دوافع اقتصادية توجه تركيا نحو الانفتاح على بريكس

توسيع الشراكات الإستراتيجية شرقا مطمح أنقرة للاستفادة من موقعها الجغرافي وقربها من الغرب.
الخميس 2024/10/24
التوازن على حبل المصالح أمر ضروري

يجمع محللون على أن تحول تركيا نحو الانضمام إلى تكتل بريكس المناهض للغرب والانفتاح عليه بما يمنحها التوازن في علاقاتها يؤكد قناعتها أن تنويع الشراكات الإستراتيجية ضمن واحدة من أقوى المجموعات في العالم سيمنحها الكثير من المنافع مهما كانت، خدمة لأجندتها الاقتصادية.

قازان (روسيا)- يشكل انفتاح تركيا على مجموعة بريكس التي تقودها روسيا والصين الأول من نوعه لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكن يرى خبراء أن وراء هذه الخطوة دوافع اقتصادية وأنها تأتي في إطار رغبة أنقرة بـ”الاستقلالية الإستراتيجية”.

وشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة دول بريكس في مدينة قازان الأربعاء إلى جانب زعماء دول أخرى في المجموعة بينها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

وتعارض بعض دول بريكس توجهات الدول الغربية بشأن قضايا شتى منها النزاع في الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا، فيما يعد الجانب الاقتصادي بمثابة العمود الفقري للمجموعة.

سنان أولغن: تركيا تنتهج سياسة تتماشى والاستقلال الإستراتيجي
سنان أولغن: تركيا تنتهج سياسة تتماشى والاستقلال الإستراتيجي

وبدأ أعضاء بريكس يطورون خططهم الاقتصادية كتكتل واحد، وصولا إلى إنشاء قوة اقتصادية قادرة على مجابهة القوة الاقتصادية الغربية الحالية.

ويطمح التكتل إلى إيجاد نظام مواز للنظام المالي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث تراه الصين نموذجا لمناصرة الاقتصادات النامية والفقيرة من خلال تحويل القوة من “الشمال العالمي” إلى “الجنوب العالمي”.

وأصبحت بريكس منتدى لمعالجة القضايا العالمية الحرجة مثل التجارة والتمويل وتغيّر المناخ وأمن الطاقة وسطوة الغرب على مفاصل اقتصادية رئيسية كالدولار، عملة التجارة والعملة الاحتياطية الأولى عالميا.

ومن هذا المنطلق تعتقد أنقرة أن الانضمام إلى التكتل سيخدم مصالحها أكثر بحكم القرب الجغرافي، ومكانها الإستراتيجي الذي يفصل الشرق والغرب، ما قد يحقق لها منافع تسهم في دفع اقتصادها الذي تدهور بفعل التضخم مع ليرة عند أدنى مستوياتها أمام الدولار.

وفي شهر سبتمبر الماضي، أعلنت تركيا المنضوية في الناتو، رغبتها بالانضمام إلى مجموعة بريكس.

ونقلت وكالة تاس الروسية عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله الأربعاء إن “عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي لا تمنع انضمامها إلى مجموعة بريكس إذا ما قررت ذلك”.

وشمل توسيع مجموعة بريكس مؤخرا لتضم أربع دول إضافية بينها ثلاث من الشرق الأوسط، دخول إيران المحسوبة على المعسكر المناهض للغرب، والتي تتهمها الدول الحليفة لكييف بتزويد موسكو أسلحة تستخدمها في حرب أوكرانيا.

ومع ذلك، يرى باحثون أن تركيا لن تدير ظهرها للغرب أو لأوكرانيا التي زار وزير خارجيتها أنقرة الاثنين، ولا لحلف الناتو.

واعتبر سنان أولغن، الباحث المشارك في مركز كارنيغي في أوروبا، أن “الحكومة (التركية) تواصل ترسيخ علاقاتها مع الدول غير الأعضاء في التحالف الغربي، بما يتماشى مع الاستقلال الإستراتيجي الذي تنتهجه تركيا”.

سولي أوزيل: أحد أسباب تحول أنقرة هو أن مركز الثقل العالمي يتغير
سولي أوزيل: أحد أسباب تحول أنقرة هو أن مركز الثقل العالمي يتغير

وقال في تصريح لوكالة فرانس برس إن “المبادرة اقتصادية جزئيا أيضا”، لافتا إلى أنها “تهدف إلى تأثير إيجابي على العلاقات الاقتصادية الثنائية مع هذه الدول”.

وتمثل بريكس 42 في المئة من مجموع سكان العالم، أي حوالي 3.2 مليار نسمة، بينما يبلغ عدد سكان مجموعة الدول الصناعية السبع نحو 800 مليون نسمة، ونحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتضم المجموعة كذلك ثلاث قوى نووية هي روسيا والصين والهند، وأربعة من أقوى الجيوش في العالم، تتصدرها الصين والهند وروسيا.

لكن أولغن رأى أن دول بريكس تشكل “منصة” اقتصادية بدون التزامات، ولا تفرض التكامل بين أعضائها كما هو حال الاتحاد الأوروبي الذي تحاول أنقرة الانضمام إليه منذ العام 1999.

وقال إن “تركيا ما كانت لتتخذ هذه الخطوات (تجاه بريكس) لو تمكنت من مواصلة مفاوضات الانضمام إلى أوروبا”.

ولم يوفر أردوغان فرصة للتطرق إلى هذه المسألة الشهر الماضي، بإشارته إلى أن “أولئك الذين يقولون (لا تنضموا إلى بريكس) هم نفسهم الذين جعلونا ننتظر لسنوات على باب الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف بعد عودته من الأمم المتحدة في نيويورك “لا يمكننا أن ننفصل عن العالم الإسلامي أو الناطق بالتركية لمجرد أننا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي. وأعلن أن بريكس وآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) توفران لنا فرصا لتطوير تعاوننا الاقتصادي”.

وشدّد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في إسطنبول سولي أوزيل على أن السبب يعود أيضا إلى أن مركز الثقل في العالم يتغير.

وقال “كالجميع، تعتقد الحكومة التركية أن هيمنة الغرب من دون منازع لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، وتحاول على غرار آخرين كثر التموضع ليكون لها تأثير أكبر في حال ظهر نظام جديد في عالم متعدد الأقطاب”.

غوكول ساهني: يريد الأتراك تحقيق مكاسب مزدوجة من هذا الانضمام
غوكول ساهني: يريد الأتراك تحقيق مكاسب مزدوجة من هذا الانضمام

وقال الأكاديمي لوكالة فرانس برس “تريد تركيا الاستفادة من ضعف النفوذ الغربي، وخصوصا (نفوذ) الولايات المتحدة، ومحاولة خلق مجال أكبر للمناورة”.

وأضاف “لكنها بالطبع جزء من الغرب بمفهومه الأمني، ومن المؤكد أن اقتصادها سيظل جزءا من الاقتصاد الأوروبي”، من حيث التبادلات التجارية والاستثمارات خصوصا.

ويبلغ حجم اقتصادات بريكس مجتمعة حوالي 29 تريليون دولار، ويسيطر التكتل على قرابة 17 في المئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.

وخلص غوكول ساهني رئيس إقليمي للمخاطر القُطرية في آسيا ببنك ستاندرد تشارترد المقيم في سنغافورة إلى أن “تركيا تريد أمرين: الاستفادة من قربها من الغرب مع إدراكها بأنها لن تصبح أبدا جزءا (من الاتحاد الأوروبي)، وإقامة شراكة وثيقة مع غير الغربيين”.

ولفت إلى أن هذه الشراكة لن ترتب مخاطر على تركيا لأنه ليس لمجموعة بريكس بعد أمني، وهو ما دأب قادة دول المجموعة على تسويقه منذ تأسيسها في العام 2009.

ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا، التي تشكل قوة اقتصادية في بريكس بفضل صناعة النفط والغاز، وأوكرانيا في أواخر فبراير 2022، حافظت تركيا على علاقات مع الطرفين المتحاربين.

وبعد فرض عقوبات غربية على موسكو، أصبحت أنقرة من المستوردين الرئيسيين للغاز الروسي، بينما تقوم في الوقت عينه بتزويد كييف بمسيّرات وفرقاطات.

وأكد أوزيل أن “تركيا لن تغادر حلف شمال الأطلسي أبدا”، لكن تقاربها مع مجموعة بريكس يعكس “الحاجة إلى التغيير ورغبة القوى الإقليمية الناشئة في تحصيل المزيد من المكاسب”.

10