الصين تستعد لمواجهة ثاني صدمات ترامب التجارية

ثاني أكبر اقتصاد في العالم أكثر ضعفا مقارنة بعام 2016 ويحتاج إلى المزيد من التحفيز.
السبت 2024/11/09
الإنتاج لن يتوقف مهما كانت الأوضاع

يتابع المحللون بأهمية بالغة مدى قدرة الصين على اجتياز مطبات منافستها الأولى عالميا، بعدما وضعت دفاعات اقتصادية استعدادا لمواجهة ثانية مع صدمات الرئيس دونالد ترامب، عبر تعميق العلاقات مع الحلفاء وتعزز الاعتماد الذاتي تكنولوجيا وسط ضوابط التصدير الأميركية.

بكين - رد الزعماء الصينيون المضطربون على التعريفات الجمركية والخطاب الناري لدونالد ترامب خلال فترة ولايته السابقة كرئيس للولايات المتحدة، مما أدى إلى حرب تجارية انجر عنها فتور العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم لتبلغ أدنى مستوياتها في عدة سنوات.

وهذه المرة، تستعد بكين لعودة ترامب من خلال تعميق العلاقات مع الحلفاء، وتعزيز الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، وتخصيص الأموال لدعم الاقتصاد الذي أصبح الآن أكثر عرضة للتعريفات الجمركية الجديدة التي هدد بها بالفعل.

وفي حين أن بعض الانتقام من هذه التحركات قد يكون لا مفر منه، فإن الصين ستركز على استغلال الخلافات بين واشنطن وحلفائها، كما يقول الخبراء، وتهدف إلى خفض التوتر للمساعدة في التوصل إلى اتفاق مبكر لتخفيف الضربة الناجمة عن الاحتكاك التجاري.

وقال تشاو مينغهاو، خبير العلاقات الدولية في جامعة فودان في شنغهاي، لرويترز إن “الصين ربما لن تكرر نفس النهج الذي اتبعته في رئاسة ترامب الأولى عندما ردت بكين بقوة على تحركاته بشأن التعريفات الجمركية”.

تشاو مينغهاو: بكين سترد بشكل مدروس وتبذل جهدا للتواصل مع إدارته
تشاو مينغهاو: بكين سترد بشكل مدروس وتبذل جهدا للتواصل مع إدارته

وأشار إلى رسالة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى ترامب الخميس، والتي دعا فيها إلى “التعاون” وليس “المواجهة”، مؤكدا على العلاقات “المستقرة والسليمة والمستدامة” بين القوتين العظميين.

وأوضح مينغهاو أن “ترامب ليس غريبا على بكين في هذا الوقت، إذ سترد بكين بطريقة مدروسة وتبذل الجهود للتواصل مع إدارته”.

وبينما باتت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة أقل اعتمادا على الواردات الأميركية، فإن الاقتصاد الذي تضرر من أزمة عقارية هائلة والمثقل بالديون في وضع أضعف مما كان عليه في 2016، ويكافح لتحقيق نمو قدره 5 في المئة مقارنة بنحو 6.7 في المئة آنذاك.

ولجعل الأمور أسوأ، تعهد ترامب بإنهاء وضع الصين كالدولة الأكثر تفضيلا في التجارة وفرض رسوم جمركية على وارداتها تتجاوز 60 في المئة أعلى بكثير من تلك التي فرضت خلال ولايته الأولى.

ويعتقد مينغهاو أن بكين قد حسمت هذا السيناريو لكنها تتوقع أن تكون الرسوم الجمركية أقل من المستوى الذي تعهدت به في الحملة الانتخابية لأن “هذا من شأنه أن يدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع بشكل كبير”.

ومع ذلك، فإن هذا التهديد وحده أزعج المنتجين في أكبر دولة مصدرة في العالم لأن الصين تبيع سلعا بقيمة تزيد عن 400 مليار دولار سنويا للولايات المتحدة ومئات المليارات الأخرى في أجزاء للمنتجات التي يشتريها الأميركيون في أماكن أخرى.

وقال لي مينجيانغ، الباحث في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إن “الاقتصاد الصيني قد يحتاج نتيجة لذلك إلى تحفيز أكبر من 1.4 تريليون دولار”.

لي مينجيانغ: اقتصاد الصين يحتاج إلى تحفيز يتجاوز 1.4 تريليون دولار
لي مينجيانغ: اقتصاد الصين يحتاج إلى تحفيز يتجاوز 1.4 تريليون دولار

وأضاف “ستكون ضربة قوية للغاية للتجارة الدولية للصين، وستؤثر على الوظائف وإيرادات الحكومة. وربما يتعين على الصين التوصل إلى حزمة تحفيز أكبر بكثير محليا”.

وأعلنت بكين الجمعة أنها سترفع سقف ديون الحكومات المحلية بمقدار 841 مليار دولار، في ما يعد إجراءً حاسما لدعم الاقتصاد تحسبا من حرب تجارية جديدة محتملة مع ترامب.

ولتعزيز التجارة العالمية، شنت الصين حملة دبلوماسية، وعززت التحالفات، وأصلحت الخلافات مع الأعداء، واستمرت في المحادثات الصعبة مع الاتحاد الأوروبي، حتى بعد أن فرض الاتحاد تعريفات جمركية صارمة على مركباتها الكهربائية.

وفي الشهر الماضي، أنهت مواجهة عسكرية استمرت أربع سنوات مع الهند على حدودهما المتنازع عليها، وفي أغسطس، حلت خلافًا دام عامين مع اليابان بشأن تصريف المياه المشعة من محطة فوكوشيما النووية.

وكان رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ قد زار أستراليا في يونيو الماضي، وهي أول رحلة من هذا النوع منذ سبع سنوات.

وفي الشهر الماضي أيضا، حضر كل من شي ولي قمتين منفصلتين لمجموعة البريكس التي تمثل الآن 35 في المئة من الاقتصاد العالمي ومنظمة شنغهاي للتعاون المكونة من 10 دول، حيث تعمل الصين على تعميق العلاقات مع الجنوب العالمي.

وقال إريك أولاندر، رئيس تحرير مشروع الصين والجنوب العالمي، “لم تُظهر إدارة ترامب السابقة الكثير من الاهتمام بالمشاركة القوية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، ما وفر للصينيين الحرية للعمل في هذه الأسواق دون منافسة إلى حد كبير”.

نازاك نيكختار: ترامب سيكون أكثر عدوانية بشأن الصادرات تجاه الصين
نازاك نيكختار: ترامب سيكون أكثر عدوانية بشأن الصادرات تجاه الصين

وفي أوروبا، يمكن موازنة التوترات التجارية مع الصين بالمخاوف بشأن الدور المحتمل لترامب في حرب أوكرانيا وسياساته الاقتصادية، مما يوفر فرصة لبكين، كما يقول بعض الخبراء.

وقال جان بيير كابيستان، الخبير بجامعة بابتيست في هونغ كونغ، “ستستمر الصين في التواصل مع الأوروبيين والبريطانيين والأستراليين وحتى اليابانيين، ليس فقط لمحاولة دق إسفين بين الولايات المتحدة ودول الشمال، ولكن أيضا كجزء من مهمتها لإعادة التوازن إلى تجارتها الخارجية لصالح الجنوب العالمي”.

وخلال الحرب التجارية الأولى، حظر ترامب صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين وفرض عقوبات على شركات بما في ذلك أكبر شركة لصناعة الرقائق أس.أم.آي.سي، مما دفع قطاع التكنولوجيا لديها إلى التركيز على الداخل والاكتفاء الذاتي.

وقال ونستون ما، المدير الإداري السابق لمؤسسة الاستثمار الصينية (سي.آي.سي)، وهو صندوق الثروة السيادي إن “المحفز الرئيسي لهذا التحول كان حظر ترامب على بيع المكونات لشركة الاتصالات الصينية زد.تي.إي في عام 2018”.

وأضاف “كان ذلك مخيفا حقا من منظور الصين، لذلك بدأوا في الاستعداد. كانت بداية هذا النوع من التفكير الدفاعي”.

وبعد فترة وجيزة، حث شي الأمة على تعزيز الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا، ودفع الصين إلى بناء صناعات حاسمة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والفضاء.

والنتيجة أنه قبل ثماني سنوات، كان لدى الصين أربعة مشاريع مشتريات حكومية فقط بقيمة تزيد عن 1.4 مليون دولار، لتحل محل الأجهزة والبرامج الأجنبية ببدائل محلية. وقد تفجر هذا العدد إلى 169 مشروعا من هذا القبيل هذا العام، وفقا للبيانات.

ورغم هذه الخطوات، فإن شركات تصنيع الرقائق، وفق ما، “تشعر بالتأكيد بالتضييق، فهذه الشركات الصينية لا تستطيع التوريد للزبائن العالميين ولا يمكنها الوصول إلى أحدث الرقائق”.

وقالت نازاك نيكختار، وهي مسؤولة بوزارة التجارة في عهد ترامب وتعرف مستشاريه، إنها تتوقع أن يكون الرئيس الأميركي “أكثر عدوانية بشأن سياسات مراقبة الصادرات تجاه الصين”.

وتوقعت “توسعا كبيرا في قائمة الكيانات”، التي تقيد الصادرات إلى أولئك الموجودين عليها لاستقطاب الشركات التابعة والشركاء التجاريين للشركات المدرجة.

وقال ما إن “القيود سيكون لها تأثير لبعض الوقت مع توسيع الولايات المتحدة لنظام العقوبات على الموردين في الخارج”. وأضاف “أعتقد أن النتيجة النهائية هي أن السنوات القادمة هي الأكثر أهمية لهذا التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين”.

10