فرنسا في ورطة دور بلا معنى أو نتيجة في لبنان

باريس – تستضيف فرنسا الخميس “المؤتمر الدولي لدعم لبنان”، في استمرار لمساع وتحركات فرنسية كثيرة تمت خلال السنوات الماضية، لكن من دون نتائج، سواء ما تعلق منها بالدعم المالي أو التأثير السياسي في أزمات لبنان.
وقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة لحل الأزمة السياسية في لبنان، ثم عين وزير الخارجية السابق جان إيف لدوريان مبعوثا له إلى لبنان.
وتعددت زيارات لودريان ولقاءاته وتصريحاته، لكن من دون أن يُظهر تأثيرا مباشرا لفرنسا في لبنان، فهي لم تحقق أي نتيجة لتجاوز مسألة الفراغ الرئاسي في البلد، واكتفى ماكرون ومبعوثه إلى بيروت بتصريحات تحذر السياسيين اللبنانيين من إجراءات وخطوات فرنسية دون أن تتحول تلك التحذيرات إلى عقوبات.
وسبق أن حذرت باريس الفرقاء اللبنانيين من مغبة التعامل بلامبالاة مع كل ما يحدق بلبنان وأن سيناريو فرض عقوبات موضوع على الطاولة. كما لوحت بعقوبات مدعومة من الاتحاد الأوروبي.
السعوديون صرفوا اهتمامهم عن لبنان في السنوات الأخيرة، محملين الطبقة السياسية مسؤولية إفلاس البلد وانهيار اقتصاده
وفشلت باريس في تقديم نفسها وسيطا لمنع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله في ظل عدم قدرتها على ممارسة ضغوط بأي شكل على الحزب أو التوصل إلى تفاهمات مع إيران لإثنائه عن حرب “إسناد غزة”.
ويقول مراقبون إن عجز فرنسا عن التأثير في لبنان يعود أساسا إلى كونها تعتمد فقط على حضورها التاريخي في لبنان، وهي لا تمتلك أوراق ضغط، وحتى حين تعرض مبادرة أو مؤتمرا لدعم لبنان تراهن على تمويلات دول الخليج، وخاصة السعودية، دون فهم أن لبنان لم يعد يهم السعوديين عقب سيطرة حزب الله على المشهد وتبعية السياسيين -سواء أكانوا من الموالاة أم من المعارضة- التامة له، ما يجعل أي دعم مالي يصب في صالحه وصالح إيران.
ولفت مصدر دبلوماسي إلى أن السعوديين صرفوا اهتمامهم عن لبنان في السنوات الأخيرة، محملين الطبقة السياسية مسؤولية إفلاس البلد وانهيار اقتصاده.
وتبدو فرنسا الدولة الوحيدة، تقريبا، التي تتذكر أن لبنان بلا رئيس، وترسل باستمرار مبعوثها للقاء فرقاء الأزمة مع معرفة مسبقة بفشل مهمته في تحريك ملف الرئاسة لأن الجهات المعنية من مصلحتها استمرار حالة الفراغ الرئاسي.
ويشدّد الدبلوماسيون الفرنسيون على أن لبنان يحتاج اليوم “أكثر من أي وقت مضى” إلى رئيس يتحدّث باسمه. ويرى الباحث كريم بيطار، مدير منظمة “كلنا إرادة” المدنية للإصلاح السياسي في لبنان، أن جهود جان إيف لودريان تشبه “المهمة (…) المستحيلة في ظل الاستقطاب السائد في لبنان والشرق الأوسط”.
وتعترض مهمة لودريان مشكلة أخرى وهي أن التصعيد في الشرق لم يعد يسمح بسماع صوت فرنسا ومبادراتها، في وضع بدت فيه على الهامش كليا.
وبعد مرور أيام قليلة على بدء إسرائيل حملة غارات جوية مكثفة على أهداف تابعة لحزب الله في لبنان، طرحت باريس وواشنطن خطة دولية لوقف إطلاق نار مؤقت، من دون أن تنجح هذه المبادرة؛ ليس فقط لأن إسرائيل قررت المضي في الحرب، وإنما أيضا لأن الولايات المتحدة نفسها باتت تدعم فكرة تفكيك حزب الله وإضعاف قدراته العسكرية ثم الحديث لاحقا عن التهدئة، لتجد فرنسا نفسها متمسكة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار دون تأثير.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان إن الخطة التي طرحت في نيويورك “لا تزال على الطاولة”.
وزير الخارجية الفرنسي يؤكد أن "لبنان يجب أن يتمكن من استعادة السيطرة على مصيره"، وأن باريس تقف إلى جانب لبنان و"لن تخذله"
وتنتقد أنياس لوفالوا، من معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، قدرة الدبلوماسية الفرنسية على إسماع صوتها، مشككة في مهمة لودريان التي “تكرر” خطوات الخارجية الفرنسية.
وأبدت “شكوكا كبيرة” حول النتائج الفعلية الواجب انتظارها من المؤتمر الذي تحتضنه باريس لجمع المساعدات للبنانيين، وقالت “إن كان الرئيس يعتزم عقد مؤتمر ليثبت أنه لا يتخلى عن اللبنانيين، فهو بذلك يلعب دوره، لكنني لا أتوقع الكثير (من المؤتمر)”.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الثلاثاء أن “لبنان يجب أن يتمكن من استعادة السيطرة على مصيره”، وأن باريس تقف إلى جانب لبنان و”لن تخذله”.
وأوضح “الهدف أوّلا إعادة تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل دبلوماسي وإنهاء الأعمال العدائية، وحشد المساعدات الإنسانية من أكبر عدد ممكن من البلدان ودعم المؤسسات اللبنانية، وفي مقدمتها الجيش اللبناني”.
وتغيب عن مؤتمر باريس إسرائيل، وإيران الداعمة لحزب الله، وكذلك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تعدّ بلاده الحليف الأول للدولة العبرية، ما ينذر بضآلة فرص إحراز الاجتماع تقدما نحو وقف إطلاق النار، رغم إمكانية أن يسفر عن مبادرات على صعيد المساعدات الإنسانية.