مصر تسعى لاحتواء الغضب المكتوم بالتبشير بزيادة الأجور

توالي التأكيد على رغبة الحكومة في تخفيف الأعباء عن المواطنين يعطي دلالة على أن دوائر رسمية وجدت أن ترك حالة الغضب المكتومة ليس في محله.
السبت 2024/10/26
الحكومة لن تراهن على صبر المصريين

القاهرة - تحركت دوائر حكومية عديدة للتبشير بزيادات جديدة في رواتب العاملين بالجهاز الإداري للدولة المصرية، عقب شعور السلطة بحالة من الغضب سادت قطاعات من المواطنين بعد الإعلان عن زيادة أخيرا، تلتها توجيهات رئاسية بمراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي، ما يشي برغبة رسمية في امتصاص سخط يتراكم وعدم تركه يتفاعل مع تهديدات خارجية للأمن والاستقرار في البلاد.

وتوقع رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري فخري الفقي إصدار الحكومة حزمة من القرارات للمزيد من الحماية الاجتماعية خلال الفترة المقبلة، لعل أبرزها يتمثل في علاوة استثنائية للمعاشات والأجور بالقطاعين العام والخاص.

وجاءت التصريحات متطابقة مع حديث مسؤولين في المجلس القومي للأجور (حكومي)، أكد أن الفترة القليلة المقبلة ستشهد قرارات من جانب السلطات بزيادات أجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة وقطاع الأعمال العام والهيئات والمؤسسات الاقتصادية المختلفة، وأن الواقع في ظل رفع أسعار المحروقات يُلزم الحكومة بتحسين الأجور لانتشال المواطنين من بؤرة ارتفاع معدلات التضخم.

وحرصت دوائر حكومية على توجيه رسائل مماثلة إلى العمال الذين يشكلون الجزء الأكبر من قطاع الأعمال الحكومي، إذ أكد نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر مجدي البدوي أن الحكومة تدرس إصدار حزمة جديدة من قرارات الحماية الاجتماعية، تشمل زيادة في المعاشات والأجور في القطاعين العام والخاص.

باسل عادل: زيادة أسعار المحروقات ضاعفت إحساس المواطنين بتدني الأجور
باسل عادل: زيادة أسعار المحروقات ضاعفت إحساس المواطنين بتدني الأجور

ويعطي توالي التأكيد على رغبة الحكومة في تخفيف الأعباء عن المواطنين دلالة على أن دوائر رسمية وجدت أن ترك حالة الغضب المكتومة ليس في محله، ومن الضروري إيجاد سبل تساعد على تحمل القرارات الصعبة، وأن التعويل الحكومي على صبر المصريين غير مأمون العواقب، خاصة أن هناك قناعة شعبية بأن السياسات الاقتصادية الحالية لم تنعكس على حياتهم اليومية بشكل إيجابي، على الرغم من تحملهم صعوبات عديدة في السنوات الماضية.

ويصعب غض الطرف عن التحديات الراهنة في المنطقة، والتي تشي بأن المزيد من الضغط على المواطنين لا يمكن التنبؤ بمآلاته، وثمة حاجة إلى الحفاظ على تماسك الطبقة المتوسطة التي تشكل حائط صد لدعم الدولة في اتخاذ مواقف تضمن عدم وصول التوترات المتصاعدة إلى داخل الحدود، ما يتطلب سرعة التحرك للتبشير بإجراءات تخفف من حدة تأثيرات ارتفاع الأسعار.

ولم تعد دوائر حكومية تخشى تأثيرات المعارضة وقدرتها على تحريك المواطنين، غير أن السخط قد يطال فئات تعتبرها الحكومة ظهيرا، ما يجعلها بحاجة إلى مراجعة الإجراءات التي لها ارتباط مباشر بحيات المواطنين اليومية، وأن الكتلة الصامتة التي تتشكل من العاملين في القطاع الحكومي يجب أن يتم تحصينها بالحد الأدنى من القرارات التي تضمن تعايشها مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

واستبقت الحكومة المصرية التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في مارس الماضي ترتب عليه خفض قيمة العملة المحلية بنسبة 25 في المئة، بزيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في الحكومة بنسبة 50 في المئة ليصل إلى 6 آلاف جنيه (الدولار= 49 جنيهاً)، في فبراير الماضي، وفي أبريل اتخذت قرارات مماثلة، بجانب زيادة المعاشات.

يصعب غض الطرف عن التحديات الراهنة في المنطقة، والتي تشي بأن المزيد من الضغط على المواطنين لا يمكن التنبؤ بمآلاته

ويرى مراقبون أنه حال قامت الحكومة بزيادة الرواتب ستكون قد أدخلت تعديلاً على توجهها نحو التمهيد لاستقبال القرارات الصعبة، إذ أنها كانت تسبقها بزيادة الأجور والمعاشات، وزيادة الدعم النقدي عبر مبادرة “تكافل وكرامة” للأسر الفقيرة، لكن الزيادة المنتظرة تشي بأنها تهدف من خلالها إلى امتصاص الغضب.

وقال رئيس حزب كتلة الحوار (تحت التأسيس) باسل عادل إن زيادة أسعار المحروقات ضاعفت إحساس المواطنين بتدني الأجور، ويتكرر ذلك في كل مرة تتخذ فيها الحكومة قرارات ترتبط بالدعم أو سعر العملة.

وأكد لـ”العرب” أن “الواقع يشير إلى أن ما يحصل عليه قطاع كبير من المصريين لا يكفي الحد الأدنى من المعيشة، ومراجعة الأجور سريعا أمر مهم للحفاظ على مستوى جيد، وعلى الحكومة ربط الأجور بقراراتها الاقتصادية وانعكاساتها على المواطنين”.

وأضاف أن “مؤسسات الدولة تشعر بما يعاني منه المواطنون، وهي واعية بتراجع قدرات الناس الشرائية بشكل كبير. وتنويه الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مراجعة قرض صندوق النقد يبرهن على أنه يرسم سياسة جديدة تقوم على عدم التسرع في اتخاذ القرارات ذات الارتباط المباشر بالمستوى المعيشي دون التأكد من قدرة الناس على تحملها. وعلى الدولة تخفيف الضغوط عن كاهل القطاعات المتأثرة، بما فيها الشركات والمصانع، عبر إقرار تسهيلات ضريبية وتحسين قدرة المواطنين الشرائية”.

وشدد باسل عادل على أن البرلمان عليه ربط الأجور بمعدلات التضخم وأسعار السلع الرئيسية أو ما يعرف باسم “سلة الغذاء”، فلم يعد من المهم النظر إلى قيمة ما يحصل عليه المواطن من راتب، لكن الأكثر أهمية ما يستطيع شراءه، مشيرا إلى أن تلك العملية ليست صعبة ويمكن للاقتصاديين تحديدها مع توجيهات حكومية بذلك.

وتوفر الزيادة الأخيرة في أسعار السولار والبنزين للحكومة نحو 27.5 مليار جنيه من مخصصات الدعم في الموازنة العامة، وتصبح لديها قدرة أكبر على تمويل زيادات الأجور، ما يعزز قدرة المواطنين على مواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

وكان من المقرر أن تُقدم الحكومة على زيادة المعاشات مطلع العام الجديد، على أن تمرر زيادة الأجور في شهر أبريل المقبل قبل إقرار الموازنة الجديدة، وسط توقعات أن تكون الزيادات المزمع إعلانها استثنائية مع الالتزام بالزيادات السنوية.

وأوضح باسل عادل في حديثه لـ”العرب” أن “على الحكومة الاستفادة من دروس الماضي، وتوجهها نحو حساب الكلفة الاقتصادية يجب أن يرتبط بحساب الكلفة السياسية، والأخيرة قد تكون لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد، وربما تقود إلى إحداث قلق داخلي”.

ورصد تقرير حكومي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أخيراً مؤشرات مهمة خاصة بإحصاءات التوظف والأجور وساعات العمل في مصر خلال عام 2023، منها وجود فجوة كبيرة في متوسط الأجور بين القطاعين العام والخاص، حيث بلغ متوسط الأجر النقدي شهريًا في القطاع العام 12 ألفا و401 جنيه، مقابل 4675 جنيها متوسط أجر شهري للعاملين في القطاع الخاص، ما يجعل هناك شكوك حول قدرة خطوة زيادة الأجور بمفردها على تحسين الأوضاع المعيشية العامة.

2