الحكومة الأردنية تشرع في معالجة التحديات الاقتصادية بالتوجه إلى زيادة الأجور

وزارة العدل تجري مشاورات للتوصل إلى توافقات بين أرباب العمل والعمال.
الاثنين 2024/11/04
التضخم وارتفاع الأسعار يرهقان الأردنيين

تتجه الحكومة الأردنية برئاسة جعفر حسان ذي الخلفية الاقتصادية الأكاديمية إلى إقرار زيادة الحد الأدنى للأجور، المطلب الذي يصر عليه الأردنيون منذ سنوات وكان أحد التحديات الرئيسية للحكومات السابقة التي لم تستطع إيجاد حلول لها.

عمان - تجري الحكومة الأردنية نقاشات مع الدوائر المعنية لرفع الحد الأدنى للأجور، الذي يعتبر من أبرز الملفات الاقتصادية التي تقلق المواطن الأردني وورثتها الحكومة الحالية بالإضافة إلى ملفات أخرى تشكل تحديات كبيرة. ومنذ تكليف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزيرَ التخطيط الأسبق ومدير مكتبه جعفر حسان ذا الخلفية الاقتصادية والأكاديمية بتشكيل الحكومة في سبتمبر الماضي، تبدو التحديات الاقتصادية أولوية لدى السلطات ولا مجال لتأجيل الحلول.

وذلك بعد أن فشلت حكومة بشر الخصاونة خلال الفترة الطويلة التي امتلكت فيها زمام الأمور منذ أكتوبر 2020 في مواجهة العقبات الاقتصادية المتلاحقة في البلاد، خصوصاً مع تأثير الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة. وعقدت وزارة العمل الأحد أولى اجتماعات اللجنة الثلاثية للحد الأدنى للأجور، بحثا عن توافقات بين أرباب العمل والعمال لرفع الحد الأدنى للأجور وتحقيق التوازن والحفاظ على الحقوق العمالية.

وقال وزير العمل خالد البكار في تصريح سابق إن الوزارة ملتزمة بقرار رفع الحد الأدنى للأجور ولا تراجع عنه وسيطبق مطلع عام 2025، مؤكدا أن اللجنة الثلاثية مكونة من أطراف الإنتاج الثلاثة “أصحاب عمل، عمال، وحكومة”، ولا يمكن أن يكون القرار إلا بتوافق جميع الأطراف.

ومنذ سنوات تستمر المطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور الذي يقف عند 260 دينارا (367 دولاراً) ويشمل الأردنيين فقط. بينما تشهد البلاد تضخماً غير مسبوق وارتفاعاً لكلف المعيشة، بموازاة ارتفاع نسب البطالة والفقر والمديونية العامة.

ويتوقف الحد الأدنى للأجور رغم ارتفاع الأسعار وتآكل الدخل، وسط ضغوط مستمرة من بعض القطاعات الاقتصادية والمنشآت لعدم زيادته بحجة صعوبة الأوضاع المالية. ويعتقد الكثيرون أن رفع الحد الأدنى للأجور رغم أهميته لن يشكل فارقاً كبيراً في مستوى حياة الأردنيين، الذين يعانون ثبات الأجور لأكثر من 12 سنة متوالية.

ويطالب مختصون باتخاذ قرارات موازية من قبيل تحسين السياسات الاقتصادية وضبط الأسعار وتعزيز برامج الدعم والحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة. وقال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن خالد الفناطسة، إن رفع الحد الأدنى للأجور أصبح حقا وجوبيا بعد مرور أكثر من خمسة أعوام تقريباً على بقائه ثابتاً عند 260 ديناراً (366 دولاراً).

وأكد الفناطسة أن هناك تعاونا من الاتحاد العام مع وزارة العمل وأرباب العمل خلال الأعوام الماضية على عدم المساس به بسبب "تداعيات سلبية لجائحة كورونا على اقتصاد الأردن". واعتبر أن من الضروري أن تراعي الحكومة الوضع المعيشي للناس بعد تجاوز الظروف الصعبة، ولاسيما نظراً للارتباط العضوي بين الحد الأدنى للأجور وحركة مؤشرات التضخم.

وفي خضم الجدل الدائر حول الحد الأدنى للأجور، رأى خبراء أن حساب الحد الأدنى للأجور لا ينبغي أن يعتمد على نسبة التضخم السنوية بأثر رجعي؛ لأن قيمة الزيادة لن تكون عادلة في ظل الأوضاع المعيشية في الأردن وارتفاع معدلات الفقر.

خالد البكار: رفع الحد الأدنى للأجور لا تراجع عنه وسيطبق مطلع 2025
خالد البكار: رفع الحد الأدنى للأجور لا تراجع عنه وسيطبق مطلع 2025

وبين الخبراء أنه لحساب قيمة الحد الأدنى للأجور يجب أن تكون بناء على معايير تتعلق بكلف المعيشة من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم، مشيرين إلى أن القيمة المتوقعة للرفع إلى نحو 281 دينارا بدلا من 260 الحالية تعد غير كافية. ولفتوا إلى أن الأسرة المعيارية في الأردن تتكون من 5 أفراد، وقيمة الأجر لا تكفي لتلبية متطلباتهم الأساسية لحياة كريمة، وخاصة مع تأجيل قرار الرفع إلى نحو 5 سنوات.

وكانت اللجنة الثلاثية قد اتخذت قراراً في يناير 2020 قررت بمقتضاه زيادة الحد الأدنى للأجور للأعوام (2022، 2023، 2024) بما يعادل نسبة التضخم للعام السابق التي تصدر عن الجهات الرسمية والمختصة، إلا أنها في مطلع العام 2021 اجتمعت مرة أخرى وقررت تجميد رفع الحد الأدنى للأجور في العام 2022.

ويقول مواطنون أردنيون إن زيادة الأسعار تتخطى الزيادة في الأجور بكثير، ما يفاقم مشكلة القدرة الشرائية ويزيد من الأعباء على الأسر المتوسطة والفقيرة. وبالرغم من أن رفع الأجر يعزز العدالة في سوق العمل، فإنه قد يفرض تحديات على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد تجد صعوبة في تحمل كلف أجور أعلى، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل فرص التوظيف أو حتى زيادة البطالة في بعض القطاعات، ما دفع متخصصين إلى المطالبة بإصلاحات اقتصادية أوسع تشمل دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتعزيز سياسات الحماية الاجتماعية.

وأفاد مدير مركز الفينيق للدراسات العمالية أحمد عوض بأن رفع الحد الأدنى للأجور استحقاق عمالي تأخرت في تنفيذه الحكومة السابقة. وأضاف عوض في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن استجابة الحكومة الجديدة بتنفيذ القرار أمر إيجابي، وسيفيد العمال. وبين أن الاتفاق جرى على أن تتم الزيادة عند 300 دينار وفق أرقام التضخم.

ومن وجهة نظر أخرى، وصفت دراسة حديثة لمنتدى الإستراتيجيات الأردني قرار رفع الحد الأدنى للأجور بأنه صعب ومعقد، لما يحمله من تناقضات اقتصادية بين أن يؤدي إلى تقليل فرص التوظيف وبين أن يحدث أثرا إيجابيا على العمالة والاستهلاك.

وأصدر منتدى الإستراتيجيات الأردني ورقة سياسات تحمل عنوان “اقتصاديات الحد الأدنى للأجور: نظرة على الحالة الأردنية”، وتهدف الورقة إلى تقديم بعض الحقائق والتوصيات حول الحد الأدنى للأجور من خلال النظر إلى الأدبيات الاقتصادية، والمؤشرات الخاصة بالحالة الأردنية، وإجراء المقارنات المرجعية مع عدد من الدول إقليميًّا وعالميًّا.

وأشارت الورقة إلى أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور يُعَدّ قرارًا صعبًا ومعقدًا، فهو يعتمد على العديد من العوامل، ولفتت إلى أن بعض الدراسات قد خلصت إلى أن ارتفاع الحد الأدنى للأجور قد يؤدي إلى فقدان الوظائف، بينما بينت دراسات أخرى وجود تأثير إيجابي لرفع الحد الأدنى للأجور على العمالة والاستهلاك والنمو الاقتصادي.

وبينت أن الحد الأدنى للأجر الإجمالي الرسمي في الأردن في العام 2022 حوالي 366 دولارًا (260 دينارًا) شهريًّا، وهو أعلى من الحد الأدنى الشهري في كل من الهند ومصر والمغرب، ودول أخرى. كما أن الحد الأدنى للأجر الشهري في الأردن (عند تحويله على أساس تعادل القوة الشرائية بالدولار الدولي لعام 2017) يعادل 845 دولارًا، وهو مبلغ أعلى بكثير من المتوسط العام لدى بلدان المقارنة، مثل المغرب (726 دولارًا)، والصين (501 دولار)، والكويت (428 دولارًا)، وغيرها.

وأضاف المنتدى في ورقته أن هذه الزيادة سترفع الإنفاق على السلع والخدمات الأساسية، وبالأخص المنتجة محليًّا، ولأن هذه الفئة تُعَدّ من ذوي الدخل المحدود، فإن ازدياد نفقاتها -جراء رفع الحد الأدنى للأجور- من غير المتوقع أن يؤثر تأثيرًا كبيرًا على معدل التضخم.

2