زمن ترامب يقلب تصعيد الإيرانيين إلى توجس

التصريحات العنترية والتظاهر بالقوة وتكرار التهديد تركت مكانها لتصريحات تتسم بالقلق والحذر.
السبت 2024/11/09
إيران ترى أفولا أميركيا ولا ترى حدبتها

طهران - حذّر علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، من أي رد “غير مدروس” على الضربات الإسرائيلية، وحث على التصرف بحكمة لعدم الانجرار إلى فخ إسرائيل بنقل الحرب إلى إيران، في مؤشر على تغيير واضح في الخطاب الإيراني من التصعيد الكلامي إلى الحذر والتوجس بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية.

وتراجعت التصريحات العنترية التي يدلي بها قادة النظام، وخاصة التظاهر بالقوة وتكرار التهديد بجر المنطقة إلى المواجهة والفوضى، تاركة مكانها لتصريحات تتسم بالقلق والتوجس من التصعيد.

وارتبط التغيير في الخطاب الإيراني بفوز ترامب بولاية رئاسية جديدة، وهو ما يعبر عن تقييم داخلي في إيران يتوجس من المرحلة القادمة ومن إمكانية ألّا يكتفي ترامب بإستراتيجية الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية كما في ولايته الأولى، وأن يدعم رغبة إسرائيل في توجيه ضربات نوعية إلى الأراضي الإيرانية تستهدف المنشآت النفطية والنووية.

وقال لاريجاني للتلفزيون الرسمي مساء الخميس إن “إسرائيل تريد نقل النزاع إلى إيران. علينا التصرّف بحكمة لتجنّب الوقوع في هذا الفخ وعدم الرد بشكل غير مدروس”. ولأول مرة يشعر الإيرانيون بأن سياسة الحرب بالوكالة قد تسقط ويجدون أنفسهم أمام الحرب المباشرة مع إسرائيل في ظل تحالف اثنين من عتاة خصومهم، أي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يقود حكومة يمينية تدفع بالتصعيد إلى أقصاه.

علي لاريجاني: إسرائيل تريد نقل النزاع إلى إيران. علينا التصرّف بحكمة لتجنّب الوقوع في هذا الفخ
علي لاريجاني: إسرائيل تريد نقل النزاع إلى إيران. علينا التصرّف بحكمة لتجنّب الوقوع في هذا الفخ

وليس مهما بالنسبة إلى إيران ما انتهى إليه وضع الحلفاء مثل حركة حماس وحزب الله بعد الضربات الإسرائيلية القاصمة، وقد تدفع الحركة والحزب وكذلك الحوثيين في اليمن وميليشيات الحشد الشعبي إلى المزيد من التصعيد لمنع الوصول إلى الحرب المباشرة بينها وبين إسرائيل. وضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية مواقع عسكرية في إيران في 26 أكتوبر الماضي ردا على هجوم صاروخي إيراني.

وأعلنت إيران أنها أطلقت 200 صاروخ على إسرائيل في الأول من أكتوبر ردا على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلى جانب قيادي في الحرس الثوري، في غارة إسرائيلية جنوب بيروت، ومقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.

وأضاف الرئيس السابق لمجلس الشورى أن “تحرّكاتنا وردود فعلنا محددة إستراتيجيّا، لذلك علينا تجنّب أي ردود عاطفية أو غير مدروسة وأن نبقى عقلانيين بالكامل”. وأشاد بنصرالله لقبوله بوقف إطلاق النار في حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله بدلا من اتّخاذ “قرار عاطفي”.

ويرى مراقبون أن إيران تلجأ دائما إلى ازدواجية المواقف والتصريحات؛ فحين تريد التهدئة تستعين بشخصيات أخرى يتسم خطابها بالعقلانية، مثل لاريجاني، غير التي تظهر باستمرار للمزايدة مثل قادة الحرس الثوري أو مسؤولين في وزارة الخارجية أو المرشد الأعلى نفسه، الذي يسعى لإظهار أن إيران لا تأبه بالتغييرات السياسية التي تحدث خارجها مثل سقوط الديمقراطيين وفوز ترامب.

وقال جون غازفينيان، وهو مؤلف كتاب عن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، “إن إيران تتبنى تقليديا نهج الانتظار والترقب بعد انتخاب رئيس أميركي جديد”. لكنها لم تكن تأمل في فوز ترامب الذي يتبنى إستراتيجية تصعيدية ضدها. وخلال ولايته الأولى عام 2017 سعى ترامب إلى تطبيق إستراتيجية “الضغوط القصوى” من خلال فرض عقوبات على إيران، ما أدى إلى ارتفاع التوتر بين الطرفين إلى مستويات جديدة.

وفي 3 يناير 2020 أمر ترامب بتصفية الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ونائب قائد هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس، وتم ذلك بغارة جوية أميركية قرب العاصمة بغداد. وقال محلل السياسة الخارجية رحمن قهرمانبور إن “ترامب تجاوز بالفعل الخط الأحمر الذي كان موجودا في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة”.

◙ إيران تلجأ دائما إلى ازدواجية المواقف والتصريحات، فحين تريد التهدئة تستعين بشخصيات أخرى يتسم خطابها بالعقلانية على غرار علي لاريجاني

وأضاف أنه بالنظر إلى التوترات الحالية في المنطقة وتاريخه في السياسة الخارجية، فإنه يشكل “خطرا أكبر” على مصالح إيران مقارنة بالديمقراطيين. ورأت إيران الخميس أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية يشكّل للولايات المتحدة فرصة “لمراجعة التوجهات السابقة غير الصائبة”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في تصريحات نقلتها “إرنا”، “لدينا تجارب مريرة جدا مع سياسات الإدارات الأميركية المختلفة وتوجهاتها السابقة”. ففي عام 2018 انسحب ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى وأعاد فرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية.

والثلاثاء قال ترامب للصحافيين إنه “لا يتطلع إلى إلحاق الأذى بإيران”. وأضاف بعد أن أدلى بصوته في الانتخابات الرئاسية “شروطي سهلة جدا. لا يمكن لهم أن يمتلكوا سلاحا نوويا. أود أن يكونوا دولة ناجحة جدا”. وقال غازفينيان إن “إنهاء عزلة إيران لن يكون ببساطة على جدول أعمال ترامب”. ورجح الخبير السياسي فؤاد إزادي بقاء إنهاء الحرب في غزة ولبنان بعيدا عن أولويات الولايات المتحدة. وقال “لا أعتقد أنهم (الأميركيين) مهتمون بوقف إطلاق النار في أي وقت قريب”.

وكانت إيران تدفع باتجاه وقف إطلاق النار في غزة ولبنان؛ إذ قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأحد إن أي اتفاق محتمل “قد يؤثر على شدة رد طهران على الضربات الإسرائيلية”. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني قبل فوز ترامب “السياسات العامة للولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية ثابتة”.

والخميس تنوعت عناوين الصحف الإيرانية، فوصفت صحيفة “كيهان” المحافظة الولايات المتحدة بأنها “الشيطان الأكبر، بغض النظر عن هوية الرئيس”. لكن الإصلاحي هام ميهان انتقد في افتتاحية له أولئك الذين يقولون إن الانتخابات الأميركية لا تحدث أي فرق. وقال إن الساسة في مختلف أنحاء العالم سوف يضطرون إلى “تحسين فهمهم لسياساته (ترامب)” و”استغلال هذا الوضع لفائدة مصالح بلدانهم الوطنية”. وأضاف أن “إيران لا ينبغي أن تكون استثناء في هذا السياق”.

1