أنقرة تمارس الردع العسكري والضغط الدولي لشل الذراع السورية لحزب العمال

أنقرة - تكثف تركيا تحركاتها السياسية والعسكرية لاستهداف حزب العمال الكردستاني وأذرعه في شمال سوريا ردا على الهجوم الذي استهدف شركة الصناعات الجوية والفضاء التركية “توساش” الأربعاء، فبينما تشن غارات تستهدف البنية التحتية، تطالب الأمم المتحدة بتصنيف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب على قوائم الإرهاب.
وقال مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أحمد يلديز إن إحدى أخطر عواقب الصراع السوري تمثلت في استغلال المنظمات الإرهابية للفوضى من أجل مواصلة أجندتها الانفصالية، معتبرا أنها تهدد وحدة الأراضي السورية، وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية.
وأضاف “آمل أن تضيف الدول الأعضاء في الاجتماع التالي وحدات حماية الشعب الكردية، وقوات “قسد” إلى قوائم التنظيمات الإرهابية التي تنشط في سوريا”.
وقوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية السورية لكنها تضم أيضا مقاتلين من العرب، هي شريك رئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على نحو ربع مساحة سوريا بما في ذلك حقول نفط ومناطق بها نحو 900 جندي أميركي.
تركيا تعتبر أن إحدى أخطر عواقب الصراع السوري تمثلت في استغلال المنظمات الإرهابية للفوضى لصالح أجندتها
وتسعى تركيا منذ زمن إلى إقناع المجتمع الدولي بتصنيف “قسد” إرهابية، غير أن اعتماد القوات الأميركية عليها في محاربة تنظيم داعش بالإضافة إلى الحرص على وجود أطراف محلية موالية لها، جعلا مساعي أنقرة تبوء بالفشل.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال في سبتمبر 2023، إن “تصوير إرهاب وحدات حماية الشعب في سوريا، كقوة مشروعة يجب أن ينتهي”.
ونفذ رجل وامرأة هجوما الأربعاء بأسلحة رشاشة ومتفجرات على مقر شركة صناعات الطيران والفضاء التركية (توساش) في أنقرة. وأصيب 22 شخصا أيضا. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي قتل خلاله المنفذان، غير أن أنقرة تلقي باللوم على حزب العمال الكردستاني وأذرعه.
وقالت وزارة الدفاع الخميس إن تركيا شنت ضربات جوية جديدة على مسلحي حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا وشمال العراق خلال الليل مما أسفر عن مقتل 59 مسلحا ردا على هجوم قتل خمسة في أنقرة.
وصرح وزير الداخلية علي يرلي قايا بأن الرجل تم التأكد أنه من أعضاء حزب العمال الكردستاني، في حين لم يتم تحديد هوية المرأة بعد.
بدوره، أفاد وزير الدفاع يشار غولر بأن القوات التركية ضربت 29 هدفا لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق و18 في شمال سوريا. وقالت الوزارة في وقت لاحق إن العملية أسفرت عن “تحييد” 59 مسلحا بينهم اثنان من “كبار القيادات” وهو مصطلح يستخدم عادة للإشارة إلى قتلهم.
مساعي تركيا لتصنيف قسد على قوائم الإرهاب باءت بالفشل لأنها شريك رئيسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة
وذكرت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الخميس أن الضربات التركية في شمال وشرق سوريا أسفرت عن مقتل 12 مدنيا بينهم طفلان وإصابة 25. بينما قالت وزارة الدفاع التركية إنها اتخذت كل الاحتياطات اللازمة لمنع إلحاق الأذى بمدنيين أبرياء.
وصرح غولر في مراسم تأبين في معرض للصناعات الدفاعية في إسطنبول “لن يتمكن أي عضو في المنظمة الإرهابية الغادرة من الهروب من قبضة الجنود الأتراك”. وأضاف “ليس من قبيل الصدفة أن يتم استهداف هذا الموقع” في إشارة إلى شركة توساش.
وتستهدف تركيا مرارا حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا بمقاتلات وطائرات مسيرة، وتوساش هي أكبر شركة لصناعات الطيران في تركيا، ويعتبر هذا الموقع في الأساس “قلب صناعة الدفاع التركية”. ويقع على بعد 40 كيلومترا من مركز العاصمة أنقرة.
وكان قد تأسس في سبعينات القرن الماضي، وفي 2005 تحول إلى منشأة تركية خالصة بعد أن كانت تتم فيه عمليات تطوير وإنتاج قطع طائرات “أف – 16” الحربية بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وتحولت لاحقا إلى منشأة تركية خالصة بامتياز، وبعدها بعام بدأت “توساش” في عمليات تصنيع وتطوير الطائرات المحلية، وخاصة بدون طيار. ومؤخرا انطلقت منها أولى التجارب المتعلقة بهذا المجال والخاصة بطائرة “قآن” الحربية التي لطالما قال أردوغان إن ميزاتها تضاهي “أف – 16”.
قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على نحو ربع مساحة سوريا بما في ذلك حقول نفط ومناطق بها نحو 900 جندي أميركي
وذكرت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء أن الإجراءات الأمنية مشددة في مقر شركة توساش الخميس حيث تفتش قوات الأمن المركبات وتتحقق من هويات الأشخاص.
وندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالهجوم في مؤتمر مجموعة البريكس بمدينة قازان الروسية وهو بجوار نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كما ندد به حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكلها تصنف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
وقال أردوغان في القمة الخميس “هذا الهجوم الجبان زاد من تصميم تركيا على القضاء على الإرهاب”.
وعلى مدى السنوات الماضية شهدت تركيا عدة هجمات منها ما استهدف مواقع مدنية وشوارع مأهولة بالمارة وأخرى طالت مراكز أمنية كانت في غالبيتها للشرطة، لكن هجوم الأربعاء بدا مختلفا ومفاجئا و”حساسا” لعدة اعتبارات، أولها أنه ضرب مجمعا كبيرا للصناعات الدفاعية فيما ارتبط الاعتبار الثاني بعامل “التوقيت”.
ويأتي الهجوم بعد يوم على تصريح أحد الحلفاء الرئيسيين لأردوغان بأن زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان قد يسمح له بالتحدث في البرلمان التركي وإطلاق سراحه مقابل إعلانه نهاية تمرد الحزب المحظور.
وقدم زعيم حزب الحركة القومية اليميني دولت بهجلي هذا الاقتراح المفاجئ عقب تكهنات في وسائل إعلام في الأسابيع القليلة الماضية بأن جهودا جديدة تبذل لإنهاء تمرد حزب العمال الكردستاني الذي أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألفا.
وحمل الحزب السلاح قبل أربعين عاما، وكان هدفه في البداية إنشاء دولة كردية مستقلة، لكنه عدل أهدافه بعد ذلك لتصبح الحصول على المزيد من الحقوق الكردية وعلى حكم ذاتي محدود في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية.
ولم يتضح بعد ما إذا كان هجوم الأربعاء سيؤثر على عرض بهجلي أم أن هدفه كان إفشال أي خطوة من هذا القبيل.
وقال عمر أوجلان ابن شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني إنه زار أوجلان الأربعاء في السجن على جزيرة جنوبي إسطنبول حيث يحتجز منذ القبض عليه في 1999. وهذه هي أول زيارة من نوعها منذ نحو أربع سنوات.
ونقل عمر على منصة إكس عن عمه قوله “إذا كانت الظروف مناسبة، فلدي سلطة نظرية وعملية لنقل هذه العملية من أرضية الصراع والعنف إلى أرضية قانونية وسياسية”.
وترى مديرة مكتب صحيفة “ديلي صباح” في أنقرة ديلارا أصلان أن الأيام المقبلة “ستظهر ما إذا كان الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (وحدات حماية الشعب) سيستمع إلى أوجلان، حيث لديهم بالفعل منطقة ذات حكم ذاتي ودعم قوي من الولايات المتحدة وقد لا يكونون على استعداد للتخلي عن كل شيء”.