هيمنة سلاح حزب الله في السلم تورث أزمة في النزوح وقت الحرب

يتردد صدى ممارسات حزب الله والاستقواء بالسلاح خلال سنوات طويلة من فرض سلطة الأمر الواقع في المشاهد اليومية والمناوشات بين النازحين والأهالي أو قوى الأمن في البيئة المضيفة ما يعكس أزمة ليس من السهل معالجتها.
بيروت- تبرز الاشتباكات بين قوى الأمن اللبنانية والنازحين في بيروت على خلفية محاولة إخلاء مبنى، عمق الأزمة التي تسببت بها سنوات طويلة من هيمنة سلاح حزب الله على البلاد وانعكست على ممارسات قسم كبير من بيئته الحاضنة حتى في أماكن النزوح وباتت مشكلة تؤرق السكان.
وحاولت القوى الأمنية، بناء على قرار قضائي، إخلاء المبنى الواقع في شارع الحمرا الرئيسي بالقوة، وسط انتشار كثيف لوحدات من الجيش في المكان. وتخلل ذلك وقوع صدامات وتدافع مع قاطني المبنى الذين رفض عدد منهم الخروج وقطعوا الطريق الرئيسي ودفعوا بمستوعبات النفايات إلى وسط الشارع احتجاجا على وقع هتافات غاضبة.
ومنذ بدء تدفق عشرات الآلاف من سكان الضاحية الجنوبية إلى بيروت ومناطق مجاورة خصوصا، اقتحم بعض النازحين أبنية فارغة أو مهجورة بحثا عن مكان للنوم، في مشاهد ذكرت اللبنانيين بالحرب الأهلية التي شهدها البلد (1975 – 1990)، وانتشرت خلالها على نطاق واسع عادة “مصادرة المنازل” الخالية من أصحابها.
وتعمل قوى الأمن منذ ذاك الحين على إخلاء أبنية بعد لجوء نازحين إليها، خصوصا في بيروت.
وجاءت محاولات قوى الأمن بناء على دعوى من مالكيه بعيد تأكيد وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي اتخاذ الأجهزة المعنية “تدابير استثنائية” لضمان الأمن في مختلف المناطق و”إزالة التعديات على الأملاك العامة والخاصة في بيروت”.
وقالت أمل التي نزحت مع والديها من ضاحية بيروت الجنوبية على خلفية الغارات الإسرائيلية الكثيفة على المنطقة بعد إخراجهم من المبنى “اقتحموا (القوى الأمنية) المبنى فجأة كما لو أن إسرائيل تهجم على أعدائها، لا كأننا لبنانيون نتعامل مع بعضنا البعض”.
وأضافت بينما كانت تقف أمام المبنى على وقع تدافع شبان نازحين مع قوى الأمن والجيش “أرادوا إخراجنا بالقوة ومن وجدوا باب شقته مقفلا خلعوه”.
وبعد أخذ ورد، أعلنت قوى الأمن الداخلي في بيان أنه “بعد تجمهر عدد كبير من المعترضين، اتصل النائب العام التمييزيّ وأشار بإعطائهم مهلة 48 ساعة إضافيّة لإخلائه”. وبناء على الاتصال، غادرت قوى الأمن المكان.
وقال رئيس بلدية بيروت عبدالله درويش إن المبنى يعد “أملاكا خاصة، وقدّم مالكوه دعوى عند النائب العام التمييزي لإخلائه”.
ومع فرار أكثر من مليون شخص من منازلهم في لبنان على وقع الغارات الإسرائيلية، أكد وزير الداخلية إثر اجتماع مع أمنيين وإداريين للبحث في الوضع الأمني أن قيادة الدرك وشرطة بيروت تقومان “بمعالجة المشاكل الناتجة عن النزوح ومنع الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة”.
وفي بلد لطالما عانى من المشاحنات والانقسامات الطائفية والسياسية، أثار تدفق النازحين إلى بيروت ومناطق أخرى، حساسيات وارتيابا وتوترا في بعض المناطق، خصوصا بعد استهداف شقق يقطنها نازحون في مناطق غير محسوبة على حزب الله.
◄ مشاهد تذكر اللبنانيين بالحرب الأهلية انتشرت خلالها على نطاق واسع عادة «مصادرة المنازل» الخالية من أصحابها
ولم تخف لارا (18 عاما) غضبها من محاولة إجلائها وعائلتها بالقوة من المبنى الاثنين. وقالت لوكالة فرانس برس بانفعال “بقينا داخل المبنى باعتبار أنهم (قوى الأمن) لن يدخلوا لوجود نساء، وكنا نعتزم المغادرة بعد انتهاء الأزمة”. وتابعت “فجأة دخلوا وبادروا إلى الضرب وبدأت النساء في الصراخ”.
وعلى مقربة منها، قاطعتها سيدة بالقول “إما نذهب إلى المقبرة أو نعود إلى منازلنا”.
في المقابل، يتردد صدى ممارسات حزب الله والاستقواء بالسلاح في البيئة المضيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول الأهالي إن البعض من النازحين من الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان حملوا ممارسات حزب الله إلى مناطق اللجوء.
وروى النائب السابق فارس سعيد واقعة حصلت الأسبوع الماضي في منطقة شاوية أفقا الجردية والتي تقع بين أفقا والغابات، حيث قال “هذه المنطقة تشهد نزاعات قديمة بين عائلات من الغابات وأخرى من أفقا وتطورت إلى درجة صدور أحكام قضائية. إلا أن المشاكل استمرت بسبب عدم استكمال أعمال المسح حتى الآن كما العادة”.
وتابع “واليوم ثمة إشكالية جديدة أضيفت نتيجة نزوح عائلات من مناطق البقاع والضاحية الجنوبية وقد فقدت الغالبية منازلها فلجأت إلى هذه المنطقة وتحديدا إلى أرض مملوكة في غالبيتها من قبل عائلات من آل زعيتر وآل الراعي لكن ثمة أراض أخرى افترشوها وهي مملوكة من وقف مار عبدا”.
وبحجة أن الغالبية فقدت السقف الآمن والمنزل وصلت الأسبوع الماضي مجموعة مسلحة – مع الإشارة إلى أنها كانت تحمل السلاح بشكل ظاهر- وبدأت بتشييد بناء على أرض المنطقة من دون أيّ رخصة بناء. وعلى الفور توجهت عناصر من قوى الأمن تابعة لمخفر العاقورة للوقوف على ما يحصل إلا أنها اصطدمت بالعناصر المسلحة ووقع إشكال كاد يتطور إلى إطلاق نار”.
وبعد رفع الشكوى أمام النيابة العامة أصدر القاضي سامر ليشع قراراً يقضي بإزالة البناء كونه يشيّد من دون رخصة وعلى أرض مملوكة من الغير.
وبنتيجة الاتصالات التي أجراها سعيد مع مرجعيات سياسية وأمنية رفيعة، واستنادا إلى القرار القضائي الصادر عن القاضي ليشع وبناء على التوصية السياسية واستنادا إلى القرار القضائي تحرك حوالي 200 عنصر من القوة الضاربة وتوجهوا إلى المكان لتنفيذ القرار إلا أن النازحين ضغطوا على مرجعياتهم في حزب الله وقالوا لهم حرفيا “بيوتنا تدمرت، هربنا إلى هنا حتى نبني بيوتا ثم تأتي الدولة وتطبّق علينا القانون ونحنا لن نسمح لها. وأنتم يجب أن تحمونا”.
وبحسب سعيد “بيئة الحزب أحرجت مرجعياتها، فتدخلت على أعلى المستويات وأوقفت قرار القاضي ليشع الذي أصدر قرارا ثانيا بعنوان “وقف الهدم وإعطاء مهلة 15 يوما مع وقف الأعمال”.
وأضاف “يمكن القول إن الدولة عجزت عن إزالة مخالفة وهذا ضعف كبير وفاضح والقضاء أعطى مهلة 15 يوما وبرأيي إنها قابلة للتجديد. والأخطر أن بيئة حزب الله لم تعد تلتزم بقرارات الحزب حتى لو أبدى نية للتعاون وإزالة المخالفة، إنما باتت تفرض عليه أن يتدخل لمصلحتها ضد القانون وإلا سترتفع النقمة”.
ويعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة، حيث تكتظ مراكز الإيواء بهم، في وقت تواجه فيه المؤسسات الإنسانية والمنظمات الإغاثية صعوبات كبيرة في تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء وماء وأدوية نتيجة الضغط الكبير الناتج عن العدد المتزايد من النازحين. كما أن الوضع الصحي يزداد تعقيداً، خصوصاً بعد تسجيل حالة إصابة بالكوليرا لمريضة لبنانية من بلدة السمونية في عكار شمال البلاد، مما يثير مخاوف من تفشي الأوبئة بين النازحين ومجتمعاتهم المضيفة.
ورغم وضع الحكومة اللبنانية خطة طوارئ منذ بداية فتح حزب الله الجبهة الجنوبية، والجهود الدولية لإرسال المساعدات، إلا أن الاحتياجات على الأرض تفوق ما يتم تقديمه، ولذلك دقت منظمات دولية ناقوس الخطر، محذرة من تفاقم الأوضاع الإنسانية، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لتقديم الدعم والمساعدة للنازحين الذين يعيشون في ظروف كارثية.
وتأتي الأزمة الحالية في لبنان في وقت حساس للغاية، حيث يرزح نحو 70 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر متعدد الأبعاد، بحسب ما أفاد البنك الدولي. ومع تزايد أعداد النازحين تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تعميق معاناة البلاد، مما قد يشكل منعطفاً جديداً في مسار التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.