الدوحة تستضيف سلسلة محاضرات تسلط الضوء على التراث المغربي

تسعى تجربة "الأعوام الثقافية"، التي أطلقتها متاحف قطر عام 2012، إلى بناء جسور المعرفة والمحبة والحوار والسلام، وتعميق الروابط مع الدول والشعوب حول العالم من خلال التعاون الثقافي المتبادل. وقد اختارت المبادرة هذا العام الاحتفاء بالمغرب لما يمثله من ثراء ثقافي وحضاري، تتناوله على امتداد عام كامل في أنشطة متنوعة.
الدوحة- يستضيف متحف الفن الإسلامي في الدوحة هذا الخريف، سلسلة محاضرات تسلط الضوء على التراث العريق والغني للمملكة المغربية، وذلك ضمن إطار برنامج إرث العام الثقافي قطر – المغرب 2024.
وتقدم في شهر نوفمبر الجاري محاضرتان مهمتان تتناولان جوانب من التراث الثقافي المغربي سواء منه الإسلامي أو التراث الذي تغمره المياه ويمثل كنوزا معرفية مازالت تستحق البحث.
محاضرتان مغربيتان
ضمن برنامج إرث العام الثقافي قطر- المغرب 2024 يقدم قسم الآثار في متاحف قطر محاضرتين يومي 4 و19 نوفمبر الجاري، في قاعة محاضرات متحف الفن الإسلامي، حيث تقدم الدكتورة أسماء القاسمي، الأستاذ المساعد في قسم الآثار الإسلامية بالمعهد الوطني للعلوم الآثار والتراث بالرباط، محاضرتها الإثنين، بعنوان “الكشف عن فن الألوان في بلاد المغرب: دراسة أثرية للرسوم الجدارية الإسلامية (القرنين الثامن والرابع عشر)”، وتتناول المحاضرة العلاقة المتشابكة بين العناصر الزخرفية وإعداداتها المعمارية، مع التركيز على الجوانب التقنية والمادية.
ويعد الفن الجداري أو الجداريات كما اصطلح عليها واحدة من حقول الفن التشكيلي التي كان لها انتشار كبير في التاريخ قديما وحديثا، مرت خلاله بمراحل وتغيرات كثيرة، بينما كان للمعتقدات الدينية أثر في امتزاجها بالنزعة العقائدية وتحقيق فكرة دينية إلى جانب وظيفتها لتخليد ذكرى أو مناسبات أو أحداث لها جانب خاص بحياة البشر وخاصة الملوك وانتصاراتهم.
وقد جاءت الجدارية منذ القدم معبرة عن واقع الإنسان ووجدانه، وتطورت مع تطور حياته ومتطلباته على مر العصور، وكانت تتم معالجة الأسطح الجدارية المختلفة من خلال الموضوعات الدينية أو التاريخية أو الأسطورية أو الاجتماعية وغيرها.
وكانت الفنون الإسلامية تحرص دائما على الإبقاء على فنون البلاد والأقاليم التي ينتشر فيها الدين الإسلامي إلى جانب التفاعل الذي کان يحدث بين هذه الفنون وبين فكر الدين الإسلامي، وهذا ما نجده ماثلا في الحضارة الإسلامية في المغرب التي كان لها نتاج فني خاص بها تمثل في جداريات وزخارف فريدة من نوعها ما تزال إلى اليوم محافظة على سحرها.
ومثلت الأعمال الجدارية في المغرب مزيجا بين الحضارات العريقة التي ازدهرت قبل العصر الإسلامي والنفس الإسلامي القادم من الشرق ما أعطى تفاعلا خلق طرازا فنيا فريدا من نوعه، وأنتج أساليب جديدة نسبت إلى مدارس فنية عديدة، وازدهرت هذه المدارس الفنية، وما تزال شواهد من هذا الفن قائمة على جدران المساجد والقصور وغيرها من عناصر فنية تراثية حية.
وتشتمل الجداريات على العديد من المساحات الفنية في الكثير من الواجهات المعمارية الداخلية والخارجية باستخدام الخامات المختلفة مثل الجص والرخام والفسيفساء وغيرها من الخامات الأخرى سواء الملونة أو ذات اللون الواحد.
أما المحاضرة الثانية التي يستضيفها المتحف في الدوحة فتتناول “علم الآثار المغمورة بالمياه بين الشغف بالبحث ومسؤولية الحفظ: نظرة على التجربة المغربية”، وتقام يوم 19 نوفمبر، ويقدمها الدكتور عز الدين كرا، مدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث في الرباط، والأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبدالله في فاس. ويتطرق كرا في بحثه للتراث المغمور بالمياه في المغرب مقدما لمحة عن مفهوم هذا التراث وأهميته وأدواره اليوم وسبل حمايته وتثمينه.
وتعرف اليونسكو التراث الثقافي المغمور بالمياه على أنه جميع آثار الوجود الإنساني ذات الطبيعة الثقافية أو التاريخية أو الأثرية التي ظلت مغمورة تحت الماء في المحيطات أو البحيرات أو الأنهار لمدة 100 عام على الأقل. ويغطي هذا التعريف مجموعة واسعة من التراث الثقافي.
ويرى باحثون في التاريخ أن قصص مجتمعاتنا وأسلافنا مغلفة بعلاقة غير ملموسة مع المحيط، وهي محفوظة في قاع البحر كقطع أثرية، وحطام سفن، وبقايا المفقودين أو المدفونين في البحر وغيره من عناصر تاريخية مازالت في قابعة تحت الماء تروي قصص الأسلاف والمعارك والهجرات وغيرها من تواريخ الشعوب.
ويعرف المغرب في السنوات الأخيرة نقاشا قويا حول التراث الثقافي المغمور بالمياه، ويسعى إلى العناية بهذا التراث، الذي يختزن الكثير من الأسرار بخصوص الحضارة المغربية الضاربة في التاريخ.
ويذكر أن وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد المهدي بنسعيد كان أطلق منذ مايو من عام 2023 في الرباط، المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول التراث المغمور بالمياه. كما دعا الباحثين إلى دعم هذا المشروع، مؤكدا أن المملكة ملتزمة ببذل كافة الوسائل اللازمة للنهوض بهذا التراث.
علاقات ثقافية
تجمع سلسلة المحاضرات نخبة من الباحثين والعلماء من مؤسسات مرموقة، مثل المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، والمركز الوطني للدراسات والأبحاث حول التراث المغمور بالمياه، ويقع كلاهما في العاصمة المغربية الرباط.
وتهدف هذه الفعالية إلى تعزيز التبادل الفكري بين الأكاديميين ومحبي التاريخ من المغرب وقطر حول التراث المشترك، حيث يعكس هذا التعاون الالتزام المتبادل بالبحث الأثري وتعزيز الحوار الثقافي بين البلدين، بما يتوافق مع أهداف مبادرة الأعوام الثقافية لتعميق التفاهم وتعزيز الاحترام بين الثقافات المتنوعة.
وتتوافق هذه السلسلة من المحاضرات مع المشروع البحثي الذي تقوده متاحف قطر لاستكشاف خصائص البيئات البحرية، والذي يتميز بالكشف عن العالم الساحر الموجود في أعماق المياه المغربية.
وتسعى مبادرة العام الثقافي قطر- المغرب 2024 إلى بعث رحلة عبر الزمن مع تاريخ المغرب وثقافته وإرثه وذلك في ربط لجسور متينة بين الحاضر والماضي والتأسيس لعلاقات ثقافية أكثر متانة.