الحرب فرصة ذهبية للجزيرة لاستعادة بريقها

تحاول قناة الجزيرة إضفاء خصوصية غير مسبوقة على تغطيتها للحرب على غزة ولبنان على مدار الساعة، متخذة نفس النهج الذي يركز على التناغم مع عاطفة الجمهور الذي يبحث عن انتصار بين الهزائم، رغم عدم واقعيته ومهنيته، إلا أنه يعيدها إلى تصدر المشهد بعد أن بهت دورها.
الدوحة – خصصت المنصات التابعة لشبكة الجزيرة القطرية مساحة واسعة للاحتفاء بالذكرى 28 عاماً لتأسيسها، وسلطت الضوء على تغطيتها “الاستثنائية” للحرب الحالية على غزة، التي هي في ذات الوقت أحد أبرز الانتقادات التي تواجهها الشبكة بسبب تركيزها على التعامل مع الحرب بطريقة عاطفية تقول للجمهور ما يريده، وليس الحقيقة والواقعية.
ولدى متابعة منصات الجزيرة المتعددة، والمنابر الأخرى التي تحمل نفس التوجه، بدا أن الحرب على غزة منذ بدايتها في أكتوبر 2023 كانت فرصة القناة القطرية لاستعادها حضورها الذي بهت في الفترة اللي سبقتها بعد إدراك قطاع كبير من الجمهور العربي أن ما روجت له لم يجلب سوى الخراب والدمار للمنطقة.
وتؤكد تصريحات المسؤولين في الجزيرة على توجهها باستغلال العامل العاطفي لدى الجمهور الذي يشعر باليأس وفقدان الأمل بتحقيق أي انجاز، إذ منحهم شعورا وهميا بالانتصارات والبطولات التي حركت العالم لتأييد القضية الفلسطينية.
وبمناسبة ذكرى التأسيس قال مصطفى سواق مدير عام شبكة الجزيرة بالوكالة، أن “الشبكة تطوي عاماً استثنائياً عاشت فيه أحداثاً محورية، لم يشهد العالم لها مثيلاً، حيث كانت الجزيرة حاضرة في عين المكان، ناقلة لتداعيات الحدث، مفسرة لمآلاته وتطوراته”.
الجزيرة تستثمر برامجها التي توقفت بسبب تغطية الحرب على غزة لاستقطاب المتابعين إلى منصتها الجديدة 360
وأضاف في كلمة له أن “الشبكة والعاملين معها في بعض الأحيان، كانوا موضوع الخبر، ومحور التغطية، ودفعت ثمناً غالياً، من دماء مراسليها الذين استشهدوا وأصيبوا في الميدان. وواصل العاملون في قنوات الجزيرة ومكاتبها العمل ليل نهار لمتابعة الأحداث وتداعياتها، ورفد شاشاتها ومنصاتها الرقمية، بالأخبار والصور والمقابلات”.
وتابع أن “الجزيرة أثبتت منذ انطلاقتها قبل نحو ثلاثة عقود، أن المؤسسات الإعلامية يتجسد تميزها في التغطيات الكبرى، وكانت حاضرة دائماً في مواقع هذه الأحداث”.
وأكد سواق أن “هذه النجاحات آزرتها مساندة مستمرة من مجلس الإدارة، الذي دعم كل المشاريع والمبادرات الاستراتيجية التي عملنا عليها هذا العام، والتي كان من أبرزها إطلاق منصة الجزيرة 360 التي تمثل نقلة مهمة في مسيرة الشبكة”.
وعوضت الجزيرة توقف برامجها منذ أكتوبر 2023 بسبب التغطية المستمرة للحرب في قطاع غزة، بإطلاق منصتها الرقمية الجديدة “الجزيرة 360″، في سبتمبر الماضي التي تضم مكتبة رقمية ضخمة وتعرض عددا كبيرا من برامج الشبكة بشكل حصري.
وتحاول المنصة استثمار برامج الجزيرة التي تحظى بشعبية واسعة لاستقطاب المشاهدين، خصوصا برنامج “الاتجاه المعاكس” للإعلامي فيصل القاسم الذي يركز على الإثارة وتحريض الضيفين للاشتباك كلاميا مع بعضهما البعض، بطريقة مسرحية تجذب المشاهدين.
وتتضمن منصة البث وخدمة الفيديو حسب الطلب مكتبة رقمية من البرامج والأفلام الوثائقية التي انتجتها وبثتها الجزيرة طيلة السنوات الماضية، بالإضافة إلى عرض أكثر من 20 برنامجًا تم إنتاجها حصريًا للمنصة. واعتمدت منصة الجزيرة 360 على نجوم ووجوه إعلامية عربية متميزة ومشهورة لضمان النجاح وجذب الجمهور.
وتتنوع برامج المنصة الأصلية بين المحتوى الذي يشمل الثقافي والترفيهي والحواري والديني، جميعها تقدم في قالب جديد، بالإضافة إلى عدد من الأفلام والوثائقيات والبرامج الاستقصائية.
وحاول مدير قناة الجزيرة أحمد بن سالم اليافعي، إضفاء خصوصية غير مسبوقة على تغطية الجزيرة للحرب على غزة ولبنان على مدار الساعة، رغم أن العديد من القنوات الإخبارية العربية تقدم تغطية مماثلة، وقال إنه “في ظل هذا الهجوم، ظلت الجزيرة وحدها تطارد الحقيقة في الميدان، أرضاً بأرض، وسماءً بسماء، ورصاصة بصورة أو كلمة، لم تهن أو تنكسر وتتراجع حين استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي طواقمنا ومكاتبنا في قطاع غزة والقدس ولبنان ورام الله.. فأضحت كل فلسطين مكتباً للجزيرة وانبرى عشرات المراسلين المنتشرين وقوفاً بين الناس وفوق الدمار وتحت أزيز الرصاص يكشفون للجمهور حقيقة ما يحدث”.
وأضاف اليافعي في رسالة إلى صحفيي القناة، أنه “بدا من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو يبحث عن إعلام دعائي، يبرّر ولا يُحاسب، يُصفّق ولا يُناقش، وفي سبيل ذلك قتلت قواته خلال عام واحد أكثر من 182 صحفياً فلسطينياً، وبدا للعالم أجمع كما لو أن هناك ثأراً بينه وبين حرية التعبير والتغطية النزيهة، فاستهدفت قواته عائلات الصحفيين وأطقم الجزيرة بالقتل والتهديد وهدم المنازل، ثم من بقي منهم بالقنص وأغلقت في وجههم كل وسائل العلاج والطبابة، ضاربة بعرض الحائط اتفاقيات لاهاي وجنيف والمناشدات الأممية والمنظمات الدولية لإخراج الزميل علي العطار والزميل فادي الوحيدي للعلاج بعد أن دخل في غيبوبة عقب استهدافه عمداً”.
لكن ما تعتبره الجزيرة تغطية موضوعية للحرب، كان قد أثار موجة انتقادات واسعة وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن العديد من الحوادث أثبت ازدواجية المعايير في القناة القطرية التي ترفض الرأي الآخر أو الاعتراف بوجوده أصلا، كما أن تغطيتها لأحداث غزة منحازة بشكل مطلق إلى حماس على حساب الشعب الفلسطيني الذي تم الزج به في الحرب ويدفع ثمن قرارات لا رأي له فيها.
وتطرق محللون وإعلاميون إلى دور قناة الجزيرة والمعايير المتناقضة التي تعتمدها في تغطيتها ولقاءاتها الصحفية. وقال الكاتب والحقوقي الجزائري أنور مالك في تدوينة سابقة على حسابه في موقع إكس “إن الجزيرة كأنها صارت قناة ناطقة باسم (يحيى) السنوار ومن معه، بل إنها فضحت السياسة الجديدة وربما من حيث لا تدري؛ فلقد صرنا لا نرى في العدوان على غزة ضيوفا لهم وجهات نظر أخرى سوى من يطبلون ويزمرون لحماس، وحتى بعض المحللين الإستراتيجيين كما يسمونهم لا يقدمون تحليلات عسكرية بل تحليلات شعرية للقساميين من الغزل الذي يتجاوز العفيف أحيانا وأيضا تصورات هجائية للعدو وغير ذلك الذي ليس من أصول تحليل الشؤون العسكرية في شيء”.
كما أثارت تغطية القناة الكثير من الجدل حول تغطيتها وازدواجية خطابها في نسختيها العربية والإنجليزية، ففي أكتوبر 2023 طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني تخفيف حدة خطاب شبكة الجزيرة حول الحرب في غزة، فيما يبدو أنه يقصد القناة الناطقة بالعربية.
وأكد موقع “أكسيوس” الأميركي أن تعليقات بلينكن تشير إلى أن الإدارة الأميركية، التي أكدت دعمها للصحافة المستقلة على مستوى العالم، تتخوف من إمكانية أن يؤدي تأطير الجزيرة للصراع إلى تصعيد التوترات في المنطقة.
وانطلقت قناة الجزيرة من العاصمة القطرية الدوحة في 1996 بمرسوم أصدره أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وبينما نص المرسوم على أن تكون القناة “مستقلة تماماً عن كل المؤثرات”، فقد قدّم أيضاً قرضاً حكومياً بقيمة 150 مليون دولار “لإنشائها وتغطية تكاليف تشغيلها لمدة خمس سنوات”.