مستقبل اقتصاد الضفة الغربية.. وخطة الإنعاش

اعتماد السلطة الفلسطينية على إسرائيل في شؤون ماليتها وأمنها الاقتصادي اعتمادا مطلقا تبيّن أنه غير مُجد.
السبت 2024/11/09
حال الضفة كحال غزة قبل الحرب

مر أكثر من عام على الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، والتي اعتبرت بمثابة نقطة تحول في تاريخ فلسطين؛ فبخلاف الخسائر البشرية الباهظة التي تجاوزت 722 شهيدا ونحو 6200 جريح و11 ألف حالة اعتقال، تكبدت الضفة الغربية أيضا خسائر اقتصادية كبيرة، وشهدت انهيارًا غير مسبوق، وعانت وضعا اقتصاديا معقدا ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي، وبلغة الأرقام فقد فقدت الضفة نحو 80 في المئة من طاقة الاقتصاد الإنتاجية، وقدرت الخسارة اليومية نتيجة الممارسات الإسرائيلية بما يقارب 20 مليون دولار في الإنتاج فقط.

وعلى صعيد العمالة شهدت معدلات البطالة ارتفاعًا مقلقًا، بلغ نحو 90 في المئة في المناطق المتضررة، بعد فقدان العديد من فرص العمل نتيجة تدمير المنشآت التجارية والصناعية ومنع العديد من العمال من العمل داخل الأراضي المحتلة، ما زاد الضغوط الاقتصادية على الأسر الفلسطينية بعد أن تفاقمت أزمة المعيشة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 170 في المئة بعد نشوب النزاع، وجعل الفئات الأكثر ضعفًا تواجه تحديات متزايدة في تلبية احتياجاتها اليومية.

وتعاني السلطة في الضفة وضعا ماليا حرجا، وهو ما أصبح ضربة موجعة للاقتصاد الفلسطيني، إذ يعكس الوضع في الضفة الآن الوضع الذي كان في غزة قبل الحرب، وهذا يؤكد أن الاقتصاد الفلسطيني هش، وتتفاقم أزماته بسبب الوضع الأمني الحساس وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أمنية خطيرة في الضفة الغربية كما رأينا في غزة.

إذا أردنا أن نرسم مستقبلا أفضل لفلسطين، فيجب أولا أن نبدأ بالاقتصاد؛ وذلك بالشروع في معالجة المشاكل الاقتصادية بعد الحرب

وفي الوقت ذاته خفضت إسرائيل عائدات الضرائب الشهرية، التي تقوم بجمعها لصالح السلطة الفلسطينية ومن ثمَّ تحويلها إلى رام الله بعد خصم رسوم الخدمات الإسرائيلية المقدّمة إلى الفلسطينيين، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، بموجب اتفاقية أوسلو، والتي تعد مصدرا رئيسيا وموردا حيويا للسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة.

كما أدت الحرب إلى تدمير حوالي 80 في المئة من البنية التحتية في غزة، بما في ذلك الطرقات والمستشفيات والمدارس والمنشآت. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) هدمت سلطات الاحتلال نحو 1725 منشأة فلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، إضافة إلى تضرر حوالي 1900 وحدة سكنية منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023 حتى 23 سبتمبر 2024.

وخلال شهر مايو الماضي أصدر البنك الدولي تقريره حول تأثير الصراع الدائر على الاقتصاد الفلسطيني، وقد خلص التقرير إلى أن وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية قد تدهور بشدة في الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما يزيد بشكل كبير من مخاطر انهيارها. وقد نَضبَت تدفقات الإيرادات إلى حد كبير بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إيرادات المقاصة مستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي. وتؤدي الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين حجم الإيرادات والمصروفات لتمويل الحد الأدنى من الإنفاق العام إلى أزمة ضخمة.

وبعد أن رأينا أن الأزمة الأخيرة أشارت إلى أن الاعتماد المطلق من جانب السلطة الفلسطينية على الجانب الإسرائيلي في ما يخص ماليتها وأمنها الاقتصادي غير مُجد، حتى وإن أدى في العقدين الأخيرين إلى استقرار نسبي، لكنه حاليًا قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني تماما.

فإذا أردنا أن نرسم مستقبلا أفضل لفلسطين، فيجب أولا أن نبدأ بالاقتصاد؛ وذلك بالشروع في معالجة المشاكل الاقتصادية بعد الحرب، وكذلك تأمين مصادر تمويل بديلة عن أموال المقاصة لتحسين الوضع المالي، وأيضا العمل على جمع التبرعات من الجاليات الفلسطينية في الخارج، إضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية المتضررة في غزة والضفة الغربية وتوفير التمويل اللازم لإقامة مشروعات إعادة البناء، والاهتمام بالصناعة باعتبارها أحد القطاعات الأساسية في أي اقتصاد، وإزالة أي عائق في طريق تحقيق تقدم ملحوظ وتوفير فرص العمل وتطوير مهارات الشباب، ومن ثم تقوية الاقتصاد حتى يكون صامدا أمام الأزمات المستقبلية. وهو ما من شأنه أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وبالتأكيد كل ذلك سيحسّن مستوى المعيشة وسيصب في صالح المواطن الفلسطيني البسيط.

7