رأس الحكمة تضع مصر أمام تحديات جذب الاستثمار

يؤكد إعلان البنك المركزي المصري بلوغ الاستثمار الأجنبي المباشر أعلى مستوى على الإطلاق، أن موقف الحكومة في هذا الملف بات صعبا، فهي أمام خيارين، إما القدرة على تحقيق طفرة جديدة أو الحفاظ على المعدلات الحالية كي لا يتم تشويه صورتها أمام المؤسسات الدولية.
القاهرة- تواجه مصر تحديات كثيرة للحفاظ على قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تحققت بدعم صفقة رأس الحكمة، التي عقدت بالتعاون مع دولة الإمارات مؤخرا.
ويقول الخبراء والمحللون إن الحكومة تحتاج إلى إعادة ضبط بوصلتها الاقتصادية لعقد صفقات مشابهة، بما يحقق أهداف الدولة في مسار الاستثمارات الجديدة.
ويأتي ذلك مع قفزة حدثت في صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الماضي ليبلغ أعلى مستوياته، مسجلا 46.1 مليار دولار، مقابل 10.1 مليار دولار في العام المالي السابق عليه، وفقا لبيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
وعزز من ذلك صفقة رأس الحكمة، التي تعتبر أكبر مشروع استثماري مباشر في البلاد، بقيمة قدرها 35 مليار دولار، أنقذت القاهرة من أكبر أزمة شح عملة أجنبية مرت بها.
وحسب بيانات المركزي، سجل صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد للقطاعات غير البترولية قفزة أيضا مسجلا نحو 46.4 مليار دولار، مقابل 11 مليار دولار في العام المالي السابق، بفضل رأس الحكمة.
ويرى محللون أن قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر التي أعلن عنها المركزي استثنائية ومن الصعب تسجيلها خلال العام المالي الجاري أو الذي يليه ما لم تكن هناك صفقات أخرى على غرار رأس الحكمة.
ومن أبرز الآليات التي ينبغي على السلطات التركيز عليها لتعزيز تدفق الاستثمارات المباشرة من الخارج، حال عدم توصلها لصفقة كبرى مثل رأس الحكمة، التوسع في منح الرخصة الذهبية للمستثمرين خلال الفترة المقبلة كوسيلة لمواجهة البيروقراطية.
وكشفت مصادر رسمية لـ”العرب” عن أن عدد الرخص الذهبية التي منحتها الحكومة ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للمستثمرين الأجانب ومعهم محللون ونحو 34 مستثمرا مصريا منذ تفعيل تلك المنظومة العام الماضي.
وتكمن أهمية الرخصة الذهبية في أنها آلية تسرع الحصول على تراخيص التشغيل والبناء والبيئة ومزاولة المشاريع في أسرع وقت (عدد قليل من الأيام) وللمشاريع العملاقة أيضًا.
ونجحت القاهرة في تفعيل إصدار الرخصة الذهبية إلكترونيًا بتأشيرة واحدة من مجلس الوزراء، ما يمكن المستثمر من البدء في المشروع وتشغيله وإدارته بأقل الإجراءات، مما يختصر الكثير من الوقت والجهد.
ومن الأدوات التى يمكن الاستناد عليها تنوع المناطق داخل المنطقة الاستثمارية الواحدة بالبلاد، حيث يسهل ذلك الحصول على التراخيص من المنطقة الاستثمارية الرئيسية وتديرها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المنوط بها التعامل مع مختلف الجهات الحكومية.
ووفق بيان للبنك المركزي، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لقطاع البترول خلال السنة المالية الأخيرة وحققت 5.7 مليار دولار مقارنة مع 5.6 مليار دولار قبل عام، حيث عززت الاستثمارات الجديدة لشركات البترول الأجنبية التدفقات الاستثمارية في القطاع.
46.1
مليار دولار حجم الاستثمارات المباشرة في السنة المالية الأخيرة مقابل 10.1 مليار قبل عام
ويرى خبير الاستثمار فؤاد ثابت أن مجتمع الاستثمار أصبح لديه نظرة إيجابية عن الاستثمار في السوق المصرية بعد التسهيلات التي وفرتها السلطات، وهي فرصة يجب استغلالها لعقد صفقات استثمار أو جذب مستثمرين جدد.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “تلك الثقة جاءت بعد تشكيل الحكومة الحالية وتعمل على تحفيز القطاع الخاص وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، منذ قرارات مارس الماضي من جانب البنك المركزي التي قضت على أزمة العملة والسوق السوداء”.
وأوضح أنه يقع على كاهل السلطات تحد كبير لتعظيم الاستثمارات المباشرة ويجب ألا تقل عن 20 مليار دولار خلال العام المالي الجاري مع تثبيت العام المالي قبل الماضي كسنة أساس، حال عدم قدرتها على تنفيذ صفقات جرى الحديث عنها مثل رأس بناس ورأس جميلة.
وتشهد السوق المحلية حالة من التفاؤل تم ترجمتها بتوسع عديد من الشركات العاملة بالبلاد خلال الفترة الحالية، بجانب زيادة الاستثمارات الإماراتية، واستثمارات هندية جديدة، وأخرى سعودية.
كما تشهد الفترة الحالية طلبات لشراء الأراضي من جانب مستثمرين أوروبيين كنتيجة مثمرة لمؤتمر الاتحاد الأوروبي الأخير، فضلا عن المشاريع الأجنبية الصغيرة والمتوسطة لشركات أجنبية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأكد الخبير الاقتصادي أشرف غراب أن تحقيق المستهدف المعلن عنه حاليا صعب للغاية، لكن يمكن أن تنجح الحكومة في مضاعفة الاستثمار عبر الترويج العالمي للفرص المتاحة في المناطق المتميزة مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والعين السخنة وغيرهما.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن حزمة التيسيرات الضريبية التي أعلنت عنها الحكومة ستكون بمثابة عامل جذب للاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة.
ومن العوامل التي عززت من زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي، تراجع التحويلات إلى الخارج والمتمثلة في قيمة استرداد التكاليف التي تحملها الشركاء الأجانب بقطاع البترول خلال فترات ماضية في أعمال البحث والتنمية والتشغيل.
واقتصرت تلك القيمة على 6 مليارات دولار، لينعكس ذلك على تحسن صافي التدفق للخارج ليقتصر على 351.6 مليون دولار، مقابل 982.5 مليون دولار للعام المالي 2022 – 2023.
وأشار غراب إلى أن مصر تتمتع بمجالات واعدة وفرص استثمارية ربما لا تتاح في أي بلد آخر مثل الزراعة والصناعة واللوجستيات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فضلا عن الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر وغيرهما.
ومن العوامل المحفزة والجاذبة للاستثمار استقرار ومرونة سعر الصرف والذي أصبح محل تركيز واهتمام من جانب السلطات النقدية في مسعى منها، كي يكون مستقرًا على الدوام بعد أن اتسم بالمرونة على مدى الأشهر الماضية، بجانب وفرة البنية التحتية وتطورها.
كما ينبغي حصر كافة العقبات والعراقيل التي تواجه الاستثمارات الأجنبية لحلها سريعا خاصة مع احتدام المنافسة في المنطقة على جذب الأجانب.
ويرى البعض من الخبراء أن خطة الحكومة لعقد الصفقات وجذب استثمارات مباشرة بحدة لن تكون من الخطوات اليسيرة، وهي محفوفة بالمخاطر في ظل احتدام التوترات بمنطقة الشرق الأوسط وتشعب الحروب والصراعات.
وعلاوة على ذلك يشكل تعطل وبطء الحركة التجارية في البحر الأحمر مشكلة أخرى، بعدما ألحق ضررا بالغا بحركة الملاحة ومرور السفن عبر قناة السويس.