مصر تواجه الشائعات بالطرق التقليدية دون أدوات تكسبها المعركة

مجلس الإعلام يقرر تنظيم ندوة موسعة للصحافيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات حول دور الإعلام في مكافحة الشائعات التي يتم بثها عبر بعض شبكات التواصل.
الثلاثاء 2024/11/12
خيارات محدودة

القاهرة - كلف المجلس الأعلى للإعلام في مصر الصحف والمواقع والقنوات الفضائية بالعمل على مواجهة الشائعات وتنويع أساليب المعالجة لتفعيل الوعي الشعبي، في خطوة تشير إلى إصرار بعض الدوائر الحكومية على التصدي لانتشار المعلومات المغلوطة بطرق تقليدية، في ظل جماهيرية واسعة لمواقع التواصل الاجتماعي.

وقرر مجلس الإعلام تنظيم ندوة موسعة للصحافيين والإعلاميين وأساتذة الجامعات حول دور الإعلام في مكافحة الشائعات التي يتم بثها عبر بعض شبكات التواصل، والمشاركة المجتمعية بحكم المسؤولية المجتمعية للإعلام، وتوضيح الرؤية حول أبرز القضايا المهمة والتعريف بالمخاطر لتحصين الجمهور من الأكاذيب.

وأكد كرم جبر رئيس مجلس الإعلام أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية التي تحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور أو يدعو إلى مخالفة القانون وميثاق الشرف المهني أو يخالف الآداب العامة أو يحض على التميز والعنف والعنصرية والكراهية.

وبدت الحكومة المصرية عاجزة عن التصدي لما تعتبره حملات ممنهجة تسعى إلى تشويه صورة الدولة، دون إدراك أن المشكلة الحقيقية تكمن في إخفاق الإعلام في مجاراة مواقع التواصل وعجزه عن تقوية الجبهة الداخلية بخطاب مقنع للجمهور، ويتصدى للشائعات قبل أن تنفجر بمعلومات سريعة وموثقة تفند الادعاءات.

خالد برماوي: العبرة في آلية التسويق وطريقة العرض وطبيعة المحتوى
خالد برماوي: العبرة في آلية التسويق وطريقة العرض وطبيعة المحتوى

وتعرضت الدولة المصرية مؤخرا لشائعات قادت إلى استياء واسع ضد الحكومة، ورغم نفيها من خلال وسائل الإعلام التقليدية، فإن هناك شريحة من الجمهور غير مقتنعة بالروايات الرسمية باعتبار أن بعض المنابر الإعلامية التي قامت بالنفي مشكوك في نزاهتها وتقف في صف الحكومة على طول الخط.

وأمام تراجع مصداقية الإعلام واتهامه بالمشاركة في تغييب الوعي عبر التركيز على موضوعات سطحية، باتت خيارات الجمهور محدودة، ولم يعد أمامه سوى منصات التواصل للحصول على المعلومة، أو مشاهدة قنوات خارجية توحي للناس بأنها مهنية مع أن الكثير من رسائلها مسمومة وتتعمد نشر شائعات مثيرة للجدل.

ويرى خبراء في مجال الإعلام أن التعويل على الإعلام التقليدي لتفعيل الوعي الشعبي في ظل جماهيرية شبكات التواصل ليس مهمة سهلة، عندما تقوم بعض المنصات بقيادة الإعلام لينجر إلى موضوعات جدلية.

وإذا كان مجلس تنظيم الإعلام يبحث عن تفعيل الوعي الشعبي، فهو مطالب بتوفير أدوات كسب المعركة من خلال تكريس المصداقية وتوفير المعلومات للوصول إلى قوة التأثير والقدرة على الإقناع، لأن قضية الوعي والتصدي للشائعات يحتاجان أسلحة كثيرة ترفع من شأن الإعلام ليكون مستنيرا وقويا، وليس محاطا بالشكوك.

وخسرت الحكومة كثيرا في علاقتها مع الشارع عندما تساهلت مع تحول مواقع التواصل إلى إعلام بديل، ومع الوقت أصبح البعض يستقون منه معلوماتهم دون القدرة على التفرقة بين الحقيقة والشائعة، وهي معضلة عجزت بعض وسائل الإعلام عن إيجاد حل لها، في ظل القيود المفروضة على الإعلام.

وجزء من تلك المعضلة أن بعض المنابر تتعاطى مع منصات التواصل كأنها مصادر لأخبار تجلب المزيد من المشاهدات، مع أن وسائل الإعلام لو تجاهلت ما يثار على الفضاء العام لما ازدادت الخطورة، مع وجود صفحات على مواقع التواصل اعتادت خرق كل ما له علاقة بالمعايير المهنية لتصل إلى شريحة واسعة من الجمهور.

والشق الآخر من الأزمة، يتعلق بأن الكثير من وسائل الإعلام لها خط تحريري يصعب تجاوزه، حيث لا مجال لنقد المسؤولين وإن أخطؤوا، ما أتاح لمنصات التواصل أن تقوم بدور الصحافة المعارضة، وكل شخص يتعامل مع حسابه باعتباره صحافيا أو صاحب رأي، ما جذب فئة من جمهور الإعلام إلى المنصات بحثا عن الحقيقة.

التعويل على الإعلام التقليدي لتفعيل الوعي الشعبي في ظل جماهيرية شبكات التواصل ليس مهمة سهلة

ويصعب فصل هجرة الناس إلى مواقع التواصل عن رفض تلك الفئة لوجود وجوه إعلامية محسوبة على أنظمة سابقة ضمن الصف الأول للمنظومة، فهي التي دأبت على التصفيق للحكومة دائما، ما جعل السلطة تخسر باعتمادها عليهم كوسطاء بينها وبين الشارع دون تغيير وتصعيد عناصر شبابية مقبولة من أصحاب الكفاءة.

ولدى جميع وسائل الإعلام، من قنوات وصحف ومواقع إخبارية، صفحات على مواقع التواصل، يتابعها الملايين من المواطنين، لكنها لا تزال تتعامل بشكل تقليدي على مستوى طريقة العناوين الروتينية وعدم التطرق إلى مناقشة القضايا المطروحة على الشبكات الاجتماعية، فافتقدت الحد الأدنى من التفاعل معها من جانب الجمهور.

وقال خالد برماوي، خبير الإعلام الرقمي ومنصات التواصل، إن الإعلام قادر على تشكيل الوعي الشعبي إذا أحسن استثمار التعامل مع جمهور الإنترنت، فهناك نحو 55 مليونا مصريا يتصفحون مواقع التواصل، وهؤلاء بحاجة إلى جهد لاستقطاب بعضهم عبر المحتوى الجذاب والمتفرد الذي يتم تقديمه بشكل احترافي.

وأضاف لـ”العرب”، “من الضروري توسيع نطاق الاعتماد على صحافة الهاتف كجزء من الإعلام الجديد، ووضع خطة لتفعيل ذلك داخل المؤسسات الإعلامية لجذب جمهور منصات التواصل، وتظل العبرة في آلية التسويق وطريقة العرض وطبيعة المحتوى الذي يخاطب رواد المنصات بحيث يلامس قضايا لها قيمة عندهم”.

وتواجه بعض الصحف والمواقع الإخبارية في مصر مشكلة لتحقيق ذلك. فهي ترى أنها إذا التزمت بعدم الجري وراء الإثارة لن تمتلك المحتوى المتفرد، أو على الأقل نقد المسؤولين وممارسة الدور الرقابي على أداء الجهات الحكومية، وتجد نفسها واقفة عند نقطة معينة، بالتوازي مع قيام منصات التواصل بفعل كل ذلك في توقيت واحد.

وتظل المواجهة السليمة للحد من الشائعات تحتاج إلى توافر المعلومات، وما لم يحدث ذلك سيعاني الإعلام، كما أن تجاهل الرد على أغلب استفسارات الجمهور يجعل الإعلام عاجزا عن إظهار الحقيقة في ذروة نشاط الشائعة، وينتظر الرواية الرسمية للنفي.

ويستفيد خصوم السلطة، تحديدا جماعة الإخوان، من تلك الآلية العقيمة التي يتعامل بها الإعلام مع الشائعات، لتأليب الرأي العام ضدها، من خلال توظيف الكثير من الحسابات الخاصة والصفحات المتناغمة مع الجماعة الإرهابية على منصات التواصل للنفخ في الشائعات وتحويلها إلى ما يشبه الثوابت أو الحقائق، ولو تم تكذيبها.

ويتفق متابعون على أن ما تشكو منه الحكومة وهيئات الإعلام من انتشار حاد للشائعات، يسهل التصدي له إذا تم تحلل المنابر التقليدية من القيود لتكون أكثر حرية واستقلالا، وحينها لن تحتاج الحكومة إلى من يدافع عنها فقد أعادت إلى الإعلام مكانته كقوة ناعمة قادرة على إحداث الفارق بعيدا عن الاكتفاء بتوصيل الروايات الرسمية.

5