مخاوف تعويم الجنيه تثير قلق المصريين مع مراجعة صندوق النقد

حالة ترقب لنتائج زيارة بعثة المؤسسة لمنح القاهرة أكبر شريحة تمويل.
الخميس 2024/11/14
اجرد حساباتك واحذر المفاجآت!

تحمل زيارة بعثة صندوق النقد الدولي الحالية إلى القاهرة مخاوف جديدة من تراجع سعر الجنيه، مع الارتفاع الذي شهده سعر الدولار خلال الأيام الماضية، فضلا عن أن المراجعة الراهنة سوف يترتب عليها صرف الشريحة الأكبر من قيمة برنامج القرض المتفق عليه.

القاهرة - يترقب الكثير من المصريين نتائج المراجعة الرابعة التي يجريها صندوق النقد الدولي على برنامج الحكومة لإصلاح الاقتصاد، والتي بدأت في الخامس من نوفمبر الجاري.

وتترافق هذه الحالة مع مخاوف من قرارات قاسية يمكن أن تتخذها الحكومة الأيام المقبلة، أبرزها تعويم جديد للجنيه، وما يترتب عليه من تضخم وارتفاع في أسعار العديد من السلع.

وذكر البنك المركزي المصري الاثنين أن تحويلات المغتربين ارتفعت للشهر السادس على التوالي خلال أغسطس الماضي، بنسبة 65.5 في المئة على أساس سنوي لتسجل نحو 2.6 مليار دولار.

وتأتي المراجعة ضمن برنامج القرض الممتد لنحو 46 شهرا، ووافق عليه الصندوق عام 2022 بنحو 3 مليارات دولار، لتزداد قيمته في مارس الماضي إلى 8 مليارات دولار، في ظل أزمة اقتصادية حادة شهدت ارتفاعا كبيرا في التضخم، ونقصا في العملات الأجنبية.

ياسر عمارة: الصندوق سوف يركز على بيع شركات الدولة والجيش
ياسر عمارة: الصندوق سوف يركز على بيع شركات الدولة والجيش

وتكمن أهمية المراجعة في أنها تسمح بصرف شريحة قدرها 1.3 مليار دولار من قرض الصندوق، هي الأكبر على الإطلاق، لذلك يزداد القلق بشأن الإجراءات المنتظرة.

وتحوم شكوك حول وجود تعويم جديد للجنيه بشكل مباشر مثلما حدث في مارس الماضي، لكنه في الغالب سيكون غير مباشر، بشكل يسمح للدولار للتحرك صعودا وهبوطا.

وكان آخر تعويم بمثابة المرحلة النهائية لخفض قيمة الجنيه، وبالتالي أصبحت عوامل العرض والطلب تتحكم في تحديد سعر الصرف.

وقبل تحرك العملة المحلية الأيام الماضية وكسر الدولار حاجز 49 جنيها، شهد السعر ثباتا نسبيا، لكنه ليس بسبب تدخل البنك المركزي أو منحه تعليمات للبنوك بعدم تحريك الأسعار.

ولعب ارتفاع صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي شاملا المركزي، دورا حاسما في استقرار سعر الصرف مؤخرا، بدعم تدفقات صفقة رأس الحكمة والقضاء على سوق موازية أسهمت في دخول الدولار إلى قنواته الشرعية.

وارتفع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك بمعدل 6 في المئة على أساس شهري في سبتمبر الماضي ليصل إلى 10.3 مليار دولار مقارنة بنحو 9.7 مليار دولار في أغسطس، بدعم من تحسن الاحتياطيات النقدية في المركزي.

ومن القضايا المهمة التي يركز عليها الصندوق نظر القاهرة في استمرار دعمها للمحروقات والخبز ومنظومة التموين، وهي أمور ربما تعجّل بتفعيل التحول للدعم النقدي لإزاحة عدد كبير من المواطنين وحذفهم من بطاقات التموين.

وقال المحلل الاقتصادي ياسر عمارة إن “صندوق النقد لن يخوض كثيرا في محور سعر الصرف أثناء مراجعته لبرنامج الإصلاحات، لكن سيستغرق وقتا أكبر في برنامج الطروحات الحكومية والمعني بخصخصة الشركات وتخارج الدولة والجيش.”

1.3

مليار دولار قيمة الشريحة الجديدة التي يتوقع أن يصرفها الصندوق، وهي الأكبر على الإطلاق

وأضاف لـ”العرب” أنه “لا بد من التماس الأعذار للسلطات في تأخرها بتنفيذ البرنامج، والذي لا يجدون الوقت المناسب لتنشيطه بسبب استمرار الاضطرابات الإقليمية والتي تضعف تقييم الشركات.”

ولم يعد الصندوق مصر بأي أمور من شأنها تخفيف حدة قرارات الإصلاح، خلال زيارة المديرة التنفيذية كريستالينا جورجييفا إلى القاهرة مؤخرا.

وتشهد البلاد ظروفا اقتصادية صعبة، لذا صرح الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن حكومته قد تضطر لمراجعة اتفاقها مع الصندوق، إذا ترتبت عليه ضغوط لا تحتمل، ويأتي ذلك بعد أحدث زيادة أقرتها لأسعار الوقود.

ويصعب تعليق الأزمات الداخلية التي تشهدها البلاد على شماعة صندوق النقد، لأنها مرت بظروف استثنائية بدأت بثورتين 2011 و2013 وتدهورت تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد خلال تلك السنوات.

ومع بداية العام 2014 بدأ الاستقرار السياسي، وكان لا بد من إصلاحات اقتصادية، لمواجهة الأزمات المعيشية التي نشأت نتيجة الثورتين، ما تسبب في تقلص حصيلة النقد الأجنبي المتدفقة.

وأعقبت ذلك أزمات أخرى مثل الوباء والحرب الروسية – الأوكرانية، ثم الحرب في غزة، والتهديدات الأمنية في البحر الأحمر التي ترتب عليها تدهور في إيرادات قناة السويس.

نادي عزام: لا يمكن للحكومة إجبار الصندوق على إرجاء قراراته
نادي عزام: لا يمكن للحكومة إجبار الصندوق على إرجاء قراراته

ولا توجد حلول ناجزة وفعالة لخروج الاقتصاد من عثرته سوى التركيز على الاستثمارات الأجنبية كونها تعزز الحصيلة الدولارية ولا تضغط على الديون.

ولا يمكن توجيه الاتهام لبرامج الإصلاح بالكلية في أنها سبب معاناة المواطنين، فقد سلكت مصر طريق الإصلاح خلال الفترة من 1991 إلى 1996 وحقق نتائج جيدة للمؤشرات، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية حينها، وفي الوقت الحالي لم تؤت البرامج المتبعة نتائجها المرجوة.

ومن المتعارف عليه أن الصندوق تدخل والأزمات قائمة في مصر، وتم وضع برنامج إصلاح لسد فجوة تمويلية بالدولار، وهنا يأتي دور المؤسسة كمموّل، لأن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي ينبغي أن يوفر الأموال لا يكون منتعشا نظرا لتراكم الأزمات الداخلية.

ونجحت القاهرة في سد تلك الفجوة عبر جذب الاستثمار الأجنبي من صفقة رأس الحكمة بالشراكة مع دولة الإمارات التي دعمت الاقتصاد بقوة.

كما أن السعودية تفكّر بنفس الأمر عبر تحويل ودائعها في البنك المركزي إلى استثمارات على غرار مشروع رأس الحكمة، ومن شأن ذلك تقليص الدين الخارجي المصري.

ويعتقد الخبير الاقتصادي نادي عزام أن مساعي مصر للدخول في مفاوضات مع الصندوق ترمي لمراجعة برنامجه للإصلاح الاقتصادي وعدم السير في الإجراءات التي يرغبها لعدم زيادة الأعباء على المواطنين وضعف الاقتصاد.

وقال لـ”العرب” إن “العراقيل التي تواجه مصر في المفاوضات هي إيجاد بدائل للبنود التي ستطالب الصندوق بتأجيلها، مثلا لو طالبت المجموعة المخول لها التفاوض تأجيل رفع الدعم عن الوقود أو غيره، سيطالبها بتوفير البديل، ما يستوجب جاهزية ومهارة في التفاوض.”

وأشار عزام إلى أن الحكومة لا تملك إجبار الصندوق على التأجيل أو فرض ما تطلبه بشكل كامل، حيث يطالب القاهرة دائما بخفض النفقات، لذلك لا تملك الدولة سوى رفع الدعم عن السلع، مثل المحروقات.

ويؤكد خبراء أن تسريع برنامج الطروحات وتخارج الدولة من بعض الشركات يتم عبر معايير، وتحرص الدولة على عدم التفريط في أيّ أصول إلا لو ضمنت تحقيق أقصى ربح، ومن ثم ترى الوقت المناسب لتسريع هذا الملف بوتيرة أكبر بالمقارنة مع الخطوات الحالية.

11