تبون يلمح لإجراء تعديلات على الدستور وانتخابات مبكرة في الجزائر

الجزائر - ألمح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى إمكانية إقرار تعديلات على الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة، إذا ما ظهرت الحاجة لذلك، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات من بينها التخطيط لتعديل يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، أو استعادة بعض الصلاحيات من الحكومة والبرلمان.
ويحصر الدستور الحالي الذي تم إقراره في 2020، العهدة الرئاسية في ولايتين فقط وفق المادة 88 من الفصل الأول المخصص للسلطة التنفيذية.
وقال تبون، في حديثه مع وسائل إعلام محلية مساء السبت، ردا على سؤال يخص إمكانية تعديل الدستور "إن كان هناك طلب ملح ومنطقي لتعديل قانون الانتخابات والدستور سنقوم بذلك لتعديل بند أو مادة قد نراها مجحفة لأن الهدف هو تحقيق حلم الشهداء وبناء دولة ديمقراطية تحمي الضعيف والفقير".
وبخصوص انتخابات عامة مبكرة، أجاب تبون "لا يمكن الجزم بإجراء انتخابات محلية وتشريعية مسبقة لكن قد نلجأ إلى ذلك إن اقتضت الظروف".
ولفت الرئيس الجزائري إلى أن تعديل قانوني الولاية والبلدية لهما الأولوية والأسبقية قبل إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية.
من جهة أخرى، كشف تبون عن إجراء تحريات داخل السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، لكشف كل التصرفات التي أدت إلى تسجيل تضاربات خلال الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت بتاريخ 7 سبتمبر الماضي.
ووعد بإعلان نتائج هذه التحريات للرأي العام قريبا، مؤكدا أن السلطة المستقلة للانتخابات مؤسسة دستورية وركيزة من ركائز الديمقراطية، أحيانا بعض الأشخاص لا يكونون في مستوى مؤسساتهم.
وبشأن موعد إطلاق الحوار الوطني الذي كان قد أعلن عنه خلال مراسم أدائه اليمين الدستورية قال إنه "سيطلق نهاية 2025 أو بداية سنة 2026، أي بعد مراجعة قوانين أجهزة الدولة الديمقراطية، والانتهاء من بناء صرح الدولة العصرية.
وتابع "من الضروري أن نحضر للحوار الوطني ونرحب بكل المقترحات. الحوار ثم الحوار لجعل الجزائر قوية اقتصاديا وثقافيا وتحصين البلاد من التدخلات الأجنبية وهذا هو هدفنا".
ولفت أن مراجعة قانون الأحزاب ستكون بالتشاور مع الأحزاب وليس في مكاتب معزولة.
وجدد تبون التأكيد على عدم وجود سجناء رأي في الجزائر، وأعرب عن أسفه لحدوث "سوء فهم في بعض الأحيان ما يتسبب في تكهرب الأوضاع، في الاجتماع السابق مع الأحزاب طلبت منهم إعطائي أسماء معتقلين، وقلت يجب احترام المؤسسات ومحاربة التطرف أيا كان مصدره لأن الديمقراطية لا تعني الفوضى التي تقوم على التشكيك والشتم".
ورجح تبون، إجراء تغيير حكومي مع بدء مناقشة قانون الموازنة 2025 من قبل مجلس النواب، مرجحا بقاء بعض الوزراء الذين أبلوا البلاء الحسن.
وقال "لن نغير من أجل التغيير. أنا أبحث عن أحسن الكفاءات الوطنية، كما أنني لا أمانع من أن تتولى كفاءات حزبية حقائب في الحكومة المنتظرة".
وكان تبون، قد رفض استقالة الحكومة التي يقودها الوزير الأول نذير العرباوي، طالبا منها مواصلة مهامها إلى حين.
إلى ذلك، كشف الرئيس الجزائري أن بلاده تعتزم شراء أسهم في بنك "بريكس" للتنمية بقيمة مليار ونصف مليار دولار.
وكان الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي البنك الجديد للتنمية، الذي عقد في 31 أغسطس الماضي في كيب تاون بجنوب أفريقيا، وافق رسميا على انضمام الجزائر إلى هذه المؤسسة.
لكن تبون، أكد انه لا يفكر في الانضمام للتكتل الاقتصادي "البريكس"، بسبب مواقف بعض أعضاء هذه المجموعة.
واستطرد قائلا "كنا نريد الدخول إلى البريكس ككتلة، غير أن بعض الأعضاء قاموا بعرقلة انضمام الجزائر، وتيقنوا أنهم لن يؤثروا فيها ولا في نخوتها. ومن عارضوا دخول الجزائر أفادوها. وأصدقاؤنا يبقوا أصدقاءنا".
من جهة أخرى، كشف تبون أن الأولوية حاليا هي لبناء اقتصاد قوي وجعل الجزائر في مناعة من التقلبات الدولية ثم التوجه لبناء ديمقراطية حقة.
وأكد تبون أن غايته الرئيسية هي ليس جعل كل الجزائريين أغنياء، ولكن ضمان لهم العيش في كرامة وانتشالهم من الفقر، مشددا على التزامه بأن لا ينقص المواطن أي شيء.
وأبرز أن الجهود ترتكز حاليا على ضمان الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية كالقمح والشعير، لافتا إلى تغطية 80 بالمئة من الحاجيات الوطنية من القمح خلال العام الجاري بفضل الإنتاج المحلي.
ونوه إلى أن إقامة مناطق حرة مع دول الجوار ستحد من المضاربة في السلع، مستدلا بالمنطقة الحرة مع موريتانيا وقريبا مع النيجر ثم تونس وليبيا وغيرهم.
ولفت تبون إلى أن ارتفاع أسعار البن جعل الدولة تتحمل الفارق في الأسعار من خلال الخزينة العمومية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن البسيط، منوها أن القضاء على التهريب يمر عبر إنشاء مناطق حرة في المناطق الحدودية مع البلدان الشقيقة المجاورة.
وبخصوص زيارته التي كانت مقررة إلى فرنسا، قال تبون "لن أذهب إلى كانوسا". واعتبر هذه الزيارة مهينة، وذلك على خلفية تجدد التوتر بين البلدين.
وقد شاع تعبير "الذهاب إلى كانوسا" الذي أطلقه المستشار الألماني بسمارك في نهاية القرن التاسع عشر، وهو يعني طلب للمغفرة. ويشير هذا التعبير إلى الإجراء الذي أجبر عليه الإمبراطور الألماني هنري الرابع في القرن الحادي عشر، عندما ذهب إلى مدينة كانوسا الإيطالية ليطلب من البابا غريغوري السابع رفع الحُرم الكنسي عنه.
وكانت زيارة الرئيس الجزائري التي أرجئت مرارا منذ مايو 2023، مقررة بين نهاية سبتمبر ومطلع أكتوبر 2024.
لكن العلاقات بين الجزائر وباريس شهدت فتورا من جديد بعد أن أعلنت باريس في نهاية يوليو دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء المغربية المتنازع عليها، في حين تدعم الجزائر جبهة بوليساريو المطالبة باستقلال هذه المنطقة عن المغرب.
وسارعت الجزائر الى استدعاء سفيرها في باريس وخفضت تمثيلها الدبلوماسي وأبقت على قائم بالأعمال.
وحول الاستعمار الفرنسي (من 1830 إلى 1962) ومسائل الذاكرة، أكد الرئيس الجزائري "نريد الحقيقة التاريخية ونطالب بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي الذي كان استيطانيا بحتا".
وأضاف "لن نقبل الأكاذيب التي يتم نسجها حول الجزائر".
وفي معرض حديثه عن قضية التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، قال تبون لفرنسا "إذا أردتم أن نكون أصدقاء، تعالوا ونظفوا مواقع التجارب النووية".
وبين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في مواقع عدة في الصحراء الجزائرية. وكشفت وثائق رُفعت عنها السرية في 2013 أنه لا تزال هناك تداعيات إشعاعية كبيرة تمتد من غرب إفريقيا إلى جنوب أوروبا.
وأشار تبون أيضا إلى الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968 والتي تمنح وضعا خاصا للجزائريين من حيث حقوق التنقل والإقامة والعمل في فرنسا.
وقال إنها أصبحت "فزاعة وشعارا سياسيا لأقلية متطرفة" يمينية في فرنسا تدعو إلى مراجعتها.
وفي ديسمبر 2023، رفضت الجمعية الوطنية الفرنسية نصا يطلب من السلطات إلغاء الاتفاقية.
وتقضي الاتفاقية الموقعة في وقت كان الاقتصاد الفرنسي بحاجة إلى يد عاملة، بمنح الجزائريين امتيازات مثل استثنائهم من القوانين المتصلة بالهجرة. فبإمكانهم البقاء في فرنسا بموجب "تصريح إقامة" وليس "بطاقة إقامة".
كما بإمكانهم الإقامة بحرية لمزاولة نشاط تجاري أو مهنة مستقلة، والحصول على سند إقامة لعشر سنوات بسرعة أكبر من رعايا دول أخرى.