الهاجس الدولي يحفزّ ضبط فوضى العمل الخيري في الكويت

إجراءات حكومية للنأي بالبلاد عن شبهات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
الأربعاء 2024/10/23
العمل الإنساني المنظم مفيد لسمعة الدولة

بطء السلطات الكويتية في معالجة ملف العمل الخيري وإخضاعه لرقابة الدولة والنأي به عن التسييس والانزلاق نحو محظور تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، أفضى بالكويت إلى أن تتحوّل إلى موضع ملاحظة وتدقيق من قبل جهات دولية، ما حدا بالسلطات إلى تسريع جهودها لحسم الملف دفاعا عن سمعة البلد وحماية لعلاقاته الدولية.

الكويت- اكتسبت جهود السلطات الكويتية لضبط العمل الخيري وإحكام تنظيمه دافعا دوليا يتوقّع أن يكون له أثر في تسريع تلك الجهود التي تنعتها جهات كويتية بالبطيئة والمفتقرة إلى الحزم الأمر الذي أخّر حسم الملف لسنوات طويلة.

وتخشى السلطات أن يتحوّل انخراط جهات كويتية في أعمال خارج البلاد مخلّة بالقوانين الدولية إلى عامل مؤثّر على سمعة الكويت وعلاقاتها بالمجتمع الدولي، وذلك تحت يافطة العمل الخيري والإنساني الذي وصفه أحد الكتّاب الكويتيين بأنّه أصبح بمثابة “مغارة لا تعرف أي جهة، بدقة، ما يجري بداخلها”، في إشارة إلى انفلاته وخروجه عن سلطة الدولة ورقابتها.

ويعرف العمل الخيري في الكويت وما يرتبط به من عمليات جمع للتبرعات نشاطا وازدهارا فريدين بدفع من التيارات الإسلامية المختصّة في ممارسته منذ عقود.

أمثال الحويلة: هدفنا منع وقوع الكويت في أي حرج دولي
أمثال الحويلة: هدفنا منع وقوع الكويت في أي حرج دولي

لكن التشكيات والملاحظات لم تنقطع بشأن تسرّب الفساد إليه على نطاق واسع وتحوّله إلى وسيلة للثراء غير المشروع، فضلا عن تسييسه وأدلجته وتحويله عن مقاصده الإنسانية إلى دعم العمل الحزبي العابر لحدود البلاد، وخصوصا من قبل الإخوان المسلمين المهتمّين بدعم فروع تنظيمهم عبر أنحاء العالم عن طريق أموال طائلة يتم جمعها في الكويت.

وينطوي هذا العامل الأخير على محذور تحوّل العمل الخيري الكويتي على أيدي الإخوان وكذلك السلفيين إلى تورّط في بؤر الصراع ودعم للإرهاب وانخراط في غسيل الأموال.

وحذّرت وزيرة الشؤون الاجتماعية الكويتية أمثال الحويلة من أنّ بلادها باتت “قاب قوسين من دخول المنطقة الرمادية التي لا تؤثر سلبا على سمعة الكويت فحسب، بل على اقتصادها أيضا، إلى جانب جملة تداعيات سلبية أخرى”.

وتشير الوزيرة بذلك إلى انطلاق ما يعرف بمرحلة الرقابة المعززة التي تشهدها الكويت حاليا من جانب المنظمات المالية الدولية وتحديدا مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق وشمال أفريقيا (مينافاتف) المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وجاء تحذير الوزيرة خلال لقاء عقدته مع ممثلي أربع وستين جمعية خيرية ودعت خلاله إلى تصحيح إجراءين خاصين بالعمل الخيري الكويتي قبل المراجعة الدولية المرتقبة والمحددة في أكتوبر 2025، لافتة إلى أن الإجراءات الاحترازية الحالية التي تتخذها الجهات الحكومية تهدف في المقام الأول إلى النأي بالبلد عن دخول المنطقة الرمادية في التصنيف الدولي للبلدان وفق جهودها في التصدي لتمويل الإرهاب وغسيل الأموال.

وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية الكويتية قد شرعت في وضع عدد من جمعيات النفع العام والمَبَرَّات المخالفة للقوانين تحت مجهر الملاحظة تمهيدا لحلّها.

وبذلت الحكومات الكويتية المتعاقبة جهودا لضبط العمل الخيري الذي تشجّع حالة الثراء المادي للبلد ومجتمعه معطوفة على ارتفاع منسوب التدين بين أفراد المجتمع على التوسّع في ممارسته وتعدّد الأذرع الناشطة في مجاله مع اختلاف درجة نزاهتها. لكن تلك الجهود لم تسفر إلى حدّ الآن عن نتائج ملموسة.

أحمد الصراف: عجلة الإصلاح التي تحرّكت أخيرا خلّفت العمل الخيري الذي بقي محصنا تقريبا من الرقابة الفعلية
أحمد الصراف: عجلة الإصلاح التي تحرّكت أخيرا خلّفت العمل الخيري الذي بقي محصنا تقريبا من الرقابة الفعلية

وعلى اعتبار الحكومة الحالية هي حكومة إصلاح جاءت في سياق التغيير الذي أقدم على إنجازه أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح بحلّه البرلمان وتعليقه الظرفي لبنود في الدستور بهدف فتح الباب للإصلاحات وضمان مرونة اتخاذ القرارات المتعلقة بها وتنفيذها بعيدا عن العراقيل التي تخصّص نواب مجلس الأمة في وضعها في طريق عمل الحكومات، فقد تجدّدت المطالبات لحكومة الشيخ أحمد عبدالله الصباح بأن تشمل بالإصلاح المنشود مجال العمل الخيري، باعتبار ذلك من المشاكل المزمنة التي تعود إلى عقود خلت ولم يعد حلها
يحتمل التأجيل.

وكتب الكاتب أحمد الصراف مؤخرا في صحيفة “القبس” المحلية محذّرا من أن عجلة الإصلاح التي تحرّكت أخيرا خلّفت العمل الخيري الذي بقي “محصنا تقريبا من الرقابة الفعلية، بالرغم من كل ما يثار حول أنشطته من شكوك، داخل البلاد وخارجها”.

وبدا أن وزارة الشؤون الاجتماعية بصدد تحريك المياه الراكدة لملف العمل الجمعياتي والخيري في البلاد. وقالت إنّه في إطار حرصها على القيام بدورها الرقابي على أعمال جمعيات النفع العام والجمعيات والمبرات الخيرية، أحاطت الوزيرة أمثال الحويلة مجلس الوزراء علما بإعداد الوزارة دراسة عن أوضاع عدد من جمعيات النفع العام، والتي تبيّن أنّها غير فعالة ومخالفة لمواد القانون رقم 24 لسنة 1962 في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، تمهيدا لإصدار قرار بحل وتصفية هذه الجمعيات.

وأشارت الحويلة إلى قيام الوزارة بإعداد دراسة أخرى حول قيام بعض الجمعيات والمبرات الخيرية بمخالفة القوانين والقرارات المنظمة وارتكابها العديد من المخالفات، تمهيدا لإصدار قرار بحل وتصفية هذه الجمعيات والمبرات الخيرية.

وكثيرا ما يُذكَر اسم جماعة الإخوان المسلمين تلقائيا عند الحديث عن العمل الجمعياتي والخيري في الكويت، ذلك أن الجماعة بادرت بصفة مبكرة إلى النشاط بكثافة في هذا الحقل وبلغت فيه قدرا كبيرا من التنظّم والإتقان، وتمكّنت بفضله من تحصيل ثروات طائلة تستخدمها في تمويل فروعها في مختلف بلدان المنطقة والعالم.

ويقول نشطاء كويتيون إنّ الثروات التي تمكّن إخوان الكويت من جمعها لم توظّف فقط في الصرف على أتباع جماعتهم واستقطاب المزيد منهم محلّيا وخارجيا بل وظفت أيضا في الحفاظ على مكانتهم في مؤسّسات الدولة الكويتية ذاتها والتأثير في قراراتها، حتّى أنّهم صاروا غير بعيدين عن صياغة القوانين المتعلّقة بتنظيم العمل الخيري والإجراءات الهادفة إلى تنظيمه باتجاه استدامة الثغرات فيها وبالتالي مواصلة الاستفادة منها.

العمل الخيري في الكويت وما يرتبط به من عمليات جمع للتبرعات نشاطا وازدهارا فريدين بدفع من التيارات الإسلامية المختصّة في ممارسته منذ عقود

وتطرقت الوزيرة الحويلة في لقائها الأخير بممثلي الجمعيات الخيرية إلى مسألة تسييس العمل الخيري وقالت إنّ “الوزارة تحسن الظن والنوايا حيال القائمين على العمل الخيري، غير أننا مطالبون دوليا بالكثير من الإيضاحات حول أعمال وأنشطة ومشروعات الجهات الخيرية”.

وأضافت “للأسف الأحداث العالمية الراهنة ربطت العمل السياسي بالخيري، لذا فإن الإجراءات التي تتخذها الدولة عموما والوزارة خصوصا تهدف إلى حماية الكيانات الخيرية، ومنع وقوع الكويت بأي حرج دولي”، موضحة أن “سؤال الوزارة عن بعض الأمور الخاصة بالمشروعات الخيرية، كأسماء المستفيدين في بعض الدول المتضررة، ليس من باب التضييق على العمل الخيري، بل هو إجراء استباقي في حال وُجّهت إلينا أي أسئلة من المنظمات المالية الدولية بهذا الشأن”.

وشملت الإجراءات الحكومية الكويتية لضبط العمل الخيري تقييد الحركة الدولية للقائمين عليه من خلال حظر سفر موفدي الجهات الخيرية في رحلات إغاثية إلى الدول التي تتعرض لظروف أمنية وسياسية غير مستقرة، حيث قالت الوزيرة إنّ الهدف من ذلك هو حماية القائمين على العمل الخيري وعدم تعرضهم لأي مكروه، مطالبة ممثلي الجمعيات الخيرية بالتعاون الواسع مع الوزارة في الفترة الراهنة ليتسنى تخطي مسألة التقييم الدولي.

3