قوى شيعية تسعى لتخريب مبادرة السوداني للوساطة بين فرقاء إقليم كردستان

جهود رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتسهيل عملية تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان لضمان استقرار الإقليم وتماسك سلطاته لا تلتقي بالضرورة مع رغبة قوى شيعية ذات نفوذ في الحكومة الاتّحادية، التي لن تتردّد في عرقلة تلك الجهود في نطاق حسابات مغايرة لها تقوم على محاولة السيطرة على كردستان عن طريق حليفها الاتحاد الوطني أو دفع الإقليم نحو الفراغ والفوضى.
السليمانية (العراق)- لا يسير رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مبادرته لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في إقليم كردستان العراق بشأن تشكيل حكومة جديدة للإقليم في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على طريق ممهدة وذلك بسبب تناقض المبادرة مع مصلحة قوى سياسية شيعية عراقية موالية لإيران، لا ترغب من جهة في رؤية رئيس الوزراء يحقّق إنجازا سياسيا يحسب في رصيده ويرفع من شعبيته ويخدم طموحه للحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة، ولا ترتاح من جهة مقابلة لاستقرار الإقليم تحت سلطة قوية ومتماسكة يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز في الانتخابات.
وزار السوداني الأربعاء أربيل مركز إقليم كردستان العراق ومعقل الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني، والسليمانية معقل الاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني حيث طرح ضمن محادثاته مع قيادة الحزبين قضية تشكيل حكومة للإقليم مبديا استعداده للمساعدة على ذلك.
وبينما استمع رئيس الوزراء من قيادة الحزب الديمقراطي لمواقف واضحة بشأن التجاوب مع مبادرته ومدّ اليد لباقي الشركاء السياسيين لتشكيل الحكومة بالسرعة المطلوبة والسلاسة اللازمة، تحصّنت قيادة الاتحاد الوطني بالتعميم والغموض وكرّرت على مسامع السوداني مطالبتها بالشراكة الحقيقية في قيادة الإقليم التي تعني وفق ما عبّرت عنه تلك القيادات نفسها حصول حزبها على مناصب قيادية في الحكومة بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
وقال بافل طالباني لدى لقائه رئيس الحكومة الاتّحادية في السليمانية إنّ حزبه “حريص على تشكيل حكومة عادلة وبعيدة عن التمييز،” مضيفا “نحن نريد أن نكون شركاء حقيقيين في إدارة إقليمنا.”
كما أصدر الاتّحاد، الخميس بيانا صادرا عن رئيسه، أبقى فيه على خطابه الشديد الموجه بشكل غير مباشر للحزب الديمقراطي جاء فيه أنّ ” السليمانية ترفض التفرد والإجحاف، وفكرها الحر والنيّر يأبى الاستسلام لأيّ إرادة مفروضة تقف ضد تطلعاتها.”
وكان القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد الهركي أكثر وضوحا في التشكيك بفاعلية مبادرة رئيس الوزراء العراقي وتقليلا من شأنها، حيث نقلت عنه وسائل إعلام محلية قوله إنّ تأخر التشكيل أصبح سمة مميزة لحكومتي بغداد وأربيل وإنّ مساحة الخلافات ستبقى موجودة رغم جهود السوداني.
ويحتاج حزب طالباني للتجاوب مع مبادرة السوداني لموافقة حلفائه من أحزاب وفصائل شيعية عراقية موالية لإيران وكانت قد بذلت جهودا كبيرة لمساعدته على تنفيذ ما سماه تغيير مسار الحكم في كردستان العراق والذي يعني إزاحة حزب بارزاني من موقعه الريادي في قيادة سلطات الإقليم والحلول محلّه.
وتمتّ تلك المساعدة عبر مسار طويل شمل تدخلّ تلك القوى النافذة لدى مؤسسات الدولة الاتحادية ومن ضمنها مؤسسة القضاء لتمرير تغييرات على قوانين انتخابات برلمان الإقليم وطريقة إجرائها والهيئة المكلّفة بالإشراف عليها وهي تغييرات اقترحها الاتحاد الوطني وكان يأمل في أن تساعده على تحصيل أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات الأخيرة، وهو ما لم يحدث بالفعل حيث حافظ الحزب الديمقراطي على المرتبة الأولى في عدد المقاعد المتحصّل عليها.
وعلى هذه الخلفية يستبعد متابعون للشأن العراقي أن تتجاوب قيادة لاتّحاد الوطني ومن ورائها حلفاؤها من قادة الأحزاب والفصائل الشيعية مع جهود السوداني نظرا لم يقتضيه نجاح تلك الجهود من مرونة وتخلّ عن الاشتراطات وتخفيض سقف المطالبات بشأن تشكيل حكومة الإقليم، الأمر الذي سيعني التسليم باستحقاق الحزب الديمقراطي في قيادة الإقليم، وبالنتيجة إفساد مخطط حلفاء إيران العراقيين لتحجيم دوره وتعظيم دور حليفها الاتّحاد.
وأحجمت غالبية الأحزاب والفصائل الشيعية عن إبداء أي موقف مساند لمبادرة السوداني لتضييق هوة الخلافات بين أربيل والسليمانية، وذلك في علامة على عدم رضاها عن المبادرة.
ونابت حركة بابليون المسيحية التي تمتلك ميليشيا مسلّحة بقيادة ريان الكلداني المتحالف مع قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق عن باقي ميليشيات الحشد الشعبي في التعبير الصريح عن معارضتها لوساطة السوداني، وذلك من خلال رفضها إلى جانب تيار الموقف الوطني الالتقاء به خلال زيارته إلى كردستان.
وقال القيادي في التيار غالب محمد علي إنّ “بابليون والموقف الوطني يحترمان رئيس الوزراء ولكنهما يختلفان مع الحزب الحاكم في أربيل.”
ولأسباب مختلفة رفض رئيس جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي بدوره الالتقاء بالسوداني، وأصدر مكتبه الخميس بيانا ذكر فيه أن دعوة وجهت بالفعل عن طريق مكتب السوداني للّقاء لكن رئيس الجبهة “قدم الاعتذار رافضا ذلك اللقاء بسبب بعض المواقف السابقة لرئيس الوزراء.”
واكتست زيارة السوداني إلى إقليم كردستان أهمية استثنائية كونها جاءت في إثر إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم والتوجّه نحو تشكيل حكومة جديدة له في عملية لا تخلو من صعوبات بسبب تعمّق الخلافات بين الفرقاء السياسيين هناك وخصوصا بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني.
ودعا السوداني خلال الزيارة إلى ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة، مبديا استعداد الحكومة الاتحادية التي يرأسها لتقديم المساعدة في هذا الملف، ومشدّدا على اعتبار الاستقرار في إقليم كردستان من ركائز الاستقرار في عموم العراق.
ويكتسي الحفاظ على استقرار الإقليم وتماسك سلطاته أهمية لدى السوداني الذي يأمل في استكمال ما بقي من فترة حكومته في أجواء سياسية وأمنية هادئة في مختلف ربوع البلاد ما يتيح له تنفيذ ما أمكن من وعوده بإعادة تحريك عجلة التنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
كما ينطوي الحفاظ على علاقات جيدة مع قيادات الإقليم على مصلحة سياسية مباشرة له تتمثّل في كسبهم كحلفاء له يحتاج دعمهم مستقبلا في مواجهة ضغوط يتعرّض لها من داخل البيت السياسي الشيعي الذي ينتمي إليه، والذي شرع بعض كبار رموزه في محاولة منعه من استكمال الفترة القانونية لحكومته، وقطع الطريق على إمكانية حصوله على ولاية ثانية على رأس الحكومة من خلال الانتخابات البرلمانية المقررة في بحر السنة القادمة.
وقام الحزبان الكبيران في كردستان العراق، حزب بارزاني وحزب طالباني، بدور في تشكيل حكومة السوداني وتوفير المظلّة السياسية لها من خلال انخراطهما إلى جانب قوى شيعية وسنيّة في تحالف إدارة الدولة الذي تشكّل إثر الانتخابات البرلمانية العراقية الماضية.
غالبية الأحزاب والفصائل الشيعية أحجمت عن إبداء أي موقف مساند لمبادرة السوداني لتضييق هوة الخلافات بين أربيل والسليمانية
وبرز من خلال التحالف المذكور دور السياسي الكردي المحنّك مسعود بارزاني صاحب شبكة العلاقات الواسعة داخل العراق وخارجه في حلحلة الكثير من الخلافات التي نشبت بين المكونات المشتركة في إدارة السلطة الاتحادية وتنفيس الاختناقات التي حدثت بسبب ذلك ومن آخرها تعذّر انتخاب رئيس جديد لبرلمان العراق على مدى قرابة العام والذي انتهى مؤخّرا باختيار السياسي السني محمود المشهداني لتولي المنصب.
ولا تخلو علاقة الحكومة الاتّحادية مع سلطات إقليم كردستان العراق من مفارقة تتمثّل في أنّ جهات نافذة في حكومة السوداني لا تتوافق معه في منظوره للإقليم وتشكّل توجهاتها عامل تهديد لاستقراره.
ويتعلّق الأمر بعدد من الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة الموالية لإيران والمتحالفة مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يظهر تشدّدا بشأن عملية تشكيل الحكومة الجديدة بالرفع من سقف مطالبه واشتراطاته ليتحوّل بذلك إلى عامل تعطيل لجهود غريمة الحزب الديمقراطي الفائز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الإقليم للتعجيل بتشكيل تلك الحكومة.
ويقود الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل رئيسي سلطات إقليم كردستان عن طريق نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم ومسرور بارزاني رئيس الحكومة. والحزب مرشّح أيضا لمواصلة هذا الدور القيادي بفعل فوزه في الانتخابات الأخيرة بينما يبدي غريمه الاتّحاد الوطني اعتراضا على ذلك.