ما لم تقله زرقاء اليمامة
"إذا قالت حذام فصدقوها/ فإن الصدق ما قالت حذام" بيت شعر صار مثلا. وحذام هي المرأة التي عُرفت بـ"زرقاء اليمامة" وهي التي رأت ما لم يره الآخرون وقالت ما لم يصدقوه.
لذلك علينا أن نصدق أم كلثوم وهي تقول بحيرة "أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي/ أقولك إيه ومين غيرك داري بي”، أما عبدالحليم حافظ، فلم يرغب في أن يلعب دور حذام خوفا من ألا تصدقه، لذلك صار يستنجد بالآخرين "قولولو الحقيقة/ بحبو من أول دقيقة/ قولولو بحبو/ ومذوبني حبو/ في بحورو الغريقة / أبو عيون جريئة"/، ولكنْ "إن العيون التي في طرفها حور/ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا" كما يقول الشاعر النجدي جرير.
وهو الذي لم يترك أحدا من شعراء عصره إلا وهجاه. استمرت معركة الهجاء ما بينه وبين الفرزدق أربعين سنة كما لو أنهما كانا يقفان بين "ما قلي وقولتلو/ ومال لي وملتلو/ وجاني ورحتلو/ يا عواذل فلفلو" و"بقه يقول لي وأنا أقولو/ وخلصنا الكلام كلو"، هل ينتهي الكلام بعد أن يحرق الفلفل اللسان؟
كانت أم كلثوم في مرحلة مبكرة من حياتها قد تساءلت "قلي وما تخبيش يا زين/ إيش تقول العين للعين"، وليس لنا سوى أن نتساءل في هذه الحالة مع الشاعر "قل للمليحة بالخمار الأسود/ ماذا فعلت بناسك متعبد” القصيدة التي غناها السوري صباح فخري، وهي للمسكين الدارمي الذي عاش في العصر الأموي.
ولا تنصت نجاة الصغيرة إلى ما يقوله الآخرون "العواذل ياما قالو/ ليه بحبو ليه/ رد قلبي قال ومالو/ لما أحبو ليه/ أه بحبو"، فالحب يقيم في زمان آخر.
بالنسبة إلى العشاق فإن قياس الزمن لا يتم بالطريقة التقليدية المتعارف عليها بين البشر العاديين. للعشاق زمنهم الخاص. تقول ليلى مراد "سنتين وأنا أحايل فيك / ودموع العين تناديك" فيما يقول عبدالحليم حافظ “في يوم في شهر في سنة".
أما فيروز فإنها تقول "سنة عن سنة/ عم تغلى عا قلبي يا عهد الولنده". ولكن ما الذي يحدث لنا حين نحب.
يقول محمد عبدالوهاب "كل دا كان ليه/ لما شفت عينيه/ حن قلبي إليه وانشغلت عليه" وكم أحن إلى المتنبي وهو يقول "ولولا الهوى ما ذل في الأرض عاشق/ ولكن عزيز العاشقين ذليل” وهو ما يجعلني أتضامن مع عبدالحليم حافظ وهو يقول “بتلوموني ليه/ لو شفتم عينيه/ حلوين قد إيه/ حتقولو انشغالي/ وسهد الليالي/ مش كثير عليه".
