صناديق الثروة مطالبة بدور أكبر في توليد النمو الخليجي

تؤكد أحدث التقييمات الدولية أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الخليج العربي له تأثير أكبر على توليد النمو غير النفطي مقارنة باستثمارات صناديق الثروة، ما يعني أن حكومات المنطقة عليها مجاراة هذا الواقع بضخ المزيد من أموالها السيادية في التنمية.
الرياض – خلصت دراسة قيد الإعداد من قبل صندوق النقد الدولي إلى أن الاستثمارات الأجنبية في دول الخليج لها تأثير أكبر على نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مقارنة بالاستثمارات المحلية لصناديقها السيادية.
وركزت الدراسة التي لم تُنشر بعد على استثمارات الأسهم الخاصة وعمليات الاندماج والاستحواذ العائدة لهذه الصناديق، مع استثناء القطاع المالي من المعادلة.
وتهدف إلى تقديم نموذج يمكن من خلاله تقدير حجم رأس المال المطلوب استثماره للوصول إلى مستوى معين من النمو في القطاعات غير النفطية، والناتج المحلي الإجمالي.
وقال وينينغ تشين وييفغينيا كوروناكا اللذان أعدا الدراسة لبلومبيرغ الشرق إن “زيادة الاستثمار الأجنبي بواحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تؤدي إلى زيادة بنسبة أعلى من واحد في المئة في نمو الناتج غير النفطي على مدى خمس سنوات”.
وتنظر دول الخليج باهتمام إلى الاستثمارات الخارجية كونها لا تجلب رأس المال فحسب، بل توفر أيضا المعرفة القيّمة والوصول إلى الأسواق وفرص التكامل العالمي.
في المقابل تحقق استثمارات الصناديق السيادية المحلية تأثيرا أصغر بشكل ملحوظ، حيث تولد زيادتها بالنسبة ذاتها نموا بنسبة 0.4 في المئة للفترة ذاتها، ما يعني أنها أقل فعالية بمرتين ونصف في توليد النمو من الاستثمارات الأجنبية.
وأظهرت بيانات نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في يونيو الماضي أن الخليج جذب في السنوات الثلاث الماضية رؤوس أموال أجنبية مباشرة بمقدار 169.8 مليار دولار.
وهذا الرقم أقل مما ضخته دول المنطقة كاستثمارات في الخارج خلال الفترة ذاتها والذي بلغ 185.5 مليار دولار، حيث جزء كبير منه كان من صناديقها السيادية وخاصة الإمارات والسعودية.
وتسلط تقارير دولية الضوء على الأهمية الإستراتيجية للاستثمار المباشر في تشكيل المشهد الاقتصادي لدول الخليج، التي تعمل على تنويع مصادر إيراداتها لتكون محركا للنمو إلى جانب الوقود الأحفوري.
وتتنوع الاستثمارات بين مجالات العقارات والطاقة البديلة والتكنولوجيا وصناعة الطيران والسيارات، وأيضا الأموال التي تتدفق على أسواق المال عبر طرح الشركات في البورصات.
وكان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، لمّح إلى هذه الدراسة في مقابلة صحفية على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن منتصف أكتوبر الماضي.
وأشار إلى أن العائد على الاستثمار منخفض في الخليج خلال العقدين الماضيين، مشجعا دول المنطقة على الاستثمار أكثر برأس المال البشري، وتعزيز العائد على الاستثمار المالي.
ويرى تيم كالن، الباحث الزائر في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، صعوبة في تحليل هذه النتائج نظرا إلى أن الدراسة لم تنشر بعد، لكنه يقدّر أن النتيجة التي خلصت إليها قد تكون ناجمة عن عاملين أساسيين.
وقال كالن، الذي شغل سابقا منصب المدير المساعد بقسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، لبلومبيرغ الشرق إن “السبب الأول يتمثل في أن الاستثمارات المحلية غالبا ما تركز على مشاريع البناء أكثر من الاستثمارات الأجنبية”. أما العامل الثاني فيتعلق بكون الاستثمارات قد تكون أقل تعزيزا للنمو نظرا إلى أن القطاع العام هو مصدر غالبية رؤوس الأموال.
ويعتقد صندوق النقد أن التأثير الأصغر لاستثمارات صناديق الثروة قد ينبع من تركيزها على مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق، بينما تكون هذه الاستثمارات غالبا أقل كثافة في المعرفة والتكنولوجيا.
وعادة ما تكون لمشاريع البنية الأساسية الكبيرة جداول زمنية أطول من خمس سنوات، وتأثيرات نمو فورية أقل. ويشير كل من تشين وكوروناكا إلى أن نتائج الدراسة تبين الحاجة إلى “تحسين إدارة الاستثمار العام وتحديد الأولويات”.
وشددا على أن من خلال “تعزيز بيئة أكثر ملاءمة لمشاركة القطاع الخاص يمكن أن يكون لاستثمارات الصناديق السيادية تأثير أكبر على النمو غير الهيدروكربوني”.
وتلعب صناديق الثروة في الخليج دورا رئيسا في عملية التحول الاقتصادي، عبر الاستثمار في القطاعات غير النفطية بشكل أساسي، وهي تشهد مؤخرا تركيزا متناميا على أسواقها المحلية.
ويتجلى هذا التوجه بشكل واضح في إستراتيجية صندوق الثروة السعودي، الذي يدير أصولا تناهز تريليون دولار، حيث عدّل خطته الاستثمارية مؤخرا لتركز على القطاعات المحلية.
ويستهدف الصندوق تقليص استثماراته الدولية من 30 في المئة إلى نطاق بين 18 و20 في المئة، بحسب ما أعلنه محافظ الصندوق ياسر الرميان خلال مبادرة مستقبل الاستثمار التي عُقدت في الرياض الأسبوع الماضي.
وبموازاة ذلك، تدرك حكومة السعودية أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة في توليد النمو وتعزيز الاقتصاد، وهي تسعى لأن تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار سنويا بحلول 2030.
واستقبل البلد استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تزيد قليلا عن 9.7 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، ونحو 19 مليار دولار العام الماضي.
ويعتبر أزعور أن مستويات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أسواق الخليج خلال العقد الماضي، “لم تكن بالمستوى المطلوب أو على قدر الطموحات”.
لكنه أشار إلى أن حكومات المنطقة نفذت مجموعة من الإصلاحات التي ساهمت في تحسين بيئة الاستثمار ورفع منسوب النمو من خارج الإطار الحكومي.
وأشار إلى أن ذلك سيساهم في تكبير حجم الاقتصاد ورفع مستوى القدرة على استقطاب رؤوس الأموال الاستثمارية، لاسيما إلى القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والترفيه والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ولاحظت دراسة صندوق النقد أيضا تغيّرا في طبيعة الاستثمارات الواردة إلى المنطقة منذ 2020، إذ توجهت نحو قطاعات الخدمات القابلة للتسويق، التي تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية والخدمات التجارية والضيافة.
وقبل الأزمة الصحية، كانت معظم الاستثمارات تتركز في القطاعات التقليدية، مثل التمويل والعقارات وبعض الصناعات التحويلية والوقود الأحفوري. لكن هذا التحول يعكس التحرك نحو القطاعات الأكثر كثافة في المعرفة، والتي تتمتع بإمكانات نمو عالية، وفقا لمعدي الدراسة.
ولفت الصندوق في تقريره إلى أن هذه القطاعات باتت تستحوذ على 74 في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول الخليج للفترة من 2020 إلى 2023، مقارنة بنحو 33 في المئة فقط خلال السنوات الخمس من 2015 إلى 2019.