فوضى شركة الخطوط التونسية على طاولة مجلس الأمن القومي

حالة الفوضى التي سيطرت على رحلات شركة الخطوط التونسية أثارت استياء الرئيس التونسي قيس سعيد الذي وصفها بـ"الجريمة"، مرجعا سببها إلى استشراء الفساد والمحسوبية في الشركة.
تونس - بلغ الخلل والفوضى في شركة الخطوط التونسية “تونسيار” مستويات غير مسبوقة، وسط استياء من قبل المسافرين التونسيين والأجانب، وغضب شعبي لا يتناسب مع اعتذار إدارة المؤسسة عما اعتبرته “إزعاجا” خلال الأيام الماضية، فيما قال الرئيس قيس سعيد إنه “أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة”.
وأشرف الرئيس التونسي على اجتماع مجلس الأمن القومي مساء الاثنين الذي ناقش فيه قضايا الفساد ومن بينها ما حصل مؤخرا في الخطوط الجوية التونسية، معتبرا أنه “أمر يرتقي إلى مستوى الجريمة يتحمّل مسؤوليتها ليس فقط من قاموا بالتنفيذ ولكن أيضا من خططوا لها ولغيرها في عدد من المرافق العمومية”. وأكّد قيس سعيد في بداية الاجتماع أن “الواجب الوطني المقدّس يقتضي مواصلة الحرب على الفساد وليس أمامنا سوى الانتصار”.
وتعتبر أزمة شركة الطيران التونسية من بين أكثر القضايا التي تشغل بال التونسيين داخل البلاد وخارجها، إلى درجة أن البعض يؤكد أنها أساءت إلى صورة البلاد حيث باتت الشركة مشهورة في مطارات العالم بالفوضى والتأخير، بسبب الفساد والمحسوبيات داخلها.
وعبر مسافرون تونسيون وعرب عن استيائهم من التعطيلات غير المبررة التي حدثت في الرحلات وقالوا إن الارتباك كان واضحا؛ فرغم وجود طائرات في المواقف البعيدة في المطار والمعدة للسفر، إلا أن وضع رحلتين إلى مدينتين أوروبيتين على بوابة واحدة عطل الرحلتين معا.
وقال مسافر عربي على الرحلة الصباحية إلى لندن “وضعوا رحلة مدينة نيس الفرنسية مع رحلتنا، وكانوا يعرفون مقدما أن هذا سيؤدي إلى التأخير. انتهى الأمر بعدم استخدام خرطوم الوصل بالطائرة ونُقل المسافرون بالحافلات إلى الطائرة البعيدة، في حين يمكن استخدام بوابة عادية والحافلات دون حاجة إلى تأخير استمر ساعتين”. وأضاف “ما يزيد الأسف أن الشركة اقتنت طائرات جديدة من طراز أيرباص أي 320 نيو، لكن بدأت علامات عدم الاهتمام وتراجع النظافة”.
وقال رجل أعمال عراقي يستخدم الخطوط التونسية على مدى عقدين من الزمن “أسافر على درجة الأعمال. لكن ما يقدم من خدمة يعد متواضعا. فبدلا من مناديل القماش أو المناديل الورقية ذات النوعية الجيدة، تقدم مناديل بسيطة وملاعق وشوكات وسكاكين من البلاستيك الرديء لا تراه في أية خطوط عالمية. ومن الصعب وصف المستوى المتذبذب في نوعية الوجبات المقدمة أو خدمة الضيافة”.
وتابع “تصادف يوم سفري مؤخرا مع ذكرى تأسيس الخطوط التونسية. وتوقعنا تميزا في الخدمة أو نوعية الأكل. بعض الأطباق المقدمة ملفوفة ببلاستيك بطريقة تذكر بطريقة لف الأمهات لساندويتشات الأطفال الذاهبين إلى المدارس ولا علاقة لها بخدمة سفر رجال الأعمال المعتمدة الآن عالميا”.
وتضاف هذه الشكاوى إلى جملة من المشكلات التي تعاني منها الشركة منذ سنوات، غير أن اعتذار “تونسيار” الثلاثاء بدا متواضعا وهزيلا أمامها، حيث قدمت اعتذاراتها “عمّا لحق بالمسافرين وبالمتعاملين معها من إزعاج إثر الاضطرابات التي شهدتها رحلاتها خلال أيام 1 و2 و3 و4 نوفمبر 2024 بسبب مشاكل تقنية مُفاجئة لعددٍ من طائراتها”.
◙ أزمة "تونسيار" انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في مواعيد الرحلات وإلغائها مرورا بالصيانة
وأكّدت الشركة في بيان لها على أنّها “تبذل كلّ جهودها لتجاوز هذه الوضعية وإعادة الحركة إلى سالف نشاطها”. وأشارت إلى أنّها “قامت باستئجار ثلاث طائرات لتعزيز أسطولها الحالي على أن يتم خلال الساعات القادمة استكمال إجراءات استئجار الطائرة الرابعة”، مضيفة أنّ ذلك سيمكّن من تأمين نقل مسافريها إلى وجهاتهم. وتابعت الناقلة الوطنية أنّها “حرصت منذ بداية الأزمة على استئجار طائرات لتعويض النقص الحاصل في أسطولها إلاّ أنّ عدم توفّر عروض آنية، بالإضافة إلى تعقد الإجراءات، حال دون تدارك الإشكال القائم منذ بدايته”.
وتعاني الشركة من ضعف الإمكانيات المالية مقابل ارتفاع كلفة شراء الطائرات أو صيانتها في وقت تسعى فيه الحكومة لإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، وحوكمة التصرف في عائداتها. وانعكست الأزمة بشكل مباشر على جودة الخدمات بدءا من التأخير المستمر في مواعيد الرحلات وإلغائها مرورا بالصيانة ووصولا إلى مسألة التموين بينما تصاعد الحديث عن إمكانية بيع الشركة للقطاع الخاص.
لكن السلطات التونسية ترفض رفضا قاطعا أية دعوة للتفريط في شركة الخطوط الجوية، ونفت وزارة النقل التونسي في وقت سابق نية بيع الناقلة الجوية الوطنية أو جزء من أسهمها سواء لشركات أو لمؤسسات خاصة في الداخل أو الخارج.
ويعدّ برنامج إصلاح الشركة من أبرز الملفات التي تعمل الحكومة على متابعتها واستكمالها بتعليمات من الرئيس سعيد الذي أكد خلال زيارة غير معلنة إلى مطار تونس قرطاج الدولي في أبريل الماضي على ضرورة أن يعود إلى الخطوط الجوية التونسية بريقها، وضرورة تطهيرها خاصة أن عمليات التدقيق أثبتت أن ما يناهز 130 موظفا وإطارا تم انتدابهم بشهادات مزورة، فضلا عن المحاباة والانتدابات بالولاء دون اعتماد الكفاءة والشهادات العلمية.
كما أكد في تصريحات أخرى أنه سيتم “تطهير الخطوط الجوية التونسية من الذين لا همّ لهم سوى التفريط في مكتسبات البلاد والانصياع لتعليمات يتلقّونها من الخارج ومن ارتمى في أحضانهم في الداخل”. وأضاف أن ضرب الخطوط الجوية لا يقتصر على الفساد الذي استشرى داخلها والانتدابات غير القانونية التي عرفتها خاصة منذ سنة 2011 بل يهدف إلى التفويت فيها. وشدد على أنه “لن يكون هناك أي تفويت لا في الأرض ولا في السماء للخطوط الجوية التونسية وسيتم العمل على أن تحلق هذه المؤسسة عاليا”.
وكان قد تم إعداد برنامج إصلاح هيكلي للخطوط التونسية للتأكيد على عدم التفويت في المؤسسة وكان يتضمن تسريح 1200 عامل بشكل طوعي سعيا لخفض الأجور. ويشمل البرنامج الإصلاحي أيضا تجديد أسطول الشركة وتحسين الخدمات. وبحسب بيانات الشركة، يبلغ عدد الموظفين فيها 3107 موظفين إلى حدود 31 ديسمبر 2023 مقابل 3193 خلال نفس الفترة من سنة 2022.
وتسلمت الشركة أواخر أغسطس 2023 الطائرة الأخيرة من طراز أيرباص أي 320 نيو، والتي تستوعب 150 مسافرا باستثناء الطاقم، ضمن برنامج لتطوير الأسطول من خلال خدمة التأجير، والذي يتضمن عقدا للحصول على 5 طائرات. ويرى خبراء أن هناك حلولا بعيدة المدى تتلخص في تقليص عدد العمال والترفيع في رأس المال وتحسين الاستغلال وتعزيز الأسطول وتحسين خدمات وأشغال توسعة مطار تونس قرطاج الدولي.