ميقاتي يحتج على تدخل إيران: مناورة أم أولى علامات التمرد في لبنان

رؤساء الحكومات الحلقة الأضعف في المعادلة التي يسيطر عليها حزب الله، سواء ميقاتي أو الحريري أو السنيورة.
السبت 2024/10/19
هل تغيرت الظروف

بيروت - ندّد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الجمعة بـ“تدخّل فاضح” في الشأن اللبناني إثر تصريحات نسبت إلى رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف حول استعداد بلاده للتفاوض مع فرنسا من أجل وقف لإطلاق النار في لبنان. ويعد هذا الموقف نادرا على الصعيد الرسمي في لبنان منذ سنوات، في ظل تحكّم حزب الله في القرار السياسي.

وليس معروفا ما إذا كان كلام ميقاتي نوعا من المناورة، التي عرف بها رؤساء الحكومات في لبنان عندما يتعلق الأمر بحزب الله أو إيران، أم أن رئيس الوزراء اللبناني أرسل أولى إشارات التمرد على النفوذ الإيراني في البلد مستفيدا من تطورات الحرب التي قادت إلى مقتل أبرز قادة حزب الله.

وظل سلوك الحكومات اللبنانية المتعاقبة تسويفيا على مدى سنوات لأنها كانت في الحقيقة تحت الوصاية المباشرة لحزب الله وآليات التخويف التي يمارسها بحق الدولة وبحق السياسيين. وكان هامش انتقادهم لنفوذ الحزب وسلاحه محدودا، ومثّل موقفهم في الغالب تغطية على هذا النفوذ وتشريعا له.

ومثّل رؤساء الحكومات الحلقة الأضعف في المعادلة اللبنانية التي سيطر عليها حزب الله مدة طويلة، سواء نجيب ميقاتي أو سعد الحريري أو حتى فؤاد السنيورة. وهؤلاء ليسوا سياسيين بالمعنى الحرفي للكلمة، بل رجال أعمال سنّة يراعون مصالحهم ومصالح الآخرين انطلاقا من قبول فكرة هيمنة حزب الله وعدم الخروج عليها ولو من باب المناورة أو حفظ ماء الوجه.

◙ سلوك الحكومات اللبنانية المتعاقبة ظل تسويفيا على مدى سنوات لأنها كانت تحت الوصاية المباشرة لحزب الله وآليات التخويف

وما حدث بعد سلسلة الضربات التي تلقاها حزب الله على مختلف المستويات، وأهمها مقتل أمينه العام حسن نصرالله وانقطاع المشهد الذي يستعرض القوة أو يقدم الولاء علنا لإيران، هو أن شخصية مثل ميقاتي صارت تفكر في المرحلة القادمة التي من سيناريوهاتها وضع ضعيف لحزب الله، أي إيران، في لبنان، فلا مانع من الظهور بمظهر عدم الرضا أو حتى التمرد على طهران بشكل علني.

ووجد ميقاتي الفرصة ملائمة لإظهار انتقاده وتمرده بعد أن جاءت من شخصية ليست محورية في إيران، وهي شخصية رئيس البرلمان الذي سارع إلى إصدار بيان يفند فيه تفسيرات كلامه التي يرى أنها غير دقيقة. وفي مقابلة نشرتها صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية الخميس، نقلت الصحيفة عن قاليباف قوله إن بلاده مستعدة لـ“التفاوض” مع فرنسا حول تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701.

لكن مصدرا إيرانيا مقربا من قاليباف نفى صحة تفسير تصريحاته وقال لمحطة الميادين الموالية لإيران، دون ذكر اسمه، إن أي تعاون مع أوروبا سيهدف إلى وقف إطلاق النار بما توافق عليه الحكومة اللبنانية و“المقاومة”، في إشارة إلى حزب الله.

وبدت تصريحات ميقاتي مفاجئة للرأي العام خاصة أنه سعى منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية إلى إعلان استعداد لبنان لتطبيق القرار الأممي 1701 وانتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، وعمل على إظهار هذا الالتزام على أنه موقف لبناني رسمي مدعوم من حزب الله، في خطوة بدا الهدف منها سحب ذريعة التدخل الإسرائيلي وإنقاذ الحزب.

وآنذاك شدّد رئيس الوزراء اللبناني على "التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن… لاسيما بشقّه المتعلق بنشر الجيش في جنوب لبنان وتعزيز حضوره على الحدود اللبنانية"، وأن "حزب الله موافق أيضا".

واعتبرت أوساط سياسية لبنانية مطلعة أن تحرك ميقاتي، الذي كان مسنودا بموقف نبيه بري رئيس البرلمان والواجهة السياسية للثنائية الشيعية، استجابة لإشارات ممن بقي من قيادة حزب الله من أجل تحرك سياسي يخفف الضغط عن الحزب.

لكن مراقبين يرون أن احتجاج ميقاتي على الوصاية الإيرانية يعكس مزاجا لبنانيا متصاعدا يعتبر أن حزب الله فرض الحرب على البلد، وأنه يدفع الجميع نحو الهاوية من أجل مصالحه ومصالح إيران، مشيرين إلى أن طيفا واسعا من اللبنانيين يأمل في أن تقود الحرب إلى إعادة التوازن السياسي بدلا من سيطرة طائفة على المشهد برمته تحت شعار “أولوية المقاومة".

ونقل بيان حكومي لبناني عن ميقاتي قوله إن تصريحات قاليباف تصل إلى حد اعتبارها “تدخلا فاضحا في الشأن اللبناني". وأضاف ميقاتي أنه “استغرب” تصريحات قاليباف وقال إنها "محاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان”، معتبرا أن "موضوع التفاوض لتطبيق القرار الدولي رقم 1701 تتولاه الدولة اللبنانية".

وطلب ميقاتي من وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبدالله بوحبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت والاستفسار منه عن حديث قاليباف. ويجد لبنان نفسه في وضع صعب بسبب الهجوم الإسرائيلي، الذي خلق أزمة إنسانية كبيرة من خلال نزوح عشرات الآلاف من مناطق الحرب وعجز الحكومة عن إيوائهم وتوفير المعيشة لهم.

1