الأسواق والشرق الأوسط: كيف يتغلب المستثمرون على التقلبات الجيوسياسية

الاستقرار النسبي في المؤشرات يبدد جزءا من مخاوف حدوث فوضى في الأسواق.
السبت 2024/10/05
لا نهاية للصدمات!

ينظر المستثمرون حول العالم بحذر إلى تأثيرات تطور التوترات في الشرق الأوسط على أعمالهم المتنوعة، التي تتأثر عادة بتقلبات الأسواق، رغم أن البعض من المحللين يعتقدون أن الوضع قد لا يترك الكثير من الأضرار مستقبلا، ما لم تتوسع الحرب في المنطقة.

لندن- يتصاعد الصراع في الشرق الأوسط مرة أخرى، لكن المزاج السائد في الأسواق المالية يظل متفائلا في الوقت الحالي بسبب التحولات في إنتاج النفط ومع تفوق خفض أسعار الفائدة العالمية على التقلبات الجيوسياسية.

وعلى مدى هذا الأسبوع ركز المستثمرون على التوتر المتصاعد في المنطقة، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط وتراجع العملات شديدة التأثر بالمخاطر.

وواصلت إسرائيل، التي لا تزال تقاتل حماس في قطاع غزة، صراعها مع جماعة حزب الله اللبنانية بعد أيام من تعرضها لهجوم من إيران.

ومع ذلك، فإن مؤشر أم.أس.سي.آي للأسهم العالمية لا يزال أقل بنسبة واحد في المئة فقط من أعلى مستوياته القياسية المسجلة في الأسبوع الماضي.

واستقرت أسعار النفط، التي ارتفعت بنحو 5 في المئة في غضون 24 ساعة بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، حول مستوى 75 دولارا للبرميل بعيدا عن التهديد.

مارك داودينغ: الأصول تتأثر إذا رأينا تأثير الوضع على النمو والتضخم
مارك داودينغ: الأصول تتأثر إذا رأينا تأثير الوضع على النمو والتضخم

ومن المؤكد أن تصعيدا أكبر يعطل إمدادات النفط من الشرق الأوسط ويهز الاقتصاد العالمي من شأنه أن يستدعي رد فعل أكبر، وحقيقة أن أسواق الأسهم تقترب من مستويات قياسية مرتفعة قد تجعلها عرضة لهبوط حاد.

ولكن في الوقت الحالي، تخفف احتمالات المزيد من التيسير النقدي والدور الموسع للولايات المتحدة في إنتاج النفط، والذي عوّض عن هيمنة الشرق الأوسط من وقع الأزمة الراهنة.

وما يسمى بـ”مقياس الخوف في وول ستريت”، مؤشر التقلب فيكس، عند مستوى معتدل حول 20 نقطة، وهو أقل بكثير من ذروة ما بعد الوباء فوق 60 نقطة، التي بلغتها خلال اضطرابات السوق في أوائل أغسطس المرتبطة بتراجع في تجارة الحمل العالمية.

وقال مارك داودينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في بلو باي لإدارة الأصول، لوكالة رويترز “عندما نفكر في المخاطر الجيوسياسية وانتقالها إلى أسعار الأصول، فإن ما سيكون له تأثير أكبر هو ما إذا رأينا نتائج تؤثر بشكل ملموس على النمو أو التضخم”.

وأضاف “كان الشاغل الرئيسي حقًا هو تأثير انتقال على أسعار النفط. ولكن حتى هنا، كنا في وضع حيث كان سعر النفط ينزلق”.

ويقول المحللون إن تحول الولايات المتحدة إلى منتج مهم للنفط، حيث حافظت على الصدارة عالميا على مدى السنوات الست الماضية، قلل من الحساسية العالمية لانقطاعات الإمدادات في الشرق الأوسط.

ولقد أعادت أسواق الطاقة الأوروبية تنظيم نفسها منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا مطلع العام 2022، والذي كان مثالاً دراماتيكيًا لكيفية تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على الأسواق والاقتصادات العالمية.

وقالت كاثرين نيس، كبيرة خبراء الاقتصاد الأوروبيين في بي.جي.آي.أم فيكسد إنكوم، لرويترز إن “الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة تشير إلى أن المخاطر التي تهدد إمدادات الطاقة من التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط قد خفّت إلى حد ما”.

كاثرين نيس: أهمية النفط الأميركي أنه خفف مخاطر تهديد إمدادات الطاقة
كاثرين نيس: أهمية النفط الأميركي أنه خفف مخاطر تهديد إمدادات الطاقة

وفي عام 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا، ارتفعت أسعار النفط إلى ما يزيد عن 100 دولار، كما ارتفعت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، مما أطلق العنان لموجة جديدة من التضخم التي زادت الضغوط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة.

ودفع ذلك الوضع عائدات السندات إلى الارتفاع، وخاصة في الولايات المتحدة، وبالتالي عزز قيمة الدولار، الذي بات أقوى مما كان في السابق.

ووصل مؤشر الدولار، الذي يقيس العملة الأميركية مقابل ست عملات، إلى 101.92 نقطة في أحدث التعاملات، وهو مستوى غير بعيد عن أعلى مستوى له في ستة أسابيع عند 102.09 نقطة الذي لامسه الخميس. وارتفع المؤشر على مدار الأسبوع 1.5 في المئة.

ومع ذلك يبدو الوضع مختلف حاليا، فالبنوك المركزية الرئيسية في حالة تخفيف تشديد السياسة النقدية بالفعل وتأمل أن تتجنب الولايات المتحدة الركود.

وقال تريفور جريثام، رئيس الأصول المتعددة في رويال لندن لإدارة الأصول، إن الاقتصاد العالمي ليس مستعدًا لصدمة نفطية، لأنه في “مرحلة أكثر ليونة من الدورة”.

ويتناقض هذا مع عام 2022، حيث أكد جريثام أنه “عندما حدثت حرب أوكرانيا، كنت بالفعل في تلك الفترة حيث بدأت للتو في الحصول على أرقام تضخم عالية جدا”.

وتدعم الخلفية الحالية للسياسة النقدية الأسهل معنويات المستثمرين، حتى مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.

وقال تيلمان كولب، إستراتيجي الأسواق الناشئة في يو.بي.أس لإدارة الثروات العالمية، إنه “في حين شهد العامان الماضيان تطورات كبيرة في السياسة المحلية والدولية، فإن التوقعات الاقتصادية ظلت أساسية بالنسبة إلى الأسواق”.

تريفور جريثام: اقتصاد العالم ليس مستعدا لصدمة لأنه في مرحلة ليونة
تريفور جريثام: اقتصاد العالم ليس مستعدا لصدمة لأنه في مرحلة ليونة

وتساءل كولب “إلى أين يتجه التضخم؟ كيف يستجيب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)؟ هل النمو صامد؟”.

وفي الوقت نفسه، قفز المستثمرون على إعلانات تدابير التحفيز الاقتصادي التي طال انتظارها من الصين والتي دفعت الأسهم الصينية إلى الارتفاع، وعززت الأصول العالمية من الأسهم الفاخرة إلى المعادن الصناعية والتعدين.

وقال داودينغ من بلو باي “كان تأثير التحفيز السياسي الكبير الذي قدمته الصين الأسبوع الماضي عاملاً أكثر أهمية من حيث ما يعنيه للطلب العالمي والنمو”.

وبالطبع، بحسب المحللين، قد يتأرجح المقياس بسرعة كبيرة ويظل النفط نفسه آلية النقل إذا اشتعلت الجغرافيا السياسية أكثر.

وقالت تينا فوردهام مؤسسة وإستراتيجية جيوسياسية في فوردهام جلوبال فورسايت، إنها “تراقب لترى ما إذا كانت إسرائيل ستستهدف البنية التحتية للطاقة في إيران أو المنشأة النووية”.

وأضافت “أي من هذين الهدفين من شأنه أن يؤدي إلى تأثير على السوق، حيث قد يصبح هذا الأمر أكثر إشكالية، على سبيل المثال، إذا استهدفت أوكرانيا البنية التحتية للطاقة الروسية في نفس الوقت”.

ومع اقتراب أسواق الأسهم من مستوياتها القياسية، هناك مجال للهبوط الدراماتيكي، كما يحذر صناع السياسات.

وذكر بنك إنجلترا المركزي الأربعاء الماضي، أن أسعار الأصول العالمية لا تزال مرتبكة وعرضة لهبوط كبير مع تزايد القلق لدى المستثمرين بشأن المخاطر الجيوسياسية.

وبالنسبة إلى أندرو بريسلي، الرئيس التنفيذي لشركة ساكسو المملكة المتحدة، فإن الأصول مسعرة بشكل خاطئ في ضوء المخاطر الجيوسياسية. وقال إن “مؤشرات التقلب مثل مؤشر التقلبات فيكس يجب أن تكون أعلى”. وأضاف إنه “أمر مثير للقلق بعض الشيء بالنسبة إليّ كيف أصبحت الأسواق غير حساسة للمخاطر الجيوسياسية”.

10