تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي يعيد الزخم لخطط الدبيبة التنموية

طرابلس - زار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة موقع منطقة الأبراج في العاصمة طرابلس السبت لمتابعة عدد من المشاريع الإنشائية التي تجرى بها، بعد توقف دام لأشهر بسبب القيود المالية التي فرضها محافظ المصرف المركزي السابق الصديق الكبير على حكومة الدبيبة حيث اكتفى لأشهر بصرف المرتبات مع ميزانيات تسييرية للمؤسسات.
وأدى ذلك إلى تراجع الزخم بشأن خطة “عودة الحياة” التي أطلقها الدبيبة منذ تسلمه السلطة ورفعت أسهمه بشكل كبير لدى الليبيين. وقالت منصة “حكومتنا”، في بيان لها، إن الزيارة شارك فيه رئيس وأعضاء الفريق التنفيذي لمبادرات الرئيس والمشاريع الإستراتيجية، وذلك ضمن خطة “عودة الحياة”. ودعا الدبيبة إلى ضرورة تنفيذ المشروع بمواصفات عالية ووفق أفضل المعايير الهندسية، “مع التركيز على سرعة الإنجاز ودقة التنفيذ، بما يضمن الاستفادة القصوى من المنطقة، وتحسين المشهد الحضري لطرابلس”، حسب البيان.
وباشرت شركة الخدمات العامة في طرابلس أعمال تهيئة الموقع، إذ أطلعت إدارة الشركة الوفد الزائر على خرائط توضيحية للأعمال التي ستنجز في الموقع. وأوضح البيان “تهدف هذه الأعمال إلى تحويل منطقة الأبراج إلى مساحة خضراء متطورة، بالإضافة إلى إنشاء موقف للسيارات ومقاه وممشى بحري، مما يسهم في تحسين البنية التحتية، وتوفير مرافق جديدة لخدمة المواطنين”.
وكان مجلس النواب الليبي قد صادق بالإجماع على تعيين ناجي عيسى بلقاسم محافظا لمصرف ليبيا المركزي، ومرعي مفتاح رحيل البرعصي نائبا له. وذكر المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق أن الجلسة التي حضرها 108 من النواب وترأسها المستشار عقيلة صالح، أقرت تعيين الإدارة الجديدة للمصرف، مع الإشارة إلى تشكيل مجلس إدارة المصرف خلال عشرة أيام.
وتؤكد أوساط ليبية أن حالة استقطاب حاد وتجاذبات تعرفها البلاد حاليا نتيجة محاولة كل طرف من الأطراف السياسية الدفع بممثلين عنه إلى عضوية مجلس الإدارة التي تم توزيعها إلى ثلاثة من طرابلس وثلاثة من برقة وعضو واحد من فزان.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت عن ترحيبها بمصادقة مجلس النواب على تعيين محافظ ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي، بعد التشاور مع المجلس الأعلى للدولة. ودعت جميع الأطراف إلى ضمان عملية تسليم سلسة للقيادة الجديدة، وأكدت على ضرورة تعيين مجلس إدارة يتسم بالمصداقية والمهنية، لكن ذلك لم ينه الخلافات بين الفرقاء الأساسيين، وإنما لا تزال المواجهات مستمرة بأشكال مختلفة.
◙ أغلب المتداخلين في أزمة المصرف يبحثون عن مصالحهم الشخصية والأسرية والفئوية وليس عن مصالح الدولة أو الشعب الليبي
ويقول متابعون إن أغلب المتداخلين في أزمة المصرف إنما يبحثون عن مصالحهم الشخصية والأسرية والفئوية وليس عن مصالح الدولة أو الشعب الليبي، وهو ما يعني أن الصراع مرشح للاستمرار إلى أن يجد كل طرف ما يطمح إليه، أو أن تتم الإطاحة بالسلطات الحالية وإتاحة الفرصة للشعب لاختيار سلطة جديدة تمثله.
ويبدو أن الدبيبة قد تحصل على وعود من المحافظ الجديد ناجي عيسى بشأن إعادة تمويل المشاريع التنموية وهو ما سيجدد شعبيته رغم اتهامات بالفساد توجه إليه بشأن الاستفادة من هذه المشاريع مع لوبيات مقربة منه ومن عائلته. وتزايدت متاعب الدبيبة بسبب الخلاف مع المحافظ السابق لمصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير. وذكر تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية أن “الدبيبة يواجه منذ عدة أسابيع تراجعا في سياسته جراء تجفيف أموال الموازنة والحوار المتعثر مع القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر”.
وشددت الصحيفة على أن “أصعب تحد يواجه الدبيبة الآن هو انقطاع التمويل عن حكومته”، ما يثير تقديرات حول مصيره خاصة في ظل اتفاق المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وهي مكونات رئيسة في ليبيا، على إزاحته من منصبه. واعتبر المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة إسماعيل السنوسي أن “مصرف ليبيا المركزي هو المرجح لأي حكومة، أي أن استمرارية الحكومة تتوقف على دعم المصرف المركزي وذلك منذ بداية الانقسام السياسي في 2014”.
وقالت لوموند في تقريرها إن “محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير رفض الإفراج عن الأموال التي طلبها الدبيبة، ما أدى إلى تأجيج صراع حاد بين الرجلين". وفي فبراير الماضي، عبّر الصديق الكبير عن استيائه من زيادة الإنفاق الحكومي الذي وصل خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 420 مليار دينار.
وقال الكبير في خطابات موجهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في طرابلس إن “معظمها وُجِّه لنفقات استهلاكية على حساب الإنفاق التنموي بشكل ولّد ضغوطا على سعر صرف الدينار الليبي”، مستغربا من رغبة الدبيبة في أن يكون سعر صرف الدينار الليبي بواقع 1.3 مقابل الدولار الواحد، في الوقت الذي تزيد فيه الحكومة من النفقات الاستهلاكية.
وجاء هذا الخطاب في الوقت الذي يشهد فيه الدينار الليبي هبوطا حادا في السوق الموازية للعملات، بلغ اليوم 7.34 مقابل الدولار، وفي الوقت الذي يستقر فيه السعر الرسمي عند 4.85. كما تساءل محافظ مصرف ليبيا عن قفز مصروفات الدعم السلعي من 20.8 مليار دينار (4.35 مليار دولار)، بما فيها دعم المحروقات في عام 2021 إلى 61 مليار دينار (12.76 مليار دولار) في عام 2022، مؤكدا وجود خلل وتشوه وسوء إدارة في دعم المحروقات.
وحذر الكبير من أن الاستمرار بنفس السياسات المالية سيزيد الأمر تعقيدا، ويترتب عليه عجز مؤكد يستوجب العمل لتفاديه. وأوضح الكبير أن تحسن صرف الدينار واستدامة الحياة الكريمة “لا يتحققان إلا بحسن إدارة الموارد المالية التي يمثل النفط 95 في المئة منها". ويشغل الكبير منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011 والتي دفعت البلاد إلى دوامة الفوضى، وأصبح محافظ البنك لاعبا رئيسيا بين قادة الفصائل والسياسيين الذين يخوضون صراعا بلا نهاية على السلطة.
ومع انهيار الدولة بين الفصائل المتنافسة، ظل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط بعيدين عن الصراع مما كفل استمرار بعض وظائف الحكومة. وفي وقت سابق، طالب الدبيبة، في مراسلة وجهّها إلى محافظ المصرف المركزي الجديد ناجي عيسى، بعدم تنفيذ قرار البرلمان بخفض ضريبة بيع النقد الأجنبي إلى 20 في المئة، داعيا إلى إلغائها بالكامل.
وقال في رسالة موجهة إلى المحافظ الجديد إن قرار رئيس البرلمان الأخير بشأن تعديل قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي الذي حدد قيمة هذا الرسم بنسبة 20 في المئة لكل الأغراض “مخالف لأحكام القانون”، كونه تعديلا لقرار قد صدرت عدّة أحكام قضائية بإلغائه، إضافة إلى أنّ الجهة المختصة بفرض الرسوم ليست البرلمان أو رئيسه. وأشار الدبيبة إلى أن هذا القرار له انعكاساته المباشرة ويؤثر سلبا في معيشة المواطن نتيجة ارتفاع سعر السلع الأساسية اللازمة للمواطنين المؤتمنة على توفيرها حكومة الوحدة الوطنية، داعيا إلى احترام أحكام القضاء وتغليب الصالح العام.