن مهتمون بلا شك بتطبيع العلاقات بين شركائنا في دمشق وأنقرة.” وفي يوليو الماضي، أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن ما حددته دمشق لإعادة العلاقات مع أنقرة إلى مجراها الطبيعي ليس شروطا بل متطلبات يفرضها القانون الدولي وطبيعة العلاقات بين الدول.

ومن جانبه، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن أنقرة تريد تطبيع العلاقات مع سوريا ونحن نضع مصلحة الجميع على الطاولة وليس مصلحة تركيا فقط. وذكر في تصريحاته بأن موقف أنقرة من تطبيع العلاقات مع سوريا يصب في مصلحة الجميع، وتابع “ننتظر من حلفائنا في روسيا وإيران لعب دورهم وممارسة الضغط على دمشق.”

لكن محللين يرون أنه في أفضل السيناريوهات التي قد تحمل لقاء بين أردوغان والأسد بعد قطيعة تجاوزت عقداً من الزمن، فإن تطبيع العلاقات لا يمكن أن يحصل، إلا بشكل تدريجي نظراً للقضايا الشائكة بين الطرفين.

وقالت نائب رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد السلام الأميركي، منى يعقوبيان، إن المصالحة “لن تحصل بين عشية وضحاها، بغض النظر عما يحدث، حتى لو جرى لقاء بين أردوغان والأسد.” وتشير إلى “تعقيدات” في ملفات عدة عالقة، تجعل من المؤكد أن استعادة العلاقات “ستحصل في أحسن الأحوال بشكل تدريجي وطويل الأمد.”

وقبل اندلاع النزاع في العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا. وجمعت أردوغان علاقة صداقة بالأسد. لكن العلاقة بينهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد الأسد. فقد دعت أنقرة بدايةً حليفتها إلى إجراء إصلاحات سياسية، لكن مع تحوّل التظاهرات تدريجياً إلى نزاع دام، دعا أردوغان الأسد إلى التنحي.

وشنّت تركيا عمليات عسكرية عدة داخل سوريا منذ العام 2016، استهدفت بشكل رئيسي الوحدات الكردية، التي تصنّفها “إرهابية” وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.

2