أزمة الوقود تجبر إيران على تقنين إمدادات الكهرباء

تواجه الحكومة الإيرانية صعوبات في الحفاظ على تشغيل شبكة الكهرباء وتأمين الإمدادات جراء نقص الوقود، وهو أمر يعكس بوضوح تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد، وينذر بتفاقم التذمر الشعبي من السياسات المرتبكة لحل الأزمات المزمنة.
طهران - بدأت إيران الاثنين في تنفيذ انقطاعات كهربائية متدحرجة في جميع أنحاء البلاد مع كفاح السلطات جرّاء نقص الغاز الطبيعي والوقود اللازم لتشغيل محطات الإنتاج قبل الشتاء.
وأعلنت السلطات الأحد عن خطّة لترشيد الكهرباء لمدة ساعتين يوميا في العاصمة طهران، التي يسكنها 9.5 مليون نسمة، ولمدة ثماني ساعات في باقي المحافظات، الأمر الذي سيؤثر على حياة الناس في المنازل وقطاع الأعمال في الشركات والمصانع.
ورغم أن الخطط الأولية كانت تهدف إلى الحد من انقطاع الكهرباء في محافظات معينة، فإن إدراج محافظة طهران يسلط الضوء على المشاكل المزمنة.
ويقول المتابعون للشأن الإيراني إنه على الرغم من أن الخطة الجديدة لا تؤثر على العاصمة نفسها فحسب، لكنها ستؤدي إلى انقطاع التيار في المدن والبلدات المحيطة بها.
وتعد الانقطاعات المقررة فترة النهار جزءا من إستراتيجية الحكومة للحفاظ على الوقود والحد من الاعتماد على المازوت، وهو زيت ثقيل ملوث، حيث تكافح محطات الطاقة لتلبية الطلب.
وأوردت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية (إرنا) تفاصيل برنامج تُقطع الكهرباء بموجبه في مناطق مختلفة من العاصمة لمدّة ساعتين بين التاسعة صباحا والخامسة مساء.
وأُعلن عن خطّة مماثلة في محافظات أخرى، أبرزها قم بوسط البلاد وكرمان في جنوب شرق البلاد وجيلان وأردبيل شمال البلاد، بحسب إرنا.
وكشفت الشركة العامة لتوزيع الكهرباء أنها اتّخذت هذا القرار بسبب “محدودية إمدادات الغاز المستخدم كوقود في محطات الكهرباء”، فضلا عن مرسوم الحكومة القاضي “بعدم استخدام المازوت في بعض المحطات الكهربائية”. ولم تحدّد مدّة هذه الخطّة.
وتأتي الخطوة أيضا في أعقاب قرار حظر المازوت الأربعاء الماضي، في ثلاث محطات طاقة هي أراك وأصفهان وكرج، حيث ساهم هذا الوقود البديل للغاز الطبيعي في ارتفاع مستويات تلوث الهواء في البلاد.
وخلال السنوات الأخيرة، عانت مدن إيرانية كثيرة من التلوّث بسبب رداءة المازوت المستخدم في المحطّات بحسب خبراء.
وتمر إيران العضو في منظمة أوبك بأزمة تتعلق بإمدادات الطاقة على الرغم من امتلاكها ثالث أكبر احتياطيات نفطية وثاني أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي في العالم.
وأدت سنوات من نقص الاستثمار في توليد الكهرباء وسوء صيانة البنية التحتية القائمة إلى انقطاعات متكررة للكهرباء خلال الصيف، عندما أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة في استخدام مكيفات الهواء.
ومنذ أن أعاد الرئيس دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى التي بدأت في 2017 العقوبات على إيران تسبّب انقطاع الكهرباء المتكرّر لاسيّما في الصيف باستياء عام بين الإيرانيين.
وتسبّبت العقوبات الغربية المفروضة على طهران منذ سنوات بإضعاف اقتصادها. وكان إيران سابع منتج عالمي للنفط الخام عام 2022 وهي تتمتّع بثالث أكبر احتياطي مثبت للنفط بعد فنزويلا والسعودية، بحسب الوكالة الأميركية للمعلومات بشأن الطاقة.
الانقطاعات المقررة فترة النهار تعد جزءا من إستراتيجية الحكومة للحفاظ على الوقود والحد من الاعتماد على المازوت
وفي دليل على قسوة الحظر قررت السلطات الإيرانية يوليو الماضي، خفض دوامات العمل إلى النصف طوال عدّة أيام في المؤسسات العامة توفيرا للطاقة.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن شينا أنصاري نائب الرئيس الإيراني قولها إنه “من خلال وقف حرق المازوت في ثلاث محطات حرارية، فإن الحكومة ملزمة بتنفيذ عمليات انقطاع التيار الكهربائي المقررة في جميع أنحاء البلاد”.
وأضافت أنصاري التي ترأس إدارة البيئة “هذه خطوة قيمة نحو الحد من المخاطر الصحية المرتبطة بتلوث الهواء”.
ومع انخفاض درجات الحرارة في الشتاء، فإن إمدادات إيران من الغاز غير كافية لتلبية الطلب المتزايد، لذلك تضطر محطات الطاقة إلى الاعتماد على المازوت كمادة خام.
ويقدر الخبراء أن البلاد ستواجه نقصا في الغاز لا يقل عن 260 مليون متر مكعب يوميا هذا الشتاء، في الوقت الذي تجري فيه طهران محادثات لزيادة الواردات من تركمانستان المجاورة.
وتشير بيانات وزارة الطاقة الإيرانية إلى أن إمدادات الغاز للمحطات انخفضت بنسبة 30 في المئة هذا العام مقارنة بمستويات عام 2023، مع انخفاض احتياطيات الديزل إلى أقل من 1.26 مليار لتر.
ويأتي انخفاض مخزونات الوقود السائل بعد انخفاض بنسبة 36 في المئة عن عام 2022، مما يزيد الضغط على شبكة الطاقة المتوترة بالفعل.
واعتبر رئيس مجلس إدارة نقابة الكهرباء حسن علي تقي زاده أن الاستهلاك المحلي مرتفع بشكل غير متناسب، مؤكدا أن الأسر تستهلك حوالي نصف الكهرباء للفرد مقارنة بأوروبا.
وبحسب وسائل إعلام محلية، قال زاده إنه “من الخطأ القول إن الاستهلاك العام مرتفع. يستهلك شعبنا كهرباء أقل بكثير من العالم، لكننا معتادون على تحويل اللوم عليهم”، داعيا إلى حلول هيكلية بدلاً من الاعتماد على الانقطاعات المؤقتة.
ومنذ توليه منصبه في يوليو، ترك الرئيس مسعود بزشكيان الباب مفتوحا للمحادثات مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على أمل تأمين بعض تخفيف العقوبات، بما يتيح للدولة تأمين الإمدادات وصيانة محطات الكهرباء.
وبعد فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية قال بزشكيان “لن يحدث فرقًا” من سيقود الولايات المتحدة، بحجة أن إيران “لن تطبق وجهة نظر محدودة لتطوير العلاقات مع الدول الأخرى”.
وفي ولايته الأولى، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية وأعاد فرض العقوبات كجزء من حملته “للضغط الأقصى” ضد طهران.
وقال أحمد مرادي، عضو لجنة الطاقة في البرلمان، الأحد إن “الشبكة الوطنية تعاني من عجز قدره 20 ألف ميغاواط من الكهرباء”، وألقى باللوم في ذلك على “عدم كفاية قدرة التوليد، والمشاكل في محطات الطاقة وخطوط النقل القديمة”.
وتسعى إيران أيضًا إلى إدارة الطلب المرتفع على البنزين، والذي يُلقى باللوم فيه على السيارات المحلية غير الكفؤة في استهلاك الوقود، وجودة الوقود دون المستوى المطلوب، ووسائل النقل العام غير الكافية، وسط قدرة تكرير محدودة لوقود السيارات.
وتتمتع البلاد بأحد أرخص أسعار البنزين على مستوى العالم، حيث يبلغ سعر اللتر نحو 0.02 دولار. وقد شكك بزشكيان في جدوى الدعم الضخم لهذا الوقود، الأمر الذي أثار تكهنات بارتفاع الأسعار العام المقبل.