ميناء الفاو الكبير ينقذ رصيد حكومة السوداني في مجال العمل التنموي

تذليل العقبات من أمام استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير ليصبح منطلقا للمشروع الأكبر المتمثّل في طريق التنمية، سيكون كافيا لإنقاذ رصيد الحكومة العراقية في مجال العمل التنموي والتغطية على عدم تمكّنها من الإيفاء بوعودها في هذا المجال، وذلك نظرا للأهمية القصوى للمشروعين اللذين ينطويان بالإضافة إلى فوائدهما الاقتصادية على أبعاد سياسية تتصل بتعديل خارطة النفوذ في العراق وعلاقاته بدول الإقليم.
البصرة (العراق)- تداركت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني جزئيا قلّة رصيدها من العمل التنموي وبذلك بنجاحها في إنهاء تعثّر إنجاز مشروع ميناء الفاو الكبير وتسريع العمل فيه وإدخال جزء منه حيّز الاستغلال الفعلي قبل الموعد المحدّد له.
ووصف السوداني لدى إشرافه على تسلّم خمسة أرصفة من الشركة الكورية الجنوبية المكلفة بإنجاز الميناء الأخير بأنّه يمثّل مشروع العراق الأبرز مشيرا إلى المصاعب والعقبات التي واجهت إنجازه.
ومثل المشروع على مدى سنوات إنجازه مدار صراع شرس بين عدد من الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة بهدف السيطرة عليه والوصول إلى الموازنة الكبيرة المخصصة له.
وحاولت بعض تلك القوى عرقلة عمل الشركة الكورية بهدف انتزاع المشروع من يدها ومنحه إلى شركات صينية أقل خبرة وكفاءة في إنجاز مثل تلك المشاريع وذلك على خلفية منافع مادية وأيضا اعتبارات سياسية تتعلّق بالانحياز للمعسكر الصيني المنافس للولايات المتّحدة والصديق لإيران الحليفة لتلك القوى وغير المرتاحة لما سيفتحه الميناء من آفاق لتعاون العراق مع بلدان إقليمية أخرى منافسة لها على النفوذ وفي مقدمتها تركيا.
ويكتسي الميناء الذي سيكون أحد أكبر موانئ الشرق الأوسط أهمية كبيرة نظرا لمساهمته المنتظرة في تنويع مصادر الدخل للعراق المرتهن إلى حدّ بعيد إلى عوائد النفط، فضلا عما يمثّله من مساهمة تنموية في مناطق جنوب العراق التي تعاني رغم غناها بالنفط نقصا في البنى التحتية وارتفاعا في نسب الفقر والبطالة.
لكن الميناء اكتسب قيمة مضافة كبيرة ذات طبيعة جيوستراتيجية، بأن أصبح منطلقا ومدارا لمشروع طريق التنمية الذي اتّفق العراق على إنجازه مع كل من تركيا والإمارات وقطر ليربط مياه الخليج جنوبا بدءا من ميناء الفاو ووصولا إلى الحدود التركية شمالا بطريق متعددة الاتجاهات وسكة حديد على امتداد مسافة 1200 كلم.
ويعني ذلك عمليا أن يتحوّل العراق إلى جسر يربط منطقة الخليج بأوروبا عبر الأراضي التركية التي سيواصل الطريق امتداده عبرها باتجاه ضفة البحر المتوسّط.
ولن يحسب إطلاق المشروع، من هذه الزاوية، في رصيد حكومة السوداني كإنجاز اقتصادي وتنموي فحسب، بكل سيعتبر بمثابة إضافة نوعية لها في تنويع الشراكة الإقليمية للعراق والفكاك الجزئي من سطوة النفوذ الإيراني الذي تحرسه شخصيات وأحزاب وفصائل مسلّحة شيعية ذات نفوذ كبير داخل الدولة العراقية وتعمل على استدامته من خلال محاولتها إقفال الساحة العراقية أمام منافسين آخرين على النفوذ في مقدمتهم تركيا.
وقال السوداني خلال زيارته لجنوب محافظة البصرة للإشراف على تسلّم الأرصفة الجاهزة للاستغلال إنّ حكومته واجهت تحديات كبيرة في البدء بتنفيذ مشروع طريق التنمية الحيوي، مضيفا أنّ ميناء الفاو الكبير سيحول الوضع الجغرافي التاريخي للعراق.
ويقع الميناء الذي تنفّذه شركة دايو الكورية الجنوبية باتفاقية تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار عند مصب شط العرب حيث يلتقي نهرا الفرات ودجلة قبل أن يصبا في البحر.
وسيتم بناؤه على مساحة 54 كيلومترا مربعا وتبلغ طاقته الاستيعابية 90 مرسى، وقد دخل حاجز الأمواج التابع للميناء البالغ طوله حوالي 14 ألفا و523 كيلومترا، موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأطول حاجز أمواج في العالم.
وتقام منطقتان صناعيتان ومشاريع سكنية ومناطق للسفر والسياحة حول الميناء، ويجري إنشاؤه على خمس مراحل، على أن تنتهي المرحلة الأولى من مشروع الميناء ويتم تشغيله في نهاية 2025 السنة الأخيرة من المدة القانونية لحكومة السوداني الذي يريد من جعل تسريع وتيرة التنمية في بلاده أساسا لتجديد ولايته على رأس الحكومة خلال الانتخابات المنتظرة خلال السنة المذكورة.
ووصف السوداني الميناء بأنه “مشروع العراق الأبرز، معلنا أنّه مع انتهاء المرحلة الأساسية والمهمة سيتم استكمال المرحلة الأولى العام المقبل وحسب الجداول الزمنية المسبقة.
وبدأ بالفعل رسو السفن التجارية الضخمة على أرصفة الميناء ليدخل هذا المشروع في عُقد ومسارات طرق التجارة والنقل العالمية التي تمر بمنطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى بالنسبة للتجارة العالمية.
وأردف رئيس الوزراء بالقول إنه “عبر هذا الميناء الحلم الذي صار حقيقة يتحول الوضع الجغرافي التاريخي للعراق من دولة بحاجة الى موانئ الآخرين الى دولة بحرية مطلة على الخليج وهو أبرز حوض مائي في تتركز فيه نشاطات الطاقة والتجارة والتواصل والتبادل التجاري بأشكاله كافة”.
وعلق الخبير الاقتصادي العراقي ناصر الكناني من جهته على التقدّم في إنجاز مشروع ميناء الفاو. وقال لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ للميناء أهمية كبيرة على المستوى الاقتصادي والمالي وسيغير الاقتصاد العراقي بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة وسيكون بداية طريق رابط بشكل مباشر ما بين الشرق الآسيوي والغرب الأوربي. وتفسّر تلك العوامل بحسب الكناني الاهتمام الحكومي الكبير بالمشروع والتسريع من إنجازه.
وذكّر السوداني بإن حكومته تمسكت باستكمال مشروع ميناء الفاو الكبير بوصفه بوابة لمشروع العراق الأكبر وهو طريق التنمية، مشيرا الى أن مشروع الطريق يمثل العصب الأساسي في رؤية الحكومة لتعظيم الإيرادات غير النفطية.
ووقّع كل من العراق وتركيا والإمارات وقطر في شهر أبريل الماضي اتفاقية رباعية بشأن مشروع الطريق الذي من المتوقع أن “يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي حيث سيحقق التكامل الاقتصادي والاستدامة بين الشرق والغرب”، وفقا ما ورد في حيثيات توقيع الاتفاقية. وسيعمل المشروع أيضا على زيادة التجارة الدولية، وتسهيل حركة البضائع، وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي.
وتبلغ الميزانية الاستثمارية لمشروع الطريق نحو 17 مليار دولار أمريكي، منها 6.5 مليارات للطريق السريع، و10.5 مليارات لسكة القطار الكهربائي وسيتم إنجازه على 3 مراحل تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050. ومن المتوقع أن يوفر نحو 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد انتهائه.
ولم يخل المشروع بالإضافة إلى أبعاده الاقتصادية الهامّة، من أبعاد سياسية تتعلّق بتعديل السياسة الخارجية للعراق والبدء بإعادة صياغة علاقاته مع عدد من بلدان المنطقة وهي علاقات تميّزت على مدى العقدين الأخيرين بقوة الروابط مع الجارة الشرقية إيران والمقامة على الروابط الطائفية بين الإيرانيين والقوى الحاكمة بشكل رئيسي في العراق من أحزاب شيعية وفصائل مسلّحة.
وأصبح مشروع طريق التنمية بالإضافة إلى ملفات أخرى من بينها ملف المياه والملف الأمني المتعلق بنشاط مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، مدار تواصل بين العراق وتركيا تكاثف بشكل ملحوظ وارتفع مستواه من خلال الزيارات المتبادلة بين الوزراء وكبار المسؤولين في البلدين والتي توّجت في أبريل الماضي بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق.
وغير بعيد عن هذا الإطار، قام رئيس الوزراء العراقي بزيارة إلى تركيا وذلك أياما قليلة قبل افتتاحه العمل في ميناء الفاو. وممثل طريق التنمية الذي ينطلق من الميناء أحد محاور محادثات السوداني مع أردوغان.
وقال الرئيس التركي خلال استقباله السوداني إنّ بلاده والعراق جاران تربطهما علاقات تاريخية وثقافية عميقة الجذور، مؤكّدا أنّ تطوير العلاقات واستغلال فرص التعاون وخاصة فرصة مشروع طريق التنمية، سيوفران فوائد غير محدودة لكلا البلدين.
ولا تخلو جهود التقارب العراقية مع تركيا وباقي بلدان المنطقة من مصاعب قد تخلقها القوى السياسية التي توصف بأنها حارسة للنفوذ الإيراني في العراق، لكن الدوافع الاقتصادية والأمنية تبدو قوية بما يكفي لتكريس ذلك التقارب المفيد حتى تلك القوى ذاتها المعنية بحماية تجربتها في الحكم، والتي واجهت خلال السنوات القليلة الماضية مصاعب اقتصادية واجتماعية فجرت غضب الشارع وكادت تعصف بأركان تلك التجربة.