كتاب وناشرو معرض الشارقة يوجهون القراء في زمن طفرة السرد والتكنولوجيا

الشارقة- مثّل فعل القراءة محورا هاما ركزت عليه العديد من الجلسات والندوات والكتاب المشاركون في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، إذ يمثل محور عملية صناعة المعرفة وجوهر صناعة الكتاب وأساس قيام أي معرض وفعل ثقافي.
في هذا الإطار قدم عدد من الكتاب والناشرين أمام فئة الشباب من القراء الجدد تجربتهم في أساليب القراءة من أجل اختيار المواضيع التي تلبي شغف القارئ وتحفزه على الاستمرار وذلك خلال المعرض الذي يجمع محبي القراءة من مختلف الأعمار والاهتمامات.
وحث الكتاب القراء على العناية بكتب التراث العربية والتاريخية والموسوعية التي تمنحهم أساسا قويا في اللغة العربية وتعرفهم على أساليبها الراقية، مع التركيز على الروايات والقصص القصيرة التي تجعل من القراءة رحلة ممتعة تساعد القارئ المبتدئ على التعمق في عوالم مختلفة.
وأوضحت الكاتبة والأكاديمية المغربية الدكتورة رشيدة بنمسعود أن الموسوعات القديمة تعتبر فضاء غنيا وواسعا يفتح أبوابه أمام القراء من مختلف الثقافات، مستشهدة بعودتها لقراءة موسوعة “الطبقات الكبرى” لابن سعد للمرة الثانية، نظرا إلى ما تحتويه من كنوز معرفية وتاريخية موجهة نصيحة خاصة للنساء تدعوهن فيها إلى العودة لقراءة سير النساء الرائدات في تراثنا العربي حيث تزخر هذه النماذج بقصص نجاح وإشراق.
وقالت بنمسعود “أرى ضرورة العودة إلى التراث بكافة روافده في مختلف القطاعات المعرفية وبمنظور نقدي فتراثنا ثري ومتعدد الجوانب، كما أشجع الشباب على حفظ وقراءة ديوان العرب من الشعر والاطلاع على أمهات الرواية العربية والعالمية التي تعتبر ديوان العرب الحديث، كما أن قراءة القرآن الكريم وتفسيره يعد مصدرا غنيا لتعزيز معارف الشباب فالقرآن الكريم لا يقتصر على القصص والأحكام بل يحتوي أيضا على لغة رفيعة ومظاهر من البيان والإعجاز”.
وأكد الكاتب والصحفي شاكر نوري أهمية عودة القارئ الجديد إلى الأعمال الكلاسيكية القديمة والمترجمة مثل رواية “الحرب والسلام” وغيرها، وأن يكون التراث العربي جزءا أساسيا من القراءة حيث تسهم قراءة كلاسيكيات الأدب العالمي في تعزيز اللغة العربية لدى الأجيال التي هي بحاجة ماسة إلى استعادة قوة الأسلوب العربي الأصيل.
ويرى نوري أن كثيرا من الكتاب الجدد يفتقدون هذا الأسلوب العربي القوي الذي يمتاز بالعمق والرقي. ونصح بضرورة التمييز عند اختيار التراجم والبحث عن أفضلها، خاصة وأن الإنترنت يتيح اليوم إمكانية الوصول إلى آراء القراء والخبراء حول التراجم المميزة للأعمال الأجنبية داعيا الشباب القراء إلى قراءة الصحف التي تحتوي على مقالات وعناوين متنوعة مما يساعدهم على فهم مختلف القضايا بأسلوب بسيط ومباشر فضلا عن قراءة الروايات والقصص الشبابية.
بدوره أكد رئيس الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال حسن عدنان سالم وجود تطور إيجابي ملحوظ في نظرة الأجيال السابقة لأهمية القراءة، حيث إنهم بعد ابتعادهم عن عالم الكتب لفترات طويلة اكتشفوا ما فاتهم من فوائد وبات الكثير منهم يسعون إلى تعويض ما فات من خلال نصح الأجيال الصاعدة بالتمسك بالقراءة داعيا إلى قراءة الكتب التاريخية المبسطة التي تسرد أحداث التاريخ بأسلوب شائق مشيرا إلى أن كتب الخيال العلمي خيار مهم للقراء الصغار والكبار على حد سواء إذ تساعد على توسيع آفاقهم وتغذية فضولهم المعرفي.
كما استضاف معرض الشارقة الدولي للكتاب كلا من الروائي والباحث الإماراتي الدكتور سلطان العميمي، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والروائية الكويتية ليلى العثمان، والروائي السوداني والطبيب أمير تاج السر، والروائي الباكستاني أسامة صديق، في جلسة حوارية أدارتها الإعلامية علياء المنصوري.
وتناول في الجلسة الروائيين ظاهرة “الانفجار السردي” وتأثيرها على القراء والمشهد الأدبي، حيث بحثوا ما إذا كانت هذه الطفرة في انتشار القصص والروايات ظاهرة عابرة أم خطوة تلبي تطلعات القراء والمؤلفين.
ووصف الدكتور سلطان العميمي “الانفجار السردي” بالظاهرة الطبيعية، مشيرا إلى مقابلة أجريت مع كاتب روسي في خمسينيات القرن الماضي اشتكى خلالها من كثرة الكتابات الروائية في ذلك الوقت.
وأكد العميمي أن الزمن كفيل بانتقاء الأعمال الجيدة، مشددا على أن من حق الجميع التعبير عن أنفسهم، وأوضح أن هذا الانتشار الواسع للروايات سيستمر، رغم ظاهرة الاشتعال والانطفاء السريع لكثير من الكتاب. واعتبر أن هذا الزخم يشجع القراء على الانتقاء والبحث عن أعمال تقدم إضافة إبداعية، مشيرا إلى أهمية أن يكون الروائي قارئا وباحثا ملما بموضوعه ليتمكن من تقديم عمل متقن وجذاب.
وأرجعت الروائية ليلى العثمان الظاهرة إلى الاعتقاد بأن الأعمال الطويلة تمنح الكتاب أهمية أكبر، مبينة أن الرواية لا تستدعي بالضرورة هذا الكم من الصفحات، وأن الاستطراد غير المبرر يضعف متعة القراءة. وأكدت العثمان على أهمية المتعة في السرد، متمنية أن يلتزم الكتاب بالاختصار والتركيز على جوهر الموضوع، مع تجنب التفاصيل الزائدة التي قد تنفر القارئ.
وأوضح الروائي أمير تاج السر أن الانفجار السردي يعكس اهتماما متزايدا من الجمهور بالرواية، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تتسم بجانبين: إيجابي وسلبي. وبين أن التطور التكنولوجي وسرعة الوصول إلى المعلومات عززا من تسارع الكتابة، مما أوجد أعمالا عديدة يصعب أحيانا التمييز بينها من حيث الجودة. لكنه أضاف أن استمرار الكتابة هو ما يدفع القراءة للاستمرار أيضا، وأنه رغم الفوضى، لا تزال هناك مجموعات قرائية تناقش الكتب بمتعة.
وبين الروائي أسامة صديق أن “الانفجار السردي” جزء من تطور الأدب والمعرفة، مشيرا إلى أن الكتابة يجب أن تبقى متاحة للجميع وأن تكون جودة النص هي المعيار الأهم، وليس حجم العمل.
وأكد أنه مع حرية السرد وتنوعه، مشيرا إلى أن هناك روايات طويلة لا تزال تقرأ حتى اليوم، مثل “الحرب والسلام” لتولستوي، مما يبرز أن المعيار هو الأسلوب والإمتاع وليس عدد الصفحات.
من جانب آخر صرحت الكاتبة الإماراتية فاطمة البريكي، أستاذة البلاغة والنقد في جامعة الإمارات، أن أحد أهم التحديات التي تواجه القارئ هي تشتت الانتباه أثناء القراءة من أجهزة الموبايل أو الأجهزة الأخرى المتصلة بشبكة الإنترنت، ولكن التكنولوجيا حلت هذه المشكلة عن طريق الأجهزة المخصصة للقراءة فقط.
وأضافت البريكي، في تصريحات لها إثر زيارتها لفعاليات المعرض، أن الكتاب الورقي له خصوصية في تعلق القارئ به وحضور المادة في ذهنه واسترجاعه لها، مشيرة إلى أن الكتاب يشجعون الأطفال على القراءة بأي وسيلة، وعليهم أن يستخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي لتسهيل هذه العمليات.
وأشارت إلى أنه لا يمكن للكتّاب أن ينفصلوا عن واقع الذكاء الاصطناعي حتى لا يكونوا متأخرين، أو يبذلوا الكثير من الجهد والوقت، ولكن عليهم أن يستغلوا هذه الأدوات التي لم تكن متاحة لغيرهم من الكتاب سابقا.