كربلاء توظف خبرتها باستقبال الزوار لاستضافة اللاجئين اللبنانيين

الحكومة العراقية تجد مصلحة في تكثيف الدّعم الإنساني للبنانيين لنزع ذريعة التدخل العسكري في الصراع من يد الميليشيات الشيعية التي تهدّد بذلك.
الخميس 2024/10/10
البعض جاء من قبل زائرا وعاد اليوم لاجئا

كربلاء (العراق)- سخّرت مدينة كربلاء ذات القدسية الخاصّة لشيعة العراق والعالم خبرتها الطويلة في استقبال الحشود الضخمة من الزوار التي تتوافد عليها كلّ سنة وإيوائها وإعاشتها بشكل تطوّعي، لاستقبال العوائل اللبنانية التي بدأت تتدفق على العراق فرارا من الحرب الضارية التي اندلعت في لبنان بين إسرائيل وحزب الله.

وتأتي غالبية تلك العوائل من الوسط الشيعي اللبناني ما يجعل من عامل وحدة الطائفة بينها وبين سكان كربلاء ومعظم مناطق وسط وجنوب العراق أرضية لاستقبالها بحفاوة وحصولها على إقامة مناسبة.

ووصلت إلى كربلاء التي تضم العتبة الحسينية حيث دفن الحسين حفيد الرسول محمّد وابن علي بن أبي طالب، الكثير من العوائل اللبنانية التي فرّت من القصف الإسرائيلي المتواصل على مناطقها بجنوب لبنان وبينها من خسر منزله وسائر ممتلكاته هناك.

ويزور الآلاف من الحجاج اللبنانيين سنويا كربلاء لإحياء ذكرى أربعين مقتل الإمام الحسين مطلع القرن السابع للهجرة، ويفتح العراقيون منازلهم للزوّار في هذه الفترة ويقدّمون لهم الطعام.

◄ وحدة الطائفة بين العوائل اللبنانية النازحة وسكان وسط وجنوب العراق عامل مشجع على التوجه إلى تلك المناطق

ومن بين الذين فرّوا حاليا، كامل صفي الدين الذي قال إنه اختار المجيء إلى كربلاء هربا من الحرب في جنوب لبنان، بعد أن كان زارها في وقت سابق هذه السنة حيث لمس “حسن الضيافة والخدمات الجيدة خلال ذكرى الأربعين”.

ويقول الشاب الذي كان يعمل محاسبا في شركة لبيع الكهربائيات “وصلت قبل أسبوع إلى كربلاء بعد أن سمعت أن الناس هنا فتحوا منازلهم مجددا أمام الزوار”.

ويضيف “لم أعد أتحمّل القصف في لبنان، والفرار إلى سوريا ليس آمنا لأن الأوضاع غير مستقرة هناك أيضا”.

وتحوّلت دوامة العنف عبر الحدود التي بدأت قبل عام بين إسرائيل وحزب الله على خلفية الحرب في قطاع غزة، إلى حرب مفتوحة في الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي. وبدأ الجيش الإسرائيلي بقصف معاقل الحزب في جنوب لبنان وشرقه والضاحية الجنوبية لبيروت.

ومنذ أكتوبر 2023 قُتل أكثر من ألفي شخص في لبنان، من بينهم أكثر من 1110 منذ 23 سبتمبر، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية.

وعلى خلفية الغارات الإسرائيلية على لبنان، نزح أكثر من مليون شخص بحسب السلطات. وهرب الكثيرون إلى الخارج.

وقرّرت الحكومة العراقية الثلاثاء تخصيص حوالي 2.3 مليون دولار لتقديم الخدمة للبنانيين الوافدين إلى العراق. ونظّمت كذلك جهود إغاثة وأرسلت مساعدات طبية وغذائية للبنان.

وبدورها، شكّلت العتبة الحسينية لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني وتقديم المساعدات وبدأت تنسّق مع جهات محلية لتأمين سفر لبنانيين معرّضين لخطر القصف.

ويقول الأربعيني جلال عاصي الذي فرّ من جنوب لبنان بعد خمسة أيام من غارات إسرائيلية متواصلة “وصل القصف قرب بيتنا إلى منزل جيراننا الملاصق لمنزلنا. عندها قررنا أن نرحل”.

ويضيف الرجل في إحدى باحات المجمّع المزروعة بالأشجار “استهدف القصف المعادي بيوت مدنيين وحصلت مجازر وسقط شهداء في بلدتنا”.

5700

لبناني دخلو إلى العراق عبر مطارَي بغداد والنجف الدوليَين ومنفذ القائم الحدودي، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية العراقية

ونزح عاصي في مرحلة أولى مع أسرته إلى بيروت التي لم تسلم من القصف. ويقول “حين لم نجد مكانا آخر، قررنا السفر إلى العراق” الذي يقدّم “تسهيلات لسفر اللبنانيين”.

وفي السابع والعشرين من سبتمبر، تاريخ مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في غارات مدمّرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، وجّهت الحكومة العراقية بمنح اللبنانيين الراغبين بالسفر إلى العراق ولا يمتلكون جوازات سفر، وثائق سريعة بغية تسهيل وصولهم إلى البلد الذي يقيم علاقات وثيقة مع لبنان وحزب الله حليف طهران.

ويتابع عاصي “نتمنى أن تهدأ الأمور في بلدنا ويعود الأمن والأمان لنتمكّن من العودة”.

وكثّفت إسرائيل غاراتها على لبنان وأعلنت آخر الشهر الماضي بدء عمليات برية محدودة ضد الحزب في جنوب لبنان وحشدت أربع فرق عسكرية عند الحدود، بعد مرور 24 عاما على انسحاب قواتها من جنوب لبنان الذي احتلته 22 عاما.

وفي السادس والعشرين من سبتمبر أعلنت العتبة الحسينية أن كلّ مستشفياتها في حالة تأهب لاستقبال إصابات من لبنان “تنفيذا للبيان الصادر عن المرجعية الدينية العليا”.

وكان المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني قد دعا “المؤمنين إلى القيام بما يساهم في تخفيف معاناة” اللبنانيين “وتأمين احتياجاتهم الإنسانية”.

وتجد الحكومة العراقية مصلحة في تكثيف الدّعم الإنساني للبنانيين لنزع ذريعة التدخل العسكري في الصراع من يد الميليشيات الشيعية العراقية التي تهدّد بذلك.

ويبدو أن دعوة السيستاني بحدّ ذاتها لم تكن بعيدة عن هذا الهدف، إذ أنّ المخاوف من توريط البلد في حرب مدمّرة تشمل الطبقة السياسية كما القيادة الدينية.

◄ الكثير من العوائل اللبنانية التي فرّت من القصف الإسرائيلي المتواصل على مناطقها بجنوب لبنان وبينها من خسر منزله وسائر ممتلكاته هناك وصلت إلى كربلاء

ودخل نحو 5700 لبناني إلى العراق عبر مطارَي بغداد والنجف الدوليَين ومنفذ القائم الحدودي، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية العراقية.

ومن بين هؤلاء أكثر من 500 شخص تستضيفهم حاليا مدينة سيد الأوصياء التابعة للعتبة الحسينية، في ستّة مجمعات فندقية، بحسب مسؤول الإعلام فيها علي الحسيني.

ووصلت أول دفعة منهم قبل 12 يوما وتصل دفعات جديدة يوميا من بينهم عائلات مرضى يتلقون العلاج في مستشفيات العتبة الحسينية، وفق قوله.

وتروي رشا نصر الدين كيف تهجّرت أولا من مدينة النبطية الجنوبية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث لاحقها القصف وانعدام الكهرباء والمياه، ثمّ إلى العراق.

وتقول المرأة التي خسرت سبعة من أفراد عائلتها في غارات إسرائيلية، مجهشة بالبكاء “نشعر كأننا أيتام حاليا”.

وتوضح أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في قصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت جعل الوضع “صعبا جدا”. وتضيف “لا ندري ما سنفعل بأنفسنا، لا ندري كيف سنعيش في لبنان عندما نعود إليه”.

3