عام من الحرب في غزة: الصراع الأكثر دموية بالنسبة إلى الصحافيين

المادة 79 من اتفاقيات جنيف تتعامل مع الصحافيين العاملين في بيئات الصراع باعتبارهم مدنيين محميين.
الثلاثاء 2024/10/08
ظروف قاتلة

بيروت – كانت الصحافية الفلسطينية إسلام الزعنون عازمة على تغطية الحرب في غزة إلى درجة أنها عادت إلى العمل بعد شهرين من الولادة. ولكن، مثل جميع الصحافيين في غزة، لم تكن تغطي القصة فحسب، بل كانت تعيشها أيضا.

أنجبت الصحافية البالغة من العمر 34 عاما، والتي تعمل في تلفزيون فلسطين، فتاة في مدينة غزة بعد أسابيع قليلة من بدء الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر الماضي.

كان عليها إجراء عملية قيصرية حيث كانت الغارات الجوية الإسرائيلية تقصف القطاع. أجرى أطباؤها العملية في الظلام، فقط استخدموا أضواء هواتفهم المحمولة.

وفي اليوم التالي عادت إلى منزلها، ولكنها اضطرت إلى الفرار من القتال، وقادت سيارتها إلى الجنوب مع أطفالها الثلاثة. وبعد تسعة أيام من الولادة، اضطرت إلى التخلي عن سيارتها ومواصلة السير على الأقدام.

وقالت “كان علي أن أسير ثمانية كيلومترات (خمسة أميال) للوصول إلى الجنوب مع أطفالي. كانت الجثث في كل مكان، وكان المشهد مرعبا. شعرت أن قلبي سيتوقف من الخوف”. وبعد ستين يوما فقط، عادت أمام الكاميرا لتقديم تقارير عن الحرب، وانضمت إلى صفوف الصحافيين الفلسطينيين الذين مثلوا النافذة الوحيدة للعالم على الصراع في غياب وسائل الإعلام الدولية، التي لم تمنحها السلطات الإسرائيلية حرية الوصول.

pp

وقالت الزعنون لرويترز “المراسلون يكتبون التقارير بدمائهم، وهم يعلمون ذلك، ولا يمكنهم الابتعاد عن التغطية لفترة طويلة”.

حتى الرابع من أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن 127 صحفيا وعاملا في وسائل الإعلام منذ بدء الصراع، وفقا للجنة حماية الصحافيين ومقرها الولايات المتحدة.

وقد كان العام الماضي الفترة الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحافيين منذ بدأت منظمة مراقبة الصحافة في تسجيل هذه الأرقام في عام 1992.

وقد سجلت منظمة “مراسلون بلا حدود” المدافعة عن حرية الصحافة مقتل أكثر من 130 صحافيا فلسطينيا في غزة في العام الماضي، بما في ذلك ما لا يقل عن 32 من العاملين في مجال الإعلام الذين تقول إنهم كانوا مستهدفين بشكل مباشر من قبل إسرائيل.

حتى الآن، حددت لجنة حماية الصحافيين أن ما لا يقل عن خمسة صحافيين كانوا مستهدفين بشكل مباشر من قبل القوات الإسرائيلية في عمليات قتل تصنفها اللجنة بأنها جرائم قتل.

ومن بين هؤلاء الصحافي عصام عبدالله (37 عاما) الذي قتلته دبابة إسرائيلية في جنوب لبنان في أكتوبر الماضي، وفقا لتحقيق أجرته وكالة رويترز.

ولا تزال لجنة حماية الصحافيين تبحث في التفاصيل للتأكد من صحة ما لا يقل عن 10 حالات أخرى تشير إلى استهداف محتمل.

وقال المقدم ريتشارد هيشت، المتحدث الدولي باسم قوات الدفاع الإسرائيلية، في وقت مقتل عبدالله “نحن لا نستهدف الصحافيين”.

قُتل أكثر من 41600 شخص في غزة وجُرح ما يقرب من 100 ألف شخص منذ السابع من أكتوبر، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

شنت إسرائيل هجومها بعد أن اقتحمت حماس جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقا لإحصاءات إسرائيلية.

وبالنسبة للصحافيين مثل الزعنون، لا تقتصر التحديات على البقاء آمنين أثناء التغطية الإخبارية. مثل بقية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون شخص، نزح العاملون في مجال الإعلام عدة مرات، وجاعوا، وافتقروا إلى الماء والمأوى، وحزنوا على جيرانهم وأصدقائهم القتلى.

وقالت الزعنون إن الطعام نادر، والحفاضات باهظة الثمن، والأدوية غير متوفرة. بالإضافة إلى رغبتها المهنية في الاستمرار في التغطية الإخبارية، فهي بحاجة إلى توفير الطعام على المائدة لأن زوجها لم يتمكن من العمل منذ بدء الحرب. وتابعت “إذا لم أعمل، سيجوع أطفالي”.

pp

ومثلها كمثل كل أهل غزة، تخشى على سلامتها ولا تجرؤ على تحدي أوامر الإخلاء الإسرائيلية. وقالت “لم تكن لدينا أي حماية حقيقية. ولو قررنا البقاء في المناطق الشمالية لكان ذلك سيكلفنا بالتأكيد ثمنا باهظا للغاية، وهذا ما حدث لأصدقائنا”.

تندرج الحرب بين إسرائيل وحماس في إطار نظام دولي معقد للعدالة نشأ منذ الحرب العالمية الثانية، وكان معظمه يهدف إلى حماية المدنيين. وحتى لو قالت الدول إنها تتصرف دفاعا عن النفس، فإن القواعد الدولية المتعلقة بالصراع المسلح تنطبق على جميع المشاركين في الحرب.

تتعامل المادة 79 من اتفاقيات جنيف مع الصحافيين العاملين في بيئات الصراع باعتبارهم مدنيين محميين إذا لم يشاركوا في القتال.

في مارس، وقّع كبار القادة في العديد من وسائل الإعلام العالمية على رسالة تحث السلطات الإسرائيلية على حماية الصحافيين في غزة، قائلين إن الصحافيين كانوا يعملون في ظروف غير مسبوقة ويواجهون “خطرا شخصيا جسيما”.

لقد تردد صدى ما وصفته لجنة حماية الصحافيين بأنها “الحرب الأكثر خطورة” بالنسبة للصحافيين في جميع أنحاء العالم، مما أثار الخوف في نفوس الصحافيين الذين يشعرون بالقلق إزاء وضع مميت.

5