تحذيرات للرئاسي الليبي من تصفية حساباته مع البرلمان عبر الاستفتاء

الاتحاد الوطني للأحزاب يؤكد أن حل مجلسي النواب والأعلى للدولة لن ينهي الأزمة بل سيفاقم الانقسام السياسي، داعيا إلى حوار وطني شامل للتوافق على القضايا الخلافية.
الخميس 2024/11/07
الاستفتاء في ليبيا: أرواق ضغط أم لحلحلة الأزمة

طرابلس – يستعد المجلس الرئاسي الليبي بدعم من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة للدفع ببعض قضايا الاستحقاق للواجهة، في إطار المناورات والالتفافات التي يجريها للحفاظ على مواقعهما والضغط على خصومهما بأوراق جديدة، في وقت لا يزال الجمود السياسي يسيطر على مشهد الأوضاع في البلاد.

ومن بين الاستحقاقات، الانتخابات والمصالحة الوطنية، اللتان يسعى المجلس الرئاسي للدفع بهما للواجهة من خلال مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني، التي أنشأها في أغسطس الماضي، حيث يستعد المجلس الرئاسي لتفعيل المفوضية بطرح استحقاق الانتخابات والمصالحة للاستفتاء عليه من الشعب، وسط محاولات لحشد دعم خارجي، خاصة من جانب الأمم المتحدة، لهذه الخطوة.

وتثير العودة إلى الاستفتاء جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية في ليبيا، حول ما قد يتسبب فيه من تعميق لحالة الانقسام.

وأكد الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية أن الاستفتاء الشعبي يمثل أداة ديمقراطية مهمة لتمكين الشعب الليبي من المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبله، لكنه حذر من استغلال الاستفتاءات من أجل تصفية حسابات شخصية، مشيرا إلى أن حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لن ينهي الأزمة الليبية.

وقال الاتحاد، في بيان مساء الأربعاء، إن الاستفتاء الشعبي يمثل "أداة ديمقراطية مهمة لتمكين الشعب الليبي من المشاركة الفاعلة في صناعة مستقبله"، في ظل التحديات الجسام التي تواجه ليبيا، والسعي الدؤوب لبناء دولة مدنية ديمقراطية، مؤكدا أهمية الاستفتاء كوسيلة سلمية وحاسمة لحل الخلافات وتوحيد الآراء حول القضايا المصيرية.

وأضاف أن الشعب الليبي له الحق "في إجراء استفتاءات حول القضايا المصيرية التي تمس مستقبله، مثل شكل الدولة ونظامها السياسي والإداري وهوية اقتصادها، وكذلك ميثاق وطني جامع يضمن التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب".

لكن الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية حذر من استغلال الاستفتاءات "لأغراض سياسية ضيقة أو لتصفية حسابات شخصية"، وشدد على أن الاستفتاء يجب أن يكون وسيلة لتوحيد الصفوف وليس تعميق الانقسامات، ويكون هدفه الأساسي تحقيق المصلحة الوطنية العليا، مشددا على ضرورة وجود بيئة سياسية مستقرة وآمنة لإجراء استفتاءات ناجحة تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية، ودعا إلى حوار وطني شامل لتحديد القضايا التي ستطرح للاستفتاء وآليات إجرائه.

وأعرب عن رؤيته "وجاهة وصوابية" في الاتجاه نحو حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، "بسبب الأداء الباهت والضعيف" للمؤسستين و"عدم إدراكهما خطورة المرحلة وإضاعتهما للفرص المتتالية للخروج من الأزمة الحانقة التي تعيشها بلادنا".

واستدرك قائلا إن هذا "لن يكون الحل الأمثل للخروج من الأزمة الليبية"، فقد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات السياسية وتأخير عملية البناء الوطني، منوها بأهمية الحوار الجاد والمسؤول والتفاوض بين الأطراف الليبية للتوصل إلى حلول توافقية تحفظ مصالح الوطن والمواطن.

ودعا الاتحاد مجلس النواب إلى تحمل مسؤولياته والعمل على إصدار قانون استفتاء شامل يضمن مشاركة جميع الليبيين في تحديد خياراتهم الوطنية حول القضايا محل الخلاف بين أطراف الصراع ليكون الحكم وقوله الفصل فيما تختلف فيه هذه الأطراف للذهاب نحو الانتخابات التي يتطلع إليها شعبنا بفارغ الصبر.

وأشار الاتحاد إلى أن الحوار الوطني الجامع وإتاحة الفرصة أمام الليبيين لإبداء رأيهم في ما يعرض عليهم، هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة المعقدة، وهو المدخل الطبيعي لبناء دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة المتساوية، حوار وطني شامل يفضي إلى التوافق على القضايا الخلافية كافة.

وعبر عن ثقته في "قدرة الشعب الليبي على تجاوز هذه المرحلة الصعبة وبناء مستقبل زاهر لوطنه"، مؤكدا ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية قولا وفعلا، والتكاثف لمواجهة التحديات التي تواجه ليبيا، وندعو جميع الليبيين إلى التمسك بالخيارات السلمية والحوار البنّاء، والعمل معًا لبناء دولة مدنية ديمقراطية قوية وعادلة.

وبعد أن أصدر المجلس الرئاسي في 11 من أغسطس الماضي قراراً بإنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، بمهام وصلاحيات تمكنها وتخولها طرح العديد من القضايا الأساسية والكبرى في الشأن السياسي على الشعب للاستفتاء عليها، أصدر قراراً آخر بتشكيل رئاستها وعضوياتها. وفي مطلع أكتوبر الجاري، أعلن المجلس الرئاسي عن اتفاق رئيسه محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، "على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني لضمان الحوكمة والرشد وضمان تفاعل الشعب مع القرارات السياسية والاقتصادية".

وخلال لقاء مع رؤساء المجالس المحلية للشباب بالبلديات، جدد الدبيبة دعوته إلى العمل على إعداد مشروع دستور يتمتع بتوافق الجميع ويطرح للاستفتاء ليقرر الشعب بالموافقة عليه أو رفضه، متابعا "لكننا لم نعد الدستور وهذا من أسباب تعطل الانتخابات"

وقال إن حكومته تفكر في إجراء "استفتاء عام ليعبر الناس عما يريدوه، أنا بالنسبة لي كمواطن أريد دستورا وانتخابات، وأعتقد أنني لا أختلف مع أحد بشأن هاتين النقطتين، ولكن كيف نصل إلى تلك المرحلة التي تحتاج إلى تمهيد، وهذا أمر طبيعي، وأنا سأحترم النتائج سواء كانت معي أو ضدي".

وقبل ذلك، وفي لقاء آخر مع عمداء بلديات من المنطقتين الشرقية والجنوبية، أعرب الدبيبة عن تمسكه بضرورة إنجاز الدستور والاستفتاء عليه للوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

لكن قرار إنشاء المفوضية عارضه البرلمان بقوة منذ صدوره، إذ عارضها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، معتبراً أنها خطوة لسحب صلاحيات المفوضية العليا للانتخابات، كما أن عدداً من أعضاء مجلس النواب اعتبروا خطوة إنشاء المفوضية وسيلة للالتفاف لتحقيق المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس لمصالحهما، خاصة بعد فشل المجلس الرئاسي في أن يكون طرفاً أساسياً في اختيار محافظ المصرف المركزي وأعضاء إدارته، بعد أن كان سبباً في تفجير قضية المصرف منتصف أغسطس الماضي.

ويرى مراقبون يرى أن المجلس الرئاسي يسعى إلى أن يشغل مكان المجلس الأعلى للدولة، وأن آلية مفوضية الاستفتاء هي من وسائل التمكين لنفسه في هذا الموقع باعتباره طرفا أساسيا أمام مجلس النواب، مشيرين إلى أن الإنصاف والنزاهة يقتضيان بأن تطرح المفوضية وضع جميع الأجسام السياسية الحالية، بما فيها المجلس الرئاسي نفسه، أمام الشعب للاستفتاء عليها، وهو ما لا يفكر فيه المجلس الرئاسي، وبالتالي فالمفوضية وسيلة للتموضع في خريطة الصراع التي بقي المجلس الرئاسي بعيدا عنها لسنوات.

ويعتبر مراقبون أن ملف الانتخابات والمصالحة الوطنية هي استحقاقات يستثمرها الجميع لمصالحه، لكنهم في ذات الوقت لا يريدون إجراءها، بعد أن رفضوا كل مبادرات الحوار، وشاركوا في عرقلة كل مسارات التقارب، وورقة البقاء بالنسبة إليهم تتمثل فحسب في التأزيم، وفي هذا السياق يأتي إنشاء المفوضية لتصدير ملفات الاستحقاق كأوراق جديدة لمحاصرة مجلس النواب وتحجيمه، بعد أن نجحت أطراف في تحجيم المجلس الأعلى للدولة المنقسم على ذاته منذ أشهر بين رئاستين.