"مؤتمر دعم لبنان" مبادرة فرنسية خجولة مع تراجع تأثيرها في بيروت

شكوك حول النتائج الفعلية المنتظرة من المؤتمر.
الأربعاء 2024/10/23
ماكرون يحاول القيام بدور مؤثر في المشهد السياسي اللبناني

باريس - تنظم فرنسا الخميس بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون “المؤتمر الدولي لدعم لبنان”، في محاولة من باريس لتدارك سنوات من تراجع تأثيرها على هذا البلد، وتبحث اليوم عن دور بارز في مستقبله في ظل الحرب التي تدور فيه بين إسرائيل وحزب الله.

وتغيب عن الاجتماع إسرائيل، وإيران الداعمة لحزب الله وكذلك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي تعد بلاده الحليف الأول للدولة العبرية، ما ينذر بفرص ضئيلة بأن يحرز تقدما نحو وقف إطلاق نار، ولو أنه قد يسفر عن مبادرات على صعيد المساعدات الإنسانية.

ويرى مراقبون أنه طوال الأشهر الأخيرة حاول ماكرون لعب دور الوسيط والحفاظ على العلاقة مع إيران والرهان على تغيير في موقف حزب الله، لكن ذلك لم يأت بنتيجة.

ويأتي مؤتمر دعم لبنان ضمن سلسلة مبادرات فرنسية رافقت أزمات لبنان المتتالية وعكست الاهتمام الفرنسي الذي لم يرق لمستوى طموحات اللبنانيين بل أظهرت مدى تراجع نفوذ باريس في البلاد وضعف قدرتها على التأثير في الملفات اللبنانية الشائكة.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إنه ينبغي عدم توقع أي إعلان كبير حول إنهاء النزاع. وأفاد حسني عبيدي مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف إن من إيجابيات المؤتمر بالأساس انعقاده، مشيرا إلى أنه “منذ مبادرة الفرنسيين والأميركيين الطليعية، هذه هي الدينامية الدبلوماسية الوحيدة الجارية”.

فبعد أيام قليلة على بدء إسرائيل حملة غارات جوية مكثفة على أهداف لحزب الله في لبنان، طرحت باريس وواشنطن في نهاية سبتمبر خطة دولية لوقف إطلاق نار موقت، من دون أن تنجح هذه المبادرة.

المؤتمر أفضل من لا شيء، مع الحاجة الماسة إلى خارطة طريق سياسية وضغوط أكبر على إسرائيل لوقف الحرب

وردد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان الجمعة أن الخطة التي طرحت في نيويورك “لا تزال على الطاولة”.

وتدفع فرنسا باستمرار نحو حل على أساس قرار مجلس الأمن 1701 الذي أنهى حرب العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل.

وأرسى القرار 1701 وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب الله بعد حرب مدمّرة خاضاها في صيف 2006. وينصّ القرار كذلك على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.

وأوضح مصدر دبلوماسي فرنسي أن هذه التسوية تعني العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل الحرب الأخيرة مع انتهاكات كثيرة لهذا القرار الدولي. وترى باريس، أن العبرة ليست في تعزيز القرار 1701 بل في تطبيقه. وتطرح مسألة تعزيز الجيش اللبناني التي ستناقش خلال المؤتمر الخميس.

وفي 27 سبتمبر، قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، معقل الحزب. وبعد ثلاثة أيام من ذلك، باشر الجيش الإسرائيلي عمليات برية محدودة في جنوب لبنان، معلنا عزمه إبعاد حزب الله عن

ماكرون حاول طوال الأشهر الأخيرة لعب دور الوسيط والحفاظ على العلاقة مع إيران والرهان على تغيير في موقف حزب الله، لكن ذلك لم يأت بنتيجة

المناطق الحدودية في جنوب لبنان ووقف إطلاق الصواريخ للسماح بعودة نحو 60 ألف نازح من سكان شمال إسرائيل.

وعلقت أنياس لوفالوا من معهد البحث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط “مضت سنوات وإيمانويل ماكرون يشدد بحق على وجوب منح هذا الجيش وسائل”، مشيرة إلى أن الجيش هو في نهاية المطاف “المؤسسة الوحيدة في لبنان التي تعمل”.

لكنها أبدت “شكوكا كبيرة” حول النتائج الفعلية الواجب انتظارها من المؤتمر، وقالت “إن كان الرئيس يعتزم عقد قمة ليثبت أنه لا يتخلى عن اللبنانيين، فهو بذلك يلعب دوره، لكنني لا أتوقع الكثير”.

وصرح رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي أنه يأمل بالحصول على دعم للشعب اللبناني والجيش.

وقال “سنطلب مساعدة إنسانية ومساعدة أمنية” للجيش وقوى الأمن الداخلي، مبديا استعداده لتعزيز عديد الجيش في الجنوب من أجل أن يسيطر على المنطقة الحدودية في حال التوصل إلى وقف إطلاق نار مع إسرائيل.

ولم تكشف وزارة الخارجية الفرنسية عن أي أهداف بالأرقام خلال المؤتمر، كما لم تعلن قائمة المشاركين فيه.

العامل الأساس الذي يقف وراء تراجع النفوذ أو التأثير السياسي الفرنسي في لبنان هو تبدل الواقع الجيوسياسي

وقال كريم بيطار أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت إن “الحاجات هائلة إلى حد أنه حتى لو بلغت المساعدات مئات ملايين الدولارات، فقد يُنظر إليها على أنها أشبه برعاية تلطيفية”.

كذلك، تساءل بشأن حجم المساعدة التي ستقدمها دول الخليج، المانحة التقليدية للبنان، في حين “لا نلاحظ ميلا من جانبها للمشاركة في مساعدة ضخمة” حاليا.

ولفت مصدر دبلوماسي آخر إلى أن السعوديين صرفوا اهتمامهم عن لبنان في السنوات الأخيرة، محملين الطبقة السياسية المسؤولية عن إفلاس البلد وانهيار اقتصاده.

لكن فيما تلوح بوادر حرب إقليمية بين إسرائيل وحليفها الأميركي من جهة وإيران من جهة أخرى، أشار إلى أن الرياض “تدرك” ضرورة مساندة أي عملية تهدف إلى تسوية الأزمة اللبنانية.

وقال كريم بيطار إن “هذا المؤتمر أفضل من لا شيء، لكننا كنا نود لو كان هناك خارطة طريق سياسية وضغوط أكبر على إسرائيل”. واعتبر أن التوقيت غير مناسب موضحا “إن الوقت مبكر لأننا لا نعرف بعد ما ستؤول إليه المعارك، وربما كذلك متأخر لأن المصيبة وقعت”.

ويرى متابعون أن العامل الأساس الذي يقف وراء تراجع النفوذ أو التأثير السياسي الفرنسي في لبنان هو تبدل الواقع الجيوسياسي، مع نشوء دول إقليمية فاعلة سحبت البساط من الدور الفرنسي في بلاد الأرز، وأبرزها إيران، إضافة إلى دور عربي جسدته السعودية.

وفتح حزب الله اللبناني في 8 أكتوبر 2023 جبهة “إسناد” لغزة غداة اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس مع شن الحركة هجوما غير مسبوق على الدولة العبرية. وبعد تبادل القصف عبر الحدود بشكل يومي على مدى عام تقريبا، تحولت هذه المواجهة إلى حرب مفتوحة اعتبارا من 23 سبتمبر.

وقتل ما لا يقل عن 1552 شخصا في لبنان خلال شهر، وفق تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام وزارة الصحة اللبنانية، فيما أحصت الأمم المتحدة نزوح نحو 700 ألف شخص.

 

اقرأ أيضا:

        • هل تدخّل قاليباف في الشأن اللبناني يعتبر جريئا إلى درجة الوقاحة

        • لبنان ليس "حزب الله"… وفلسطين ليست "حماس"!

2