ناج سوري من الغرق في المانش يروي تفاصيل البحث عن والده

في أول نصف ساعة كان أسامة ووالده متعلّقين أحدهما بالآخر لكن عندما غرق القارب وجدا نفسيهما منفصلين في الظلام.
الأحد 2024/11/10
رحلة مروعة

كاليه (فرنسا) - خلف الأعداد المتزايدة للمهاجرين الذين يقضون أثناء عبور بحر المانش سعيا للوصول إلى بريطانيا، ترتسم قائمة أخرى هي قائمة المفقودين. فقد أمضى السوري الشاب أسامة أسبوعين يبحث عن والده بعدما فقد الاتصال به عند غرق مركبهما.

وقال الناجي البالغ 20 عاما والذي اعتنى به فريق الإنقاذ البحري الفرنسي في أكتوبر خلال أحد حوادث الغرق المميتة بين فرنسا وإنجلترا والتي يزداد عددها منذ العام 2018 "أعيش على أمل كبير أن أعثر عليه، وسأعثر عليه إن شاء الله".

وفرّت عائلة أسامة من سوريا قبل 13 عاما للاستقرار في تركيا، وعبر اثنان من أشقائه إلى إنجلترا. لكن أثناء محاولة اللحاق بهما قبل أسبوعين، غرق القارب على مسافة كيلومترين من الساحل الفرنسي وفُقد والده أحمد الذي كان "محبّا للجميع، لم يكن يسيء لأي شخص (..) كان والدي قدوتي في هذه الحياة".

وروى أسامة من منزل تديره جمعية في كاليه (شمال شرق فرنسا) رحلة البحث عن والده الذي ما زال غير قادر على تصور احتمال موته. وبدا أن حياة أسامة تجمّدت ليلة 22 إلى 23 أكتوبر الماضي، ففي تلك الليلة، حاول أسامة ووالده للمرة الثالثة الوصول إلى إنجلترا، مثلما فعل أكثر من 30 ألف مهاجر منذ يناير.

وبعد تلقي إشارة من المهربين، اندفعت المجموعة التي كانت تضم حوالي ستين شخصا كانوا مختبئين تحت كثبان رملية نحو زورق طافٍ، لكنه بالكاد تحرك مسافة كيلومتر قبل أن تبدأ المياه بدخوله. وحاولت المجموعة العودة، لكن المهربين الذين بقوا على الشاطئ أعادوا دفع المهاجرين إلى البحر، وفق ما روى أسامة، مشيرا إلى أنهم وُعدوا بالحصول على سترات نجاة، لكن عند مغادرتهم قالوا لهم إنها تعرّضت لأضرار.

◙ خلف الأعداد المتزايدة للمهاجرين الذين يقضون أثناء عبور بحر المانش سعيا للوصول إلى بريطانيا ترتسم قائمة أخرى هي قائمة المفقودين

وفي نهاية المطاف، فرغ القارب من الهواء وسقط جميع الركاب في المياه. وفي أول نصف ساعة، كان أسامة ووالده متعلّقين أحدهما بالآخر لكن عندما غرق القارب، وجدا نفسيهما منفصلين في الظلام والذعر. وتابع الشاب أن عبّارتين مرّتا بالقرب منهما قبل وصول المساعدة في النهاية. وعُثر على امرأة ورجلين ميتين، لكن الفرق بين عدد الناجين (45) والعدد الأكبر من الركاب الذي تحدث عنه شهود، أثار مخاوف من أن يكون هناك مفقودون.

ومنذ هذه الحادثة والحوادث المماثلة التي تلتها في قناة المانش، عثر على تسع جثث في البحر أو على شواطئ با دو كاليه. وأُدخل أسامة المستشفى لإصابته بحروق ناجمة عن المياه المالحة والوقود. وعندما استيقظ سأل عن مكان والده، ثم بدأ البحث عنه في أقسام الشرطة والمستشفيات والصليب الأحمر.. لكن جهوده لم تفلح.

وصف الشاب الملابس التي كان يرتديها والده والخاتم المنقوش عليه اسمه والذي كان يضعه، للشرطة التي أخذت عينة من حمضه النووي. وفي كل مرة كان يعثر فيها على جثة، كان يستعد لسماع خبر وفاة والده. في الأثناء، تبقى كل الخطط التي وضعها لحياته معلقة.

وبحسب جان بونيه المؤسسة المشاركة لمؤسسة “لا مارجيل” التي تدير مساكن لإيواء المهاجرين، لا يمكن الوصول بسهولة إلى الخدمات التي يمكن أن تساعد في البحث. وقالت بأسف "لدينا في بعض الأحيان انطباع أننا نحال من خدمة على أخرى"، وكما في حال أسامة، “دائما ما نصبح مسؤولين (الأقارب والجمعيات) عن البحث عن المعلومات”.

وأعربت بونيه كذلك عن استيائها من عدم تقديم حل سكن للشاب الذي أصيب بصدمة نفسية، لدى مغادرته المستشفى. فقد عاد ليعيش في مخيّم قبل أن تعلم الجمعيات بوجوده وتستقبله في "لا مارجيل".

ومنذ الأول من نوفمبر الجاري، ورغم البرد والضباب، وصل حوالي 1200 مهاجر إلى السواحل الإنجليزية على متن "قوارب صغيرة"، بحسب أرقام بريطانية رسمية. ولقي 60 شخصا على الأقل حتفهم في قناة المانش منذ الأول من يناير، دون احتساب أحدث الجثث المكتشفة والمفقودين، ما يجعل 2024 العام الأكثر حصدا للأرواح منذ 2018.

3