"سير سالم والجمل" سيرة شاب عماني كافح الصحراء

عمان – يتناول كتاب “سير سالم والجمل” لمحمد محفوظ (أبوطارق) قصة كفاح شاب ظفاري من سلطنة عمان فاقد المقلتين لكنه حاد البصيرة يبحث عن علاج ليرى أصابع يديه والدنيا وما فيها، وهو الذي صرخ مدويا ‘لا أحتمل الظلم والظلام’ وصرخته الثانية ‘سوف أوحد العرب لأنهم أبناء عمومتي’ بينما يحركه الإصرار على النجاح.
ويذكر محفوظ أنه استوحى الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، من قصة حقيقية. يقول في الفصل الأول، الذي يصف فيه الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمنطقة الجغرافية التي يتمحور فيها السير، “يتميز المجتمع الرعوي بكل صفاته البدائية في جميع مفاصل الحياة في سكان جبال ظفار، وهو القائم على تربية الإبل والأبقار والماعز، وتعتمد حياة هؤلاء المربين على منتجات هذه الحيوانات لوفرة الغطاء النباتي للرعي، وتتجدد المراعي عند هبوب الرياح الموسمية المحملة بالضباب الكثيف الذي يلامس الأرض والسحب الحاملة للأمطار”.
ويضيف “يستمر الفصل الممطر لثلاثة أشهر من 21 يونيو وينتهي في 21 سبتمبر ميلاديا من كل عام، وخلال هذا الفصل أو أي أمطار خارج موسم الخريف تخضر وتنمو المراعي وأشجار الغابات في الوديان، وتعد المنازل المخروطية التي شيدها سكان الريف والكهوف المساكن الرئيسة للسكان. يقطن الأهالي في هذه المنازل المخروطية القائمة على أفرع أشجار يتم تغطيتها بأعشاب طويلة من كل الجوانب حماية لهم من الرياح والأمطار، وفي الوقت نفسه يشيد مربو الأبقار حظائر للأبقار وصغارها بالمواد نفسها، ولكن مع اختلاف شكل الحظائر عن مساكن السكان من حيث الحجم والشكل والارتفاع لتمييزها ومنح مساحات للتهوية”.
ويصف أبو طارق في الفصل نفسه الفنون التي اشتهرت في ذلك المجتمع، ومنها “فن النانا”، إذ يقول عنه “ويتفرد فن النانا بالتعبير عن المحبة والمديح والشجاعة، وتحديدا عن الأحزان، والهجاء، ويتميز بغزارة المعنى وتوضيح الهدف، ويشتهر هذا الغناء بتطوير ألحانه، وبخاصة الألحان التي تأتي من الشرق، فهي أكثر عذوبة وطربا للسامعين، وتنتشر بسرعة فائقة، ولا يوجد هذا الفن في اللغة العربية واللغات الأخرى أيضا (ويحتاج هذا الفن إلى المزيد من البحث العلمي وتطويره والحفاظ عليه كموروث شعبي تاريخي لسلطنة عمان، وإن إهماله سيدمر مجالا من مجالات الإبداع المتوارث في محافظة ظفار)”.
وأما بطل السير فهو كما يصفه المؤلف أبوطارق في بداية الفصل الثاني “سالم شاب ولد ضريرا فاقد المقلتين، إلا أنه يشعر بالمعاناة، ولديه إحساس بكل ما يجري من حوله من معاناة شخصية ترغمه على البحث عن مخرج للهروب من خلف الأسوار الحديدية العالية المدججة بالحراس، ونقاط التفتيش، ومعاناة مجتمعية من حوله تدفعه أكثر للبحث عن طريقة ووسيلة تساعده مع أصدقائه للخروج من المدينة. وأخيرا في ليلة مظلمة من عام 1965 تمكن سالم من اجتياز شباك الحديد الشائك حول مدينة صلالة والمعززة بحماية عساكر الحاكم متوجها إلى اليمن، وتحديدا إلى أراضي المهرة، والمتلاصقة حدوديا مع ظفار”.
وفي الفصل الثالث يفاجئنا الكاتب أبوطارق بأن الجمل يحاور البطل سالم فيحكي لنا بسلاسة “انفضت السهرة بعد أن استمر الغناء إلى منتصف الليل. طلب سالم من دليله أن يوصله إلى الجمل المربوط بقربهم وتحدث إلى الجمل متسائلا ‘كيف حالك يا صاحبي؟'”.
رد الجمل عليه بإيماءات من رأسه ورقبته ‘من أين لك هذا الصوت الشجي الجميل؟ لقد طربت من غنائك وصوتك الجميل، وتمكنك من الغناء البديع’. واستمر الجمل مداعبا سالما ‘لو أني أعرف يا صاحبي أن لك صوتا مبدعا، لطلبت منك أن تغني بعد أن أنهينا تسلق عقبة صيق الشديدة الوعورة’. ضحك سالم ‘أيها الجمل إني مخبئ هذه الموهبة لأصحابها فإن عقبة صيق لا تستحق الغناء وإنما الرجم بالحجارة'”.
الحكي يصل روعته حين يوازي الكاتب بين مشاعر الوجع والاشتياق، ولا فرق في ذلك بين الإنسان والحيوان
ويصل الحكي روعته حين يوازي الكاتب بين مشاعر الوجع والاشتياق، ولا فرق في ذلك بين الإنسان والحيوان، إذ يقول أبوطارق “سالم.. يا رفيقي لقد عقدت صداقة مع هذا الجمل، وتمكنت من فهم ما يجول في خاطره من أفكار”. الدليل يسأل “وكيف ذلك يا سالم؟”. قال سالم “إن المعاناة توحد المشاعر والخواطر غالبا”.
وفي تصاعد درامي فلسفي يصف الكاتب رمال صحراء العرب وكيف سخرت للانتقام من الطغاة والظالمين، فيقول “يا سالم سأخبرك بسر ولا تقل إني مجنون، أخبرتني أمي عن صاحباتها أنهن سمعن أن صحاري العرب صار بينها عهد وميثاق شرف، للتحول إلى رمال متحركة تغلي مصحوبة بهيجان كالطوفان باتجاه المدن وترتج الأرض من هذا الهيجان العارم وتبتلع كل من دخل في عماره مال مغتصب للانتقام لكرامتها وشرفها، فأي بناء أدخل فيه مال من غير وجه حق سوف تبلعه الرمال المتحركة. استخرجت الثروات من بطونها، واستولى عليها الغرباء مقابل عروش تحرسها كبار العفاريت، وأهمل الأبناء، ويدعي الغرباء أن من يقترب من هذه الكراسي يحترق فورا إلا صاحبها”.
ومن الجدير بالذكر أن محمد محفوظ (أبوطارق) ولد في عام 1948 تقريبا في قرية غديه بالجبل الواقع شرق دربات في محافظة ظفار. كان رئيس رابطة طلبة عمان في العراق لسنوات عدة وتخرج من جامعة بغداد للعام الدراسي (1973 – 1974)، وحصل على البكالوريوس في علوم الاقتصاد بدرجة جيد. “سير سالم والجمل” يمثل الجزء الأول من رحلة سالم برا، والجزء الثاني “سالم والنوخذة“ يعبّر عن رحلته بحرا سيصدر قريبا.