الحوار الوطني بمصر يبحث عن صلات شعبية لتمرير قرارات صعبة

استبعاد قضايا رئيسية أضعف استجابة المعارضة للحوار.
الأربعاء 2024/10/16
إدارة الحوار بحاجة لتبرهن أنها منصة مدفوعة بقوة سياسية لتنفيذ ما يخرج عنها من توصيات

يسعى الحوار الوطني في مصر لترميم صورته بعد أن كان التعويل عليه كبيرا بشأن إحداث إصلاح سياسي واسع عند انطلاقته، ويحاول إقناع الرأي العام بدوره السياسي عبر فتح المجال للمشاركة العامة في تقييم جلساته وعرض المقترحات.

القاهرة - يواجه الحوار الوطني في مصر معضلة بسبب التباعد بين خطواته نحو إصدار توصيات ومخرجات جديدة تتعلق بقضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، وبين اهتمام الرأي العام بما يقوم به من أدوار بعد أن نظم أكثر من مئة جلسة نقاشية على مدار عامين، ما يفسر طلبه من المشاركين في الجلسات تقييمها مع إفصاحه عن آليات استقبال مقترحات المواطنين ومسارها وصولا إلى النقاش حولها وإقرارها في شكل مخرجات ترفع إلى رئيس الدولة.

وطرح الحوار الوطني عبر صفحته الرسمية استطلاعا للرأي لمن شاركوا في جلساته السابقة، وطالبهم بتقديم تقييم لها وإبداء ملاحظاتهم حول سيرها وعملية تنظيمها، باعتباره يساعد في تطوير آليات العمل وتحديد نقاط القوة والضعف.

وتتزامن هذه الخطوة مع إعلان أمانة الحوار الوطني انتهاء المهلة المحددة لاستقبال المقترحات الخاصة بقضية التحول نحو الدعم النقدي، وقيامها بعملية تجميع وبلورة كافة المقترحات تمهيدا لعرضها على مجلس الأمناء.

ومن المقرر أن تنعقد جلسات نقاشية علنية لمدة أسبوعين تتضمن التباحث حول كافة قضايا الدعم قبل التوصل إلى حلول عملية لها.

وتشغل قضية الدعم النقدي الجزء الأكبر من الجدل، إذ إن المعارضة توجه اتهامات للحكومة بأنها توظف الحوار لتمرير توجهها نحو إلغاء الدعم العيني الحالي، وسط مخاوف متصاعدة من أن تقود التوصيات إلى زيادة الأعباء على الفقراء، ما يشي بأن خلق دعم شعبي للجلسات المقبلة أمر ملح، خشية أن لا يتحقق التوافق المنشود حول القرار للتخفيف من تبعات معارضته حال جرى تمريره بالفعل.

ويسعى الحوار لترميم صورته بعد أن كان التعويل عليه كبيرا بشأن إحداث إصلاح سياسي واسع عند انطلاقته، وبعد ضعف الاستجابة معه والأخطاء التي وقعت بشأن استبعاد قضايا رئيسية كان يمكن أن يتحقق حولها توافق بين الحكومة والمعارضة.

حسن سلامة: فكرة المشاركة وإتاحة إبداء الرأي يحتاجها المجتمع المصري حاليا
حسن سلامة: فكرة المشاركة وإتاحة إبداء الرأي يحتاجها المجتمع المصري حاليا

وهناك قناعة بأن الحوار كان يمكن أن يقود إلى إقناع المعارضة ببعض توجهات الحكومة العاجلة والتي بحاجة إلى التوافق عليها مثل قضية التحول نحو الدعم النقدي حال قُدم ما يثبت أن الحوار منفتح بشكل حقيقي على مساعي المعارضة لإيجاد مساحة حركة أكبر لها، خاصة في ما يتعلق بالإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي.

 وعلى الرغم من كون الحوار دعم إطلاق سراح عدد منهم، غير أن ذلك جرى بشكل بطيء ودون استجابة للإفراج عن بعض الناشطين المعروفين ممن حددتهم المعارضة، وهو ما جعل الفجوة تتسع.

ويتفق البعض من السياسيين على أن علنية الجلسات الخاصة بالتحول نحو الدعم النقدي ليست كافية لإقناع المواطنين بوجود توافق حول هذا الملف، وستكون إدارة الحوار بحاجة إلى أن تبرهن على أنها منصة مدفوعة بقوة سياسية تساهم في تنفيذ ما يخرج عنها من توصيات مع عرقلة الكثير منها، إلى جانب التأكيد على وقوفها على مسافة واحدة من جميع الرؤى والانفتاح على نحو أكبر مع الأحزاب والقوى التي انسحبت.

ويمكن أن يحدث ذلك من خلال إصدار تشريعات تتعلق بمباشرة الحقوق السياسية وتحديد شكل الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى جانب التعاطي مع ملف المحبوسين.

ومن المتوقع أن يناقش الحوار خلال جلساته المقبلة قضايا فرعية داخل منظومة الدعم بينها البيانات الرسمية حول الدعم في مصر، وتحديد مستحقيه ومتطلباتهم، ومزايا وعيوب الدعم العيني والنقدي، وآليات وضمانات وصول الدعم إلى مستحقيه، بحضور واسع من الخبراء والمتخصصين وجهات سياسية ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، مع مراعاة التمثيل الكامل والمتوازن لكل مدارس الفكر والعمل في مصر، لبلورة التوجهات والتوصيات التي تم التعبير عنها في الجلسات العامة.

من المقرر أن تنعقد جلسات نقاشية علنية لمدة أسبوعين تتضمن التباحث حول كافة قضايا الدعم قبل التوصل إلى حلول عملية لها

وقال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إن إقدام الحوار الوطني على تقييم جلساته يعد خطوة إيجابية تتماشى مع تحوله إلى مؤسسة تستمر في أداء عملها دون أن تكون مجرد أداة موسمية للحوار، وأن المشاركة الشعبية في تقديم المقترحات أو التعرف على وجهات النظر في عملية إدارة الجلسات تهدف إلى توسيع نطاق انتشارها وتعريف المواطنين بها.

وأوضح لـ”العرب” أن هذا الاتجاه يرسخ لمضمون يغيب عن الكثير من الإجراءات السياسية في مصر ويرتبط بالنقد الذاتي، وأن فكرة المشاركة وإتاحة إبداء الرأي على نطاق واسع يحتاجها المجتمع المصري في هذا التوقيت.

وأضاف أن انتظار الحوار الوطني لعقد أكثر من مئة جلسة للتقييم الذاتي مؤشر سلبي وسيكون بحاجة إلى التقييم على عدد قليل من الجلسات لضمان تصويب مساره مع أهمية أن يستمر هذا التقييم بمواصلة الحوار، وتسريع عملية انعقاد الجلسات وعدم الارتكان إلى فواصل زمنية طويلة بينها بما يؤدي إلى تراجع الاهتمام بما يناقشه من قضايا مهمة.

ويطلع سلامة إلى أن يكون الهدف من وراء استطلاع الرأي أكثر شمولية من مسألة الرغبة في حشد الرأي العام نحو النقاش حول قضية الدعم، وضرورة استطلاع آراء المواطنين في تلك القضية من خلال إجراء حوارات شعبية، وأن لا يقتصر الأمر على رؤى المشاركين في جلسات الحوار المباشر، لما لها من أهمية لدى الرأي العام.

وأكد حسن سلامة أن ضمان نجاح الحوار في تحقيق أهدافه يتطلب مساندة شعبية، بما يضمن حيويته، وفي حال انكفأ على نفسه سوف يصاب بالجمود، ما يجعله أمام تحد رئيسي يتعلق بمدى قدرته على جذب الجمهور حوله من عدمه.

وتحويل توصيات الحوار تجاه قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية إلى قوانين وقرارات تنفذ على أرض الواقع هو السبيل الأكثر جدية إذا كانت لدى أمانته العامة رغبة في استعادة ثقة المواطنين والحصول على دعم وتأييد شعبي لما يصدر من مخرجات، وفتح مسارات جديدة للحركة السياسية بما يجعل الحوار حاضرا شعبيا.

وبدأ الحوار الوطني كاستجابة للحاجة إلى مناقشة القضايا الوطنية الكبرى، ومعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وكمنصة تفاعلية تهدف إلى إشراك مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية في حوار مفتوح وشفاف، بغية الوصول إلى توافق حول الأولويات الوطنية والتوصيات اللازمة لتطوير مصر.

2