وفرة إنتاج القمح تتحول إلى نقمة على العراق

فائض الإنتاج يأتي بعد هطول أمطار أفضل من المتوقع والحكومة تدرس خفض سعر الشراء المحلي للموسم المقبل.
الجمعة 2024/10/11
حققتم اكتفاءكم، والفائض أين سيذهب؟

تصطدم السلطات العراقية بمعضلة ارتداد سياساتها الداعمة لمنتجي القمح، والتي ستكلفها الموسم الحالي ملايين الدولارات بعد تحقيق فائض قياسي في الإنتاج وسط استمرار الاحتباس الحراري، رغم أن المسؤولين يرون أن المدفوعات ليست خسارة لأنها تفيد الاقتصاد.

النجف (العراق) - أظهرت مؤشرات حديثة أن الحصاد الوفير والفائض الضخم من الحبوب في العراق، وهو أحد أكبر مستوردي القمح في الشرق الأوسط، تركا الحكومة أمام احتمال خسارة صافية تقترب من نصف مليار دولار.

والفائض البالغ 1.5 مليون طن من القمح، والذي ساعده هطول أمطار أفضل من المتوقع ولكن الأهم من ذلك هو الدعم الحكومي، يشكل خبرا ممتازا للمزارعين.

ولكن بالنسبة إلى الحكومة، التي تدفع لهم أكثر من ضعف سعر السوق العالمي لتشجيع زراعة الغذاء الأساسي في ظروف قاحلة في الكثير من الأحيان، يبدو السعر مرتفعا.

ووفقا لحسابات أجرتها وكالة رويترز، استنادا إلى أرقام رسمية ومحادثات مع أكثر من عشرة مسؤولين حكوميين ومزارعين وأصحاب مطاحن ومحللين ومصدرين، ستتكبد الحكومة خسارة قدرها 458.37 مليون دولار.

عادل المختار: التخطيط ضعيف، لماذا ننتج أكثر مما نحتاج ونهدر الماء
عادل المختار: التخطيط ضعيف، لماذا ننتج أكثر مما نحتاج ونهدر الماء

وسيكون ذلك بمجرد أن تدفع للمزارعين، وعلى افتراض أنها تمكنت من بيع الفائض إلى مطاحن القطاع الخاص بسعر متفق عليه.

ويعتقد المنتقدون لهذه الوضعية أن الأمر يحتاج إلى تحقيق توازن أفضل بين تحديات تحفيز المزارعين والموارد المالية المحدودة وغيرها.

وقال عادل المختار، المستشار السابق للجنة الزراعة في البرلمان العراقي، لرويترز مع نبرة تساؤل “هذا تخطيط ضعيف. لماذا ننتج أكثر مما نحتاج، ما يؤدي أيضًا إلى إهدار المياه؟”.

ولتلبية احتياجات برنامج الدعم تحتاج الحكومة إلى ما بين 4.5 و5 ملايين طن سنويا. وتاريخيا كان العراق، كجزء من الهلال الخصيب من البحر المتوسط إلى الخليج العربي، هو المكان الذي تطورت فيه الزراعة منذ أكثر من 10 آلاف عام.

وتحتاج السوق المحلية سنويا حوالي 4.2 مليون طن لتحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح ويضاف نحو مليون طن مستورد يخلط لأغراض الجودة مع القمح المحلي، الذي لا تتوفر فيها مادة الجلوتين بالنسبة المطلوبة.

وفي السنوات الأخيرة عانت الزراعة المحلية من نقص هطول الأمطار المرتبط بتغير المناخ، وقلة المياه المتدفقة عبر نهريها الرئيسيين، دجلة والفرات، وعقود من الصراع الذي تداخل مع هذا القطاع الإستراتيجي.

وتصنف الأمم المتحدة العراق بين الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ على مستوى العالم، وهو ما يجعل الأمن الغذائي أولوية للحكومة.

لكن البلاد، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ستواجه أيضا تقليصا في الميزانية في عام 2025 بعد انخفاض أسعار النفط.

458.37

مليون دولار خسائر ستتكبدها الحكومة جراء شراء القمح المحلي بضعف الأسعار العالمية

وقال هاري استيبانيان، الخبير المستقل في مجال الطاقة والمياه في واشنطن، “إذا بدأت أسعار النفط في الانخفاض، فإن الحكومة يجب أن تدفع أولا رواتب موظفي الخدمة العامة”.

وأضاف استيبانيان، وهو زميل بارز في معهد الطاقة العراقي، “لذلك كم سيتبقى لدعم قطاع الزراعة؟ هذا هو السؤال الذي لا أحد يعرف الإجابة عنه”.

ويمكن لبغداد أن تحاول تصدير فائضها لكنها قالت إنها تفضل الاحتفاظ به داخل البلاد ودعم مطاحنها. وقال حيدر نوري، المدير العام لشركة الحبوب العراقية، لرويترز إن “مساحة التخزين المحدودة تعني أنها لا تستطيع تخزين الفائض للعام المقبل”.

وأوضح نوري أنه على الرغم من أن الحكومة كانت تشتري مقابل 850 ألف دينار (649.35 دولار) وتبيع مقابل 450 ألف دينار (346.8 دولار)، إلا أنها لم تعتبر ذلك خسارة لأن الحبوب ستبقى في البلاد.

وأضاف “لا توجد خسارة باعتبار أن الأموال تنفق داخل البلاد وبالعملة العراقية وتشغيل العمال ودعم المطاحن والاعتماد على المنتج المحلي والتخلي عن استيراد الدقيق من تركيا والإمارات والكويت”.

هاري استيبانيان: إلى أي مدى سيتم دعم الزراعة إذا تراجعت أسعار النفط
هاري استيبانيان: إلى أي مدى سيتم دعم الزراعة إذا تراجعت أسعار النفط

ويؤكد المزارعون أن الأمطار ساعدتهم لكن الدعم الحكومي كان حاسما. ويقول المزارع عاشور السلاوي في محافظة النجف جنوب العراق إن السعر الحكومي دفعه إلى زيادة المساحة التي يزرعها بالقمح بنسبة 50 في المئة لتصل الى 15 دونما.

وعلى النقيض من السنوات السابقة، أشار السلاوي إلى أن الأموال تم دفعها في الوقت المحدد.

أما عباس عبيد، وهو مزارع آخر في النجف، فقال إن “هناك فرقا كبيرا بين هذا العام والأعوام السابقة”. وأضاف “كان التعويض ولكننا حصلنا أيضًا على الماء والكهرباء والأسمدة المدعومة”.

واستنادا إلى هذه المعطيات يوضح محسن هدهود، رئيس التعاونية الزراعية في النجف، أن معظم المزارعين شهدوا تحسنًا كبيرًا في حياتهم.

وقال هدهود “تحسنت ظروف معيشة المزارعين بسبب دعم الحكومة لمحصول القمح. لقد أعادوا ترميم منازلهم وزادوا المساحات المزروعة وشراء الإمدادات الزراعية الجيدة”.

كما قدمت الحكومة الدعم لمحاصيل أخرى مثل الأرز، حيث اشترته بسعر يتراوح بين 850 ألف دينار ومليون دينار عراقي (بين 655 و770.7 دولار) اعتمادا على جودته.

وقد يؤدي قرار الاحتفاظ بفائض القمح في العراق إلى الضغط على الحكومة من قبل المطاحن لخفض أسعار البيع نظرا لقدرتها المحتملة على الاستيراد بأسعار أقل.

وقال علي فاضل مدير شركة الأسوار، وهي مطاحن من القطاع الخاص، “السعر الذي حددته الحكومة وهو 450 ألف دينار ليس نهائيا ونتوقع أن تراجع الحكومة السعر لأن السعر الذي ستبيعه الحكومة للمطاحن أعلى من السعر العالمي”.

وفي الوقت نفسه قد يجد المزارعون أنفسهم أقل مكافأة في موسم 2025، حيث قال نوري إن بغداد “تفكر في خفض السعر الذي تدفعه لهم”، وأضاف “من الممكن أن ينخفض سعر شراء القمح في العام المقبل لكنه لن يكون كبيرا وسيكون أعلى من السوق العالمية”.

ويقول المزارعون في النجف إن هذا يعني بلا شك انخفاض محصول القمح. وأكد حسين المرشدي الذي زادت إنتاجيته بأكثر من 60 في المئة هذا العام “ستكون كارثة إذا خفضوا السعر في العام المقبل”.

10