صحافيون على ظهر دبابة في جنوب لبنان.. كيف تكون التغطية الإعلامية

استنكر وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري دخول صحافيين من مؤسسات إعلام غربية إلى جنوب البلاد برفقة الجيش الإسرائيلي، مؤكدا أنها مخالفة للقانون الدولي وتفتقر إلى التغطية المهنية في ظل انحياز كامل للرواية الإسرائيلية.
بيروت - وجه وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري رسالة احتجاج إلى عدد من وسائل الإعلام الغربية اعتبر فيها أن مرافقة صحافييها للقوات الإسرائيلية خلال توغلها في أراض لبنانية تعد انتهاكا للقانون الدولي، وتضفي شرعية على العمليات العسكرية، في ما طرحت تساؤلات حول مسار تغطية إعلامية على ظهور الدبابات.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن المكاري وجه كتابا إلى ثماني مؤسسات إعلامية أميركية وبريطانية أكد فيه “عدم جواز مرافقة صحافييها المعتمدين، قوات الجيش الإسرائيلي خلال توغله في أراض لبنانية، لأن في ذلك انتهاكا للقوانين وإضفاء للشرعية على الأعمال العدائية للجيش الإسرائيلي”.
وأعرب عن “قلق الحكومة اللبنانية البالغ” من وجود صحافيين من وسائل الإعلام المعنية “برفقة الجيش الإسرائيلي”، وشدد على “احترام المبادئ الأساسية لحرية الصحافة ودعمها”، لافتا في المقابل إلى أنه “من المهم التأكيد أن حرية الصحافة يجب أن تعمل ضمن حدود القانون واحترام السلامة الإقليمية”.
وكان الجيش الإسرائيلي نظّم جولة دعائية الأحد الماضي لعدد من الشبكات الإعلامية الغربية في منطقة لبنانية حدودية، وأطلعهم على ما قال إنها ثلاثة مواقع لحزب الله بينها نفقان على بعد مئات الأمتار فقط من الحدود، مما أثار الجدل حول خطوة دخول الصحافيين برفقة قوات أجنبية لأراضي دولة أخرى.
وضمت المجموعة صحافيين من مؤسسات إعلام كبرى مثل بي. بي.سي وسي. أن. أن ووكالتَي رويترز وأسوشيتد برس وإف.تي وفوكس نيوز، لإطلاعهم على ما وصفه العسكريون بأنه “بنية تحتية واسعة النطاق للمسلحين”، أقامت فيها جماعة حزب الله المسلحة قواعد عمليات أمامية.
وقبلها بيوم نشرت بي. بي. سي تقريراً من داخل القرى اللبنانية الحدودية، اعتبرها الإعلام اللبناني، روايةً واضحةً من وجهة نظر إسرائيلية. حيث اعتمد أسلوب التغطية بشكل رئيسي على المعلومات التي يوفّرها الجيش الإسرائيلي، مع التركيز على تبرير العمليات العسكرية، بصفتها ردّاً على تهديدات “الإرهابيين”.
وشرح الجنود الإسرائيليون الذين رافقوا الفريق الإعلامي الغربي ومن بينهم مصور من وكالة فرانس برس، عبر منطقة حرجية جلية، أن المكان بجوار بلدة الناقورة بالقرب من الحدود.
وذكرت الوكالة الفرنسية أن الجنود امتنعوا عن تحديد المسافة المتواجدين فيها داخل الأراضي اللبنانية ولم ير الصحافيون أيّ أشخاص آخرين في المنطقة خلال هذه الجولة التي استمرت 90 دقيقة.
وتم حصر حركة الصحافيين من جانب الجيش الإسرائيلي في منطقة محدودة في ما كان ينبغي الحصول على إذن الجيش لنشر صور ومقاطع مصورة أخذت خلال الجولة.
وأشار الوزير اللبناني إلى أن إرسال الصحافيين جنبا إلى جنب مع القوات المعادية أثناء التوغل في أراضي دولة أخرى، يثير مخاوف قانونية كبيرة لجهة انتهاك المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة.
وأضاف أنه “من خلال مرافقتهم جيش العدو قد ينظر إلى الصحافيين، سواء عن قصد أو عن غير قصد، على أنهم يضفون الشرعية على أعمال العدوان”.
المكاري أكد على أن حكومة لبنان تحتفظ بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات
ولفت إلى أن اتفاقيات جنيف تلزم جميع الدول والأفراد الامتناع عن المشاركة في انتهاك القانون الدولي وضمان عدم تسهيل مثل هذه الانتهاكات. ونبه إلى أنه “يمكن تفسير الانضمام إلى القوات العسكرية المشاركة في أعمال عدوانية وغير قانونية بأنه مشاركة أو تواطؤ في مثل هذه الأعمال”.
كما أشار إلى أن مرافقة الصحافيين للجيش الإسرائيلي في أراض لبنانية تعتبر انتهاكا للقانون اللبناني الذي يحظر الدخول غير المصرح به والذي يحمي الأمن القومي ويحظر التعاون مع القوات الأجنبية المعادية المشاركة في عمليات عسكرية غير مشروعة.
ولفت المكاري إلى أن الميثاق العالمي لأخلاقيات الاتحاد الدولي للصحافيين 2019، يحض على “استخدام الأساليب العادلة فقط للحصول على المعلومات”، وأن “الانضمام إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي في عمل عدواني وغزو لأراضينا السيادية، لا يمكن اعتباره وسيلة عادلة للحصول على المعلومات”.
ورأى الوزير في كتابه إلى وسائل الإعلام المعنية أن “ما حصل يعرّض الصحافيين للخطر وينتهك سيادة لبنان”. وأضاف أن “دخول صحافييكم مع جيش العدو الإسرائيلي في هذه الظروف، يجعلهم مشاركين غير مباشرين في الصراع وفي الأعمال العدائية التي تنتهك سلامة أراضينا، وهو ما قد يضفي الشرعية على العمل العسكري الإسرائيلي غير القانوني ويقوض سلامة جميع المشاركين”.
سي. أن. أن اتُّهمت بتمرير الروايات الإسرائيلية حول الحرب، وتعرّضت وكالتا رويترز وأسوشيتد برس لانتقادات مماثلة بسبب ما اعتبر تغطيات تنقصها الموضوعية
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 23 سبتمبر الماضي هجوما على لبنان أَطلق عليه اسم “سهام الشمال”، في حين يشن حزب الله في المقابل هجمات صاروخية على قواعد ومواقع إسرائيلية في تصعيد خطير للقصف المتبادل بينهما منذ الثامن من أكتوبر 2023 على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وقال الضابط في الجيش الذي رافق الصحافيين اللفتنانت كولونيل روتيم الذي لم يفصح عن كامل اسمه “هكذا يتم بناء موقع هجوم متقدم. وهذا ما عثرنا عليه هنا على بعد 300 متر من موقع للأمم المتحدة”.
ورأى الصحافيون كذلك حفرة وسط مجموعة من الأشجار قال الجيش إنها كانت موقعا لحزب الله. وشاهد مصور وكالة فرانس برس آليات عسكرية إسرائيلية تعبر الحدود إلى لبنان قرب الناقورة حيث قطع الجنود أشجارا قرب مدخل أحد الأنفاق.
وأجرى الجيش الإسرائيلي جولات لصحافيين من وسائل إعلام في جنوب لبنان منذ بدأت إسرائيل هجومها البري في 30 سبتمبر.
وتضاف انتقادات الوزير اللبناني إلى اتهامات متزايدة للإعلام الغربي بالانحياز إلى الرواية الإسرائيلية. حتى أن الاحتجاجات على هذه التغطية خرجت من البعض من العاملين في هذه المؤسسات، إذ سبق أن اتهم عدد من الصحافيين في بي. بي. سي، مؤسستهم العام الماضي بفقدان المصداقية، وجاءت اتهاماتهم بأن التغطية الإخبارية في غزة تتسم بمعايير مزدوجة.
ولم يقتصر الأمر على بي. بي. سي فقط، بل يمتد ليشمل وكالات إخبارية أخرى مثل سي. أن. أن ورويترز. وعلى سبيل المثال، اتُّهمت سي. أن. أن بتمرير الروايات الإسرائيلية حول الحرب كذلك، وتعرّضت وكالتا رويترز وأسوشيتد برس لانتقادات مماثلة بسبب ما اعتبر تغطيات تنقصها الموضوعية.
وحض المكاري وسائل الإعلام التي توجه إليها “على التزام عدم إرسال صحافييكم برفقة جيش العدو الإسرائيلي في أيّ عمليات تنطوي على توغل في أراضينا”، مؤكدا أن “حكومة لبنان تحتفظ بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات”.