مصر تستعين بإيطاليا لتأسيس مؤسسات التصنيف الائتماني

مساع لإنهاء هيمنة الوكالات الأميركية على تقييم جدارة الشركات المحلية.
السبت 2024/10/26
التحديثات على مدار الساعة

قررت القاهرة الاستعانة بمؤسسات إيطالية لتسريع تأسيس شركات التصنيف الائتماني في البلاد، بعد الموافقة على منح سي.آر.آي.أف عبر تحالفها مع بلتون كابيتال المصرية، على مزاولة النشاط لتصبح ثاني وكالة تصنيف ائتماني تعمل في البلاد.

القاهرة - تتطلع مصر إلى اللحاق بركب كبار اللاعبين في سباق سوق الديون والأدوات المالية الجديدة التي تأخذ المعايير البيئية والحوكمة في الحسبان، وقررت بدء نشاط شركات التصنيف الائتماني كمحور مهم في منظومة قطاع السندات.

وجرى اختيار التحالف من الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية، الجهة المشرفة على القطاع المالي غير المصرفي، على خلفية حصوله على أعلى درجة توافق مع عدة معايير للمفاضلة بين الشركات المتقدمة لممارسة النشاط.

ومن أبرز المعايير المطلوب توافرها في المؤسسات العاملة بالتصنيف الائتماني، مستوى المشاركة أو الاعتماد من وكالات التقييم الائتماني العالمية في الشركة، وتشكيل هيكل ملكيتها، ومستوى امتثالها للمعايير الدولية للجدارة الائتمانية، والجوانب الفنية ودراسات الجدوى.

ومع قرب الانتهاء من تأسيس وكالة جديدة بالبلاد، فإن شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتماني وخدمة المستثمرين (ميريس)، سوف تفقد سيطرتها على سوق التصنيف الائتماني باعتبارها الوكالة الوحيدة في البلاد.

وميرس هي مشروع مشترك بين وكالة موديز للتصنيف الائتماني الأميركية وشركة فينبي للاستشارات المالية والمصرفية الدولية.

ويتمثل الدور المهم لوكالة التصنيف في تقييم الجدارة الائتمانية للكيانات في حال كان الترخيص الممنوح لها من هيئة الرقابة المالية بمجال الأوراق المالية وهو المعمول به حاليا.

ويسمح الترخيص من قبل الهيئة لوكالة التصنيف الائتماني الجديدة بتقييم الجهة المصدرة للأوراق المالية، والتفاصيل الدقيقة للأوراق المالية وضماناتها.

خالد الشافعي: الخطوة سوف تفتح الأبواب أمام عقد شراكات عالمية
خالد الشافعي: الخطوة سوف تفتح الأبواب أمام عقد شراكات عالمية

كما يتمثل دورها في تقييم العوامل الاقتصادية الأوسع نطاقا، مثل أسعار الفائدة، ومعدلات النمو، والتضخم ثم منح الأوراق المالية تصنيف بناء على ترتيب مخاطر التخلف عن السداد.

وطالبت عديد من الشركات المصرية، خاصة تلك التي تصدر سندات، بضرورة تعدد شركات التصنيف الائتماني العاملة في السوق منعا للاحتكار وكي لا تنفرد شركة واحدة بالتقييم، ولذلك ينبغي وجود كيانين جديدين بخلاف المسموح لهما بالمزاولة.

وجاء قرار السلطات مع توقعات أن تشهد المرحلة القادمة إقبالا على طرح السندات وزيادة الاقتراض والصكوك والسندات الخضراء وإصدار شهادات الكربون وهي من الأوراق المالية الجديدة التي تستوجب الحصول على تصنيف ائتماني.

ومن أبرز الأسباب التي تدفع السلطات إلى تعدد شركات التصنيف، نشاط سندات التوريق في البلاد خلال الفترة الماضية، والتي تحتاج إلى تقييمات كي تصدرها الشركات في الأسواق للمستثمرين.

وتأتي أهمية التصنيف في هذه الحالة من كون سندات التوريق مدعومة بأصول مالية تحدد قيمتها، حيث يتم تجميع هذه الأصول وإعادة تجميعها كأوراق مالية قابلة للتداول وتصبح في هذه الحالة سندات.

وبعد ذلك تقوم بإصدارها شركات ذات غرض خاص وهي كيان قانوني منفصل عن المؤسسة التي ترغب في بيع السندات، ويتم إنشاؤها للقيام بهذا الغرض نيابة عنها.

كما تبيع المؤسسة الأصول التي تدعم السندات إلى الشركة ذات الغرض الخاص وتحذفها من ميزانيتها، ثم تقوم الشركة ذات الغرض الخاص بإصدار السندات، ولا بد من تحديد الجدارة الائتمانية للشركة وقدرتها على السداد لأنها ستكون دائنة لطرفين.

وسجل إجمالي إصدارات التوريق في مصر خلال العام الماضي 86 مليار جنيه (حوالي 1.8 مليار دولار)، وتمثل تلك القيمة نحو ضعف قيمة السندات المصدرة خلال 2022 والتي بلغت 905 ملايين دولار.

ولا تسمح القوانين لبنوك الاستثمار المحلية أو شركات الاستشارات والأوراق المالية بالحصول على مزاولة نشاط التصنيف، إلا إذا قامت بتكوين تحالف مع شركة تصنيف ائتماني عالمية معتمدة دوليا.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد الشافعي إن الخطوة الراهنة تمنح سوق الديون المصرية زخما، لاسيما أنها ستفتح الباب لدخول لاعبين جدد بشراكة مع أكبر الكيانات العالمية، ومن شأن ذلك إكساب المحللين المصريين خبرات دولية في القطاع المالي.

ولا يعني إقبال الشركات على طرح السندات أو الاقتراض وإصدار الصكوك مؤشرا سلبيا، لكن يمكن اعتبارها اتجاها إيجابيا ودليلا على توسع الشركات، وتلجأ إليها الشركات كونها بديلا سهلا وأفضل من الاقتراض المصرفي أو الطرح في البورصة.

مجدي شرارة: قرار الحكومة يسّرع من توقيت إصدار السندات بالبلاد
مجدي شرارة: قرار الحكومة يسّرع من توقيت إصدار السندات بالبلاد

وأوضح الشافعي لـ”العرب” أن السندات تعد الأداة الأكثر استحواذا على أسواق الأوراق المالية في بلدان العالم، حيث تستحوذ على 80 في المئة من إجمالي الأوراق المالية المتعامل عليها بمختلف المناطق، وبالتالي يدعم القرار الحالي خطى مصر لمواكبة الأسواق الدولية.

ويمكن أن تطرح الشركات المحلية سنداتها عن طريق البورصة أو البنوك، لكن إجمالي حصيلة السندات يتم تداولها بيعا وشراء كأوراق مالية في البورصة المصرية.

وأثني خبير الاستثمار مجدي شرارة على الخطوة، ورأى أنها تأتي في وقت مهم يستوجب تعدد شركات التصنيف، لأنه مع تأسيس شركة ثانية تتعزز فرص تسريع عملية إصدار السندات والتي تستغرق حاليا 66 يوما، وهو وقت طويل يعطل المستثمرين.

وقال لـ"العرب" إن "أهمية التصنيفات الدقيقة والمنصفة في حالات السندات وغيرها تكمن في أنه دونها يصبح من الصعب على المستثمرين تقييم مخاطر الحصول على ديون معينة ويزداد الأمر تعقيدًا على صعيد التسعير للورقة المالية". وأوضح أن مثل هذه الوضعية تؤدي فعليا إلى عزوف المستثمرين تماما عن المشاركة في شراء السندات حال عدم تسعيرها بشكل عادل.

وتقدم تحالفان آخران في مصر للحصول على الترخيص المتعلق بالتقييمات الائتمانية، الأول يضم آي سكور وستاندرد أند بورز، والثاني يضم أم.جي.أم للاستشارات المالية والمصرفية وشركة إنفوميريكس الهندية. لكنّ التحالفين لم يتوافقا مع معايير الهيئة، وربما لم تتم الموافقة لأن الشركات المصرية لم تلبّ الشروط المطلوبة لمزاولة النشاط.

ومن المرتقب أن تنتعش أدوات التمويل الأخضر، مثل السندات الخضراء وشهادات الكربون، كأدوات مالية قابلة للتداول وتستخدم كوسيلة مبتكرة للتصدي للآثار السلبية لتغير المناخ، وتصدر لأيّ جهة تنفذ مشاريع خفض الانبعاثات، وهي أوراق مالية تحتاج إلى تقييم ائتماني.

كما أطلقت مصر أخيرا أول سوق طوعية منظمة ومراقبة لشهادات خفض الانبعاثات الكربونية الطوعية أفريقيا، استكمالا لجهود الدولة في تطوير الأسواق المنظمة وما تم الإعلان عنه في مؤتمر كوب 27 قبل عامين، من العمل على تدشين أسواق الكربون الطوعية.

18